في خطوة تعكس توجهاً جديداً في إدارة ملف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الرؤساء الثلاثة – رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام – وافقوا على ضم خبراء مدنيين إلى لجنة "الميكانيزم" التي تُعنى بمراقبة وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وذلك بناء على مقترح الموفدة الأمريكية إلى بيروت، مورغان أورتاغوس.
ونقلت صحيفة النهار عن مصدر رئاسي قوله إن الرؤساء الثلاثة اتفقوا على أن يمثل لبنان في اللجنة مدنيون بصفة "خبراء" وليس وزراء أو سفراء، في حين أشارت تقارير أخرى إلى أن حزب الله أبدى موافقته على إشراك مدنيين في المفاوضات، ما يعكس توافقاً داخلياً غير مسبوق حول هذه الخطوة.
تُعرف لجنة "الميكانيزم" – أو اللجنة الخماسية – بأنها الآلية التي تشرف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024 بعد الحرب الأخيرة بين الطرفين. وتضم اللجنة كلاً من الأمم المتحدة عبر قوة "اليونيفيل"، ولبنان، وإسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة، برئاسة جنرال أمريكي.
تتمثل مهام اللجنة في مراقبة التزامات الجانبين اللبناني والإسرائيلي، والتحقق من مدى التزام كل طرف بوقف إطلاق النار، إضافة إلى المساهمة في معالجة الانتهاكات عبر اجتماعات دورية. وتشير مصادر لبنانية إلى أن هناك مقترحات لتوسيع نطاق عمل اللجنة ليشمل الحدود اللبنانية كافة، وليس فقط الجنوب.
مداولات حول الطابع المدني
إدخال الخبراء المدنيين إلى اللجنة يُعد تحولاً نوعياً في طبيعة التمثيل اللبناني، إذ من المتوقع أن يضم الوفد خبراء في القانون الدولي والسياسة والأمن، إلى جانب العسكريين، ما قد يمنح الجانب اللبناني مرونة أكبر في التفاوض ويعزز الطابع الدبلوماسي للمسار.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن أورتاغوس تلقت موافقة مبدئية من الرؤساء الثلاثة على تكليف ممثل مدني عن كل منهم، مع اشتراط أن يتم ذلك في إطار المفاوضات غير المباشرة وتحت سقف وقف إطلاق النار.
الموقف الرسمي اللبناني
أكد الرئيس جوزيف عون في تصريحات أمس الجمعة أن "التفاوض خيارنا لاسترجاع الأرض"، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة، ومشدداً على أن "لبنان ليس من دعاة الحروب بل يسعى لإعادة الاستقرار إلى أراضيه".
وأوضح أن خيار التفاوض لاستعادة الأراضي المحتلة والأسرى لم يقابله الطرف الإسرائيلي سوى بمزيد من التصعيد، خصوصاً في مناطق الجنوب والبقاع، محذراً من أن "استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يُظهر أن العدوان لا يزال خياراً أساسياً لديها".
كما جدد الرئيس اللبناني تأكيده على أن "الجيش يقوم بواجبه كاملاً جنوب الليطاني وعلى مستوى الوطن ككل"، مرحباً بأي دعم دولي لتعزيز قدراته الدفاعية.
تأتي موافقة لبنان على إشراك مدنيين في لجنة "الميكانيزم" في وقت حساس، إذ تسعى بيروت إلى تثبيت وقف إطلاق النار بعد أشهر من التوتر الحدودي، بالتوازي مع ضغوط أمريكية وفرنسية لإطلاق مسار تفاوضي جديد يضمن الاستقرار ويحد من نفوذ حزب الله العسكري جنوباً.
كما يُنظر إلى هذا التطور كاختبار لمدى قدرة الدولة اللبنانية على إدارة ملف المفاوضات بوجه مزدوج: وطني جامع من جهة، ومتوازن مع مواقف حزب الله من جهة أخرى.
وفي حال نجح المسار المدني الجديد، فقد يشكل مدخلاً لإعادة تفعيل الدبلوماسية اللبنانية في الملفات الحدودية، بما في ذلك ملف ترسيم الحدود البرية وتبادل الأسرى.