اختراق صامت: كيف تسلّل إسرائيليان إلى بيروت بجوازات أجنبية دون أن يُكتشف أمرهما؟

2025.11.08 - 02:59
Facebook Share
طباعة

في حادثة أثارت جدلاً واسعاً داخل لبنان، كشف الأمن العام اللبناني عن دخول مواطنين إسرائيليين إلى الأراضي اللبنانية بجوازات أجنبية، وتنقلهما بحرية في بيروت قبل مغادرتهما البلاد عبر مطار رفيق الحريري الدولي. الواقعة التي تبدو للوهلة الأولى "حادثاً فردياً"، تحمل في طياتها مؤشرات استخباراتية وأمنية مقلقة، خصوصاً في ظل التوتر المتصاعد بين لبنان وإسرائيل على جبهة الجنوب، وفي وقت تشهد فيه المنطقة سباقاً محموماً على النفوذ والمعلومات.

 


وفقاً للمصادر الأمنية اللبنانية، فإن المشتبه بهما هما:

أبراهام دوف غولدشتاين (Avraham Dov Goldstein) – مدون إسرائيلي شهير على مواقع التواصل يُعرف باسم "Avigold"، مواليد 1991، دخل لبنان بجواز سفر كندي صالح حتى عام 2035.

بيريل إنديغ (Berel Indig) – مواليد 1994، دخل البلاد بجواز سفر أمريكي صالح حتى عام 2031.


التحقيقات كشفت أن دخول الإسرائيليين تم في 17 سبتمبر 2025 عبر معبر المصنع الحدودي مع سوريا، وغادرا لبنان في اليوم التالي عبر مطار بيروت الدولي، بعد إقامة قصيرة في أحد الفنادق بالعاصمة.

المثير للانتباه أن غولدشتاين نشر لاحقاً مقطع فيديو على حسابه في "إنستغرام" و"يوتيوب" يوثّق زيارته لمرفأ بيروت الفاخر، وهو يتحدث بالعبرية، في مشهد بدا أشبه بعملية استعراض أو اختبار ميداني. الفيديو الذي حمل تعليقاً يقول فيه "اكتشاف لبنان الحقيقية" أثار عاصفة من التعليقات الغاضبة، ودفع الأجهزة الأمنية إلى إعادة مراجعة حركة دخول الأجانب خلال تلك الفترة.

 


مصادر أمنية لبنانية لم تستبعد أن تكون الزيارة جزءاً من عملية استطلاع ميداني غير معلن، أو محاولة لجمع معلومات ميدانية عبر ما يُعرف بـ"الاختراق الثقافي – السياحي"، وهي أساليب متبعة لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في فترات التوتر.

ويكتسب الحدث بعداً أخطر حين نعلم أن غولدشتاين سبق أن نشر مقاطع مماثلة من داخل دمشق، حيث ظهر في أحياء مدنية سورية وهو يتحدث بالعبرية، ما أثار حينها الشكوك حول طبيعة تحركاته وطبيعة الجهات التي تسهّل له الدخول إلى دول "محظورة" على الإسرائيليين.

تُطرح تساؤلات حول الجهة الثالثة التي سهّلت عبوره الحدود السورية – اللبنانية، خصوصاً أن الدخول عبر معبر المصنع لا يمكن أن يتم من دون تنسيق رسمي بين الجهات المعنية على الجانبين.

 


في لبنان، تباينت المواقف بين من يرى الحادثة اختراقاً أمنياً خطيراً يجب التعامل معه بجدية، وبين من يعتبرها واقعة استعراضية محدودة لمجرد "يوتيوبر" يسعى إلى إثارة الجدل.
إلا أن أجهزة الأمن اللبنانية تعاطت مع المسألة كـ"سابقة خطيرة"، حيث فتحت تحقيقاً داخلياً لمراجعة آليات التدقيق في جوازات السفر الأجنبية، خصوصاً تلك الصادرة عن دول غربية تسمح بازدواج الجنسية.

نواب وسياسيون لبنانيون دعوا إلى إعادة النظر في إجراءات الدخول عبر المعابر الحدودية، لا سيما مع تنامي ظاهرة استخدام جوازات أجنبية لأغراض استخباراتية. واعتبر بعضهم أن الحادثة "تذكير مؤلم" بضعف التنسيق الاستخباري بين الأجهزة اللبنانية والسورية في مواجهة الاختراق الإسرائيلي.

 


تُشير مصادر مطلعة إلى أن إسرائيل زادت في السنوات الأخيرة من نشاطها غير العسكري في دول الطوق، عبر إرسال أفراد يحملون جنسيات مزدوجة بهدف جمع معلومات بشرية (HUMINT) بعيداً عن الوسائل التقنية التقليدية.

في هذا الإطار، تمثل حادثة بيروت نموذجاً جديداً لـ"الجاسوسية الناعمة"، التي لا تعتمد على الجواسيس الكلاسيكيين بل على مؤثرين ومدونين قادرين على الاندماج في بيئات معادية دون إثارة الشبهات.
ويبدو أن غولدشتاين تحديداً ينتمي إلى هذا النمط من "الفاعلين المدنيين ذوي الغطاء الاستخباراتي"، حيث تجمع حساباته بين التوثيق السياحي والمحتوى الأمني الخفي.

 


حادثة دخول الإسرائيليين إلى بيروت ليست مجرد "سفر عابر" لشخصين بجوازات أجنبية، بل جرس إنذار أمني يعيد إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً:
هل لا يزال لبنان قادراً على حماية حدوده من الاختراقات غير التقليدية؟
وفي ظل الحرب المفتوحة مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية، يبدو أن المعركة لم تعد محصورة في الصواريخ والطائرات، بل امتدت إلى حرب المعلومات والمشاهد المصوّرة، حيث تصبح الكاميرا أداة اختراق أخطر من الرصاصة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3