في موقف يعكس تشدد القاهرة تجاه الأزمة السودانية، أدان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ما وصفه بـ"الفظائع والانتهاكات المروّعة" التي شهدتها مدينة الفاشر مؤخراً، مؤكداً أن مصر ستواصل دعمها الكامل لوحدة السودان واستقراره ورفضها القاطع لأي مساس بسيادته أو سلامة أراضيه.
وجاءت تصريحات عبد العاطي خلال لقائه في بورتسودان مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بتكليف من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار تحرك دبلوماسي متصاعد تسعى من خلاله القاهرة إلى تثبيت دورها كضامن لاستقرار السودان والمنطقة.
موقف مصري ثابت: لا لتقسيم السودان
أكد وزير الخارجية المصري أن تقسيم السودان "خط أحمر" بالنسبة للقاهرة، مشدداً على أن مصر لن تقبل بأي محاولة لتفكيك الدولة السودانية تحت أي ظرف. وأضاف أن الأزمة السودانية لا يمكن حلها عسكرياً، بل عبر تسوية سياسية شاملة تحافظ على وحدة السودان ومقدراته.
وشدد عبد العاطي على أن بلاده تتابع بقلق ما يجري في الفاشر، وتدين الانتهاكات التي ارتُكبت بحق المدنيين هناك، داعياً إلى هدنة إنسانية عاجلة تمهّد لوقف إطلاق نار شامل. كما أكد أن مصر منخرطة في جميع الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الصراع، ولا سيما ضمن الرباعية الدولية التي تضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة.
تنسيق مصري–سوداني حول سد النهضة
اللقاء في بورتسودان لم يقتصر على الملف الأمني والسياسي فحسب، بل تطرق أيضاً إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث شدد الجانبان على وحدة موقف القاهرة والخرطوم كـ"دولتي مصب"، وضرورة الالتزام بالقانون الدولي في إدارة مياه النيل. واتفقا على رفض أي إجراءات أحادية من جانب أديس أبابا قد تهدد الأمن المائي لكلا البلدين.
كارثة إنسانية تتسع في دارفور
تأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه دارفور واحدة من أعنف مراحل الصراع منذ اندلاعه في أبريل 2023. فقد تمكنت قوات الدعم السريع أواخر أكتوبر من السيطرة على مدينة الفاشر، آخر معقل للجيش في الإقليم بعد حصار دام 18 شهراً، وسط تقارير أممية ومحلية عن مجازر وعمليات عنف عرقي واغتصاب جماعي وخطف.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد أسفر النزاع السوداني عن مقتل عشرات الآلاف، ونزوح نحو 12 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، في ما تصفه المنظمة بأنه أسوأ أزمتي نزوح وجوع في العالم حالياً.
الدور المصري بين المبدأ والمصلحة
تسعى القاهرة إلى تثبيت حضورها في الأزمة السودانية باعتبارها "الجار الأقدر على الفهم والتأثير"، وتتحرك ضمن معادلة دقيقة تجمع بين الحرص على وحدة السودان والخوف من تداعيات الحرب على أمنها القومي، خصوصاً مع اقتراب المعارك من حدودها الجنوبية.
وفي الوقت ذاته، تحاول مصر موازنة تحالفاتها الإقليمية، إذ تشارك في “الرباعية” مع دول خليجية والولايات المتحدة، لكنها ترفض أي تسوية قد تهمّش الجيش السوداني أو تفتح الباب أمام تقسيم فعلي للبلاد.
بين إدانة الفظائع في دارفور ودعواتها لوقف النار، تبدو مصر حريصة على أن تبقى الوسيط العربي الأكثر ثباتاً في الأزمة السودانية، مدفوعة برؤية ترى في استقرار السودان ركيزةً لأمنها القومي ودرعاً جنوبياً لا يمكن التفريط فيه.