في خطوة تعبّر عن تصاعد التوتر السياسي والعسكري على الساحة اللبنانية، وجّه "حزب الله" كتابًا مفتوحًا إلى الرؤساء الثلاثة — قائد الجيش جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام — شدد فيه على ضرورة الحفاظ على وحدة الموقف الوطني في مواجهة "العدوان الصهيوني المستمر" والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر 2024.
وجاءت الرسالة في لحظة حساسة تشهد فيها الحدود الجنوبية خرقًا يوميًا للطائرات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، وتزايدًا في الضغوط السياسية الغربية لإعادة فتح ملف "سلاح حزب الله" تحت ذريعة تنفيذ القرار الدولي 1701.
أكد الحزب في رسالته أن خطوته تأتي "إسهامًا في تعزيز الموقف اللبناني الموحد في مواجهة العدوان الصهيوني"، معتبرًا أن التمسك بخيار المقاومة هو السبيل الوحيد لصون السيادة وحماية الاستقرار الداخلي.
وأوضح الحزب أن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024، والذي تمّ التوصل إليه بوساطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، ليس اتفاقًا سياسيًا بل آلية تنفيذية للقرار 1701 الصادر عام 2006، وأن الحزب التزم به بالكامل، بينما "استمر العدو الإسرائيلي في خرقه برًا وبحرًا وجوًا دون توقف".
وأضافت الرسالة أن إسرائيل "تسعى لاستغلال القرار الحكومي المتعلق بحصرية السلاح"، معتبرة أنه قُدِّم للعدو كبادرة حسن نية، لكن تل أبيب تعاملت معه كذريعة للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، وهو ما وصفه الحزب بأنه "انزلاق خطير نحو التفريط بحق لبنان في الدفاع عن نفسه".
وفي تحذير واضح، دعا حزب الله السلطات اللبنانية إلى عدم الانجرار وراء “الأفخاخ التفاوضية”، مؤكدًا أن أي جولة جديدة من المفاوضات "لن تكون سوى مكافأة مجانية للعدو الإسرائيلي" الذي لا يلتزم بتعهداته ولا يمنح شيئًا في المقابل.
كما شدد على أن قضية السلاح "ليست شأنًا خارجيًا"، بل شأن وطني داخلي يُناقش في إطار استراتيجية شاملة للدفاع، تُشارك فيها جميع القوى الوطنية.
وأشار الحزب إلى أن إسرائيل لا تستهدف "المقاومة وحدها"، بل لبنان بكل مكوناته، في محاولة لانتزاع قدرته على رفض المطالب الإسرائيلية وإجباره على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية تمس جوهر سيادته.
تأتي هذه الرسالة في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية تجاذبات حادة بين القوى السياسية، مع تصاعد الجدل حول دور الجيش في الجنوب وتطبيق القرار 1701، بالتزامن مع ضغوط أميركية وأوروبية لإعادة فتح النقاش حول “ضبط السلاح خارج الدولة”.
وترافق ذلك مع تسريبات عن اتصالات غربية مع شخصيات لبنانية لبحث "ترتيبات أمنية جديدة" على الحدود مع إسرائيل، وهو ما تعتبره المقاومة محاولة لتكريس واقع ميداني يخدم مصالح تل أبيب.
من جانب آخر، يرى مراقبون أن حزب الله يحاول عبر هذه الرسالة تثبيت سرديته الوطنية في مواجهة حملة سياسية تهدف إلى عزله وتحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصادية والأمنية، بينما يصر الحزب على أن ما يجري هو "عدوان إسرائيلي ممنهج على لبنان كله، لا على المقاومة فقط".
تكشف رسالة حزب الله عن مرحلة إعادة تموضع سياسي وميداني داخل لبنان، في ظل استشعار الحزب خطر استغلال ملف السلاح لتفكيك معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي أرساها بعد حرب 2006.
وفي حين يواصل العدو الإسرائيلي فرض معادلاته بالقوة الجوية والسياسية، يبدو أن الحزب يراهن على توحيد الجبهة الداخلية كشرط مسبق لأي مواجهة مقبلة أو تسوية محتملة، مؤكدًا أن الدفاع عن لبنان "ليس قرار حرب، بل حق في الوجود".