وثائق الغارديان تكشف: لندن تجاهلت التحذيرات وسمحت بوقوع فظائع الفاشر

تحقيق جديد يكشف تواطؤ الصمت البريطاني في مأساة دارفور

2025.11.07 - 02:31
Facebook Share
طباعة

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن وثائق رسمية تؤكد أن الحكومة البريطانية تجاهلت تحذيرات استخباراتية واضحة حذّرت من وقوع موجة تطهير عرقي في مدينة الفاشر السودانية، مفضلةً خيارات "أقل تكلفة" على حساب الأرواح، في واحدة من أكثر حلقات الإهمال السياسي والإنساني إثارة للجدل في السنوات الأخيرة.

وبحسب الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة، فإن موظفين في الحكومة البريطانية أعدّوا العام الماضي وثيقة داخلية تضمنت أربعة خيارات لبرنامج عمل يرمي إلى منع جرائم الحرب والعنف الجنسي في الفاشر، كان أبرزها إنشاء آلية حماية دولية تشرف على حماية المدنيين وتوثيق الانتهاكات.

لكنّ وزارة الخارجية البريطانية — وبعد مراجعة مطوّلة للخيارات استمرت ستة أشهر — قررت المضيّ في الخيار الأقل طموحًا والأرخص تكلفة، رغم أن التقارير الاستخباراتية حذّرت من أن سقوط الفاشر سيكون مقدمة لمجازر واسعة النطاق بحق المدنيين والجماعات العرقية في شمال دارفور.

وجاء في إحدى المذكرات الحكومية المقتبسة في تقرير الغارديان: "نظراً لندرة الموارد، قررت المملكة المتحدة اعتماد النهج الأقل طموحاً لمنع الفظائع، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع."

 

وبموجب هذا القرار، اقتصر التدخل البريطاني على تخصيص تمويل محدود بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني قُدّم إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعدد من المنظمات الإنسانية، دون اتخاذ أي خطوات مباشرة لحماية المدنيين أو الضغط لفرض آلية رقابة دولية فعالة.

 

سقوط الفاشر.. تتويج لعام ونصف من الحصار

تأتي هذه التسريبات بعد أيام فقط من إعلان "قوات الدعم السريع" استيلاءها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في الفاشر، آخر وأكبر معقل حكومي في شمال دارفور، بعد حصار استمر أكثر من عام ونصف.
ويُنظر إلى هذا التطور على أنه نقطة تحول مأساوية في الصراع الدائر، حيث ترافقت سيطرة قوات الدعم السريع مع تقارير عن موجة تطهير عرقي وإعدامات ميدانية بحق سكان المدينة المنتمين لقبائل الزرقة، ما يعيد إلى الأذهان فظائع دارفور الأولى مطلع الألفية.

 

اتهامات متزايدة بلعب لندن دور المتفرّج

يرى مراقبون أن الوثائق التي كشفتها الغارديان تضع الحكومة البريطانية في موضع المساءلة الأخلاقية والسياسية، إذ تشير إلى تفضيل الحسابات المالية والدبلوماسية على الاعتبارات الإنسانية، رغم معرفة لندن المسبقة بطبيعة المخاطر.

ويؤكد محللون أن هذه السياسة تعكس نمطًا غربيًا متكرّرًا في التعامل مع النزاعات الإفريقية، حيث يتم تغليف اللامبالاة بشعارات "قلة الموارد" و"الأولويات الاستراتيجية"، في حين تُترك الشعوب تواجه مصيرها في مواجهة الميليشيات والعنف الطائفي.


دارفور من جديد.. والمجتمع الدولي في اختبار الفعل لا الخطاب

تفتح وثائق الغارديان باباً جديداً للأسئلة حول مسؤولية بريطانيا والدول الغربية في تفاقم الكارثة السودانية، ليس فقط من خلال التجاهل، بل عبر ما يمكن وصفه بـ"الانسحاب الأخلاقي" من مسرح الجريمة.
ومع تدهور الأوضاع في الفاشر وسقوطها بيد قوات الدعم السريع، يبقى السؤال الأهم:
هل سيتحرك المجتمع الدولي هذه المرة قبل أن تتحول دارفور مجدداً إلى رمزٍ للفشل الإنساني الغربي؟
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 6