كشف استطلاع حديث أجرته جامعة طلابية تابعة لمركز "إيسبا" لأبحاث الرأي العام في إيران، بتكليف من مؤسسة الرئاسة، عن مستوى غير مسبوق من السخط الشعبي، حيث بلغت نسبة المواطنين غير الراضين عن الأوضاع العامة في البلاد نحو 92%. الرقم يعكس اتساع فجوة الثقة بين الشعب والسلطات، ويضع الحكومة أمام تحديات سياسية واقتصادية حادة.
وفقًا لما ذكره المستشار الاجتماعي ورئيس مركز الاتصالات الشعبية في مؤسسة الرئاسة، محمد جواد جوادي يغانه، أظهرت نتائج الاستطلاع تقييم غالبية المواطنين لأداء المسؤولين المحليين وأعضاء البرلمان بأنه ضعيف، فيما تراوحت تقييمات المسؤولين الإقليميين بين "ضعيف" و"متوسط"، ورأى نحو 59% من المشاركين أن أداء نواب البرلمان دون المستوى المطلوب.
تصريحات رسمية: معضلة المعيشة على رأس الأولويات
في سياق هذه الأرقام الصادمة، شدد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال جلسة برلمانية الأسبوع الماضي، على ضرورة وضع الملف المعيشي في مقدمة أولويات الحكومة، قائلاً: "لا يمكننا أن نحكم والشعب جائع". وأكد الرئيس على أهمية أن تُركز موازنة العام الجاري على رفع القدرة الشرائية للمواطنين، محذرًا من أن فشل الحكومة في معالجة الأزمة المعيشية يعني انحرافها عن الطريق الصحيح.
الاقتصاد الإيراني تحت الضغط
تعكس الأرقام الاقتصادية حجم الأزمة المستمرة، حيث فقد الريال أكثر من 59% من قيمته، فيما تجاوز معدل التضخم 40%، بينما يعاني نحو 40% من السكان من الفقر النسبي. وتؤكد بيانات خط الفقر ارتفاعًا بنسبة تتجاوز 30% خلال عام واحد، مع تفاقم البطالة الرسمية إلى أكثر من 12%، في ظل تفاوت ملحوظ بين المحافظات الحضرية والحدودية.
العقوبات الغربية المستمرة، إلى جانب تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي اندلعت في يونيو الماضي واستمرت 12 يومًا، أضافت ضغوطًا إضافية على الاقتصاد، مما أدى إلى تراجع الصادرات النفطية وارتفاع تكاليف المعيشة.
تحديات سياسية ودبلوماسية
في الوقت نفسه، لا تزال الصورة المتعلقة باستئناف المفاوضات مع واشنطن غامضة، خاصة بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، التي زادت من تعقيد المسار النووي والاقتصادي لطهران. وتواجه الحكومة الحالية صعوبة في الموازنة بين الضغوط الداخلية وحاجة التهدئة الخارجية، فيما يشير محللون إلى أن استمرار الغموض حول مستقبل الحوار النووي يُبقي الأسواق في حالة ترقب وعدم استقرار.
التحولات الاجتماعية والخطر القومي
يُحذر خبراء من أن استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات القومية والإثنية والسياسية، ويهدد الاستقرار الداخلي. ويشيرون إلى أن تحقيق أي إصلاحات جذرية لن يكون ممكنًا دون استجابة فعلية للحاجات المعيشية الملحة للمواطنين.
تشير جميع المؤشرات إلى أن إيران تمر بفترة حرجة، حيث يتقاطع السخط الشعبي القياسي مع تحديات اقتصادية وسياسية متشابكة. ويضع هذا الواقع الحكومة أمام اختبار مزدوج: تلبية الاحتياجات المعيشية للشعب، وضبط ملف العلاقات الخارجية بما يخفف من وطأة العقوبات والضغوط الاقتصادية. وفي ظل هذه المعطيات، تبدو القدرة على تحقيق استقرار مستدام مرهونة بإجراءات إصلاحية شاملة وقرارات حكومية جذرية، وإلا فإن فجوة الثقة بين الشعب والسلطة ستستمر في الاتساع.