يشهد لبنان اليوم مرحلة جديدة في قطاع التعليم من خلال الورشة التي يقيمها المركز التربوي للبحوث والإنماء لتطوير المناهج التربوية، وهي خطوة طال انتظارها بعد عقود من الجمود في التعليم.
هذا المشروع لا يقتصر على تحديث الكتب المدرسية أو إدخال تقنيات جديدة فقط، بل يعكس رؤية شاملة لبناء تعليم حديث يواكب التحولات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي. التغيير يركز على جعل التلميذ محور العملية التعليمية، فبدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين، تُركز المناهج الجديدة على تنمية التفكير النقدي والإبداع، وتطوير مهارات حل المشكلات واتخاذ القرار.
كما تشمل هذه المناهج مواضيع معاصرة، مثل التربية الرقمية، وحماية البيئة، ومهارات المواطنة العالمية، ما يعزز قدرة الجيل الجديد على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة واستقلالية.
إحدى النقاط الإيجابية المهمة في هذا المشروع هي انفتاحه على الشراكة مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الأساتذة، الجامعات، والمجتمع المدني، مما يجعل عملية تطوير المناهج عملية تشاركية تعكس احتياجات المتعلمين والمجتمع. كما يسعى المشروع إلى ربط التعليم بسوق العمل المحلي والإقليمي، بحيث تكون المعرفة المكتسبة عملية ومفيدة في المستقبل، ما يساعد على الحد من البطالة بين الشباب.
هذا النهج يتيح للطلاب اكتساب مهارات قابلة للتطبيق في سوق العمل، ويعزز من قدرتهم على المنافسة على الصعيدين الوطني والدولي.
رغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمر بها لبنان، يبقى الإرادة بالتغيير والإيمان بأهمية التربية نقطة مضيئة، تفتح آفاق الأمل أمام الأجيال الجديدة، تطوير المناهج يعتبر استثمارًا مباشرًا في الإنسان اللبناني، ويشكل خطوة استراتيجية نحو بناء جيل قادر على الإبداع، والابتكار، والمساهمة في نهضة الوطن. العملية التعليمية الحديثة تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، وتشجيع التعلم المستمر وتنمية المهارات الشخصية والاجتماعية بجانب المعرفة الأكاديمية.
في هذا السياق، يصبح تطوير المناهج أكثر من مجرد تعديل أكاديمي؛ إنه مشروع استراتيجي لبناء مجتمع متقدم، يربط التعليم بمستقبل الطلاب ويمنحهم القدرة على مواجهة تحديات العصر بثقة وكفاءة. التعليم في لبنان بهذا الشكل سيصبح حقاً أساسياً، وجودته معياراً لتقدّم المجتمع واستقراره، ويؤسس لبيئة تعليمية متكاملة تدعم الابتكار والصمود، وتعد لبناء جيل مستعد للمشاركة الفاعلة في تطوير وطنه ومجتمعه.