تتجه الأنظار مجدداً إلى مجلس النواب اللبناني، حيث يترقب الشارع والسياسيون مصير الجلسة التشريعية المقرّرة غداً الثلاثاء، والتي تهددها المقاطعة كما في الجلسات السابقة. فبين دعوات لحضورها حفاظاً على استمرارية العمل التشريعي، وقرارات بالمقاطعة احتجاجاً على طريقة إدارة الجلسات، يبدو أن النصاب الدستوري سيبقى اللاعب الأبرز في المشهد النيابي اللبناني.
في هذا السياق، أعلنت كتل القوات اللبنانية والكتائب وعدد من نواب قوى التغيير وبعض المستقلّين، نيتهم مقاطعة الجلسة، في محاولة لمنع اكتمال النصاب القانوني وبالتالي تعطيل انعقادها. ويؤكد هؤلاء أن موقفهم ليس عرقلةً لعمل المجلس، بل “رفضٌ لاستمرار الجلسات بجدول أعمال لا يراعي الأولويات الوطنية، ولا يتضمن اقتراح تعديل قانون الانتخابات الذي قُدّم بصيغة المعجل المكرّر”.
ذاكرة الجلسة السابقة
المشهد ليس جديداً على البرلمان. ففي الجلسة الأخيرة قبل نحو شهر، انسحب المقاطعون بعد خلاف حول جدول الأعمال، ما أدى إلى سقوط النصاب. حينها، أبقى رئيس مجلس النواب نبيه بري المحضر مفتوحاً، ودعا إلى استئناف الجلسة في اليوم التالي. لكن محاولته اصطدمت مجدداً بالمقاطعة، ما حال دون انعقادها.
وردّ بري على الخطوة باعتبار أن القوانين التي أُقرت سابقاً ستظل “معلّقة” إلى حين إقفال المحضر في جلسة لاحقة، وهو ما عُدّ خطوة قانونية ذات أبعاد سياسية، إذ جعل عودة المجلس إلى الانعقاد مرهونة بتأمين النصاب من جانب المقاطعين أنفسهم.
السحر ينقلب على الساحر؟
يرى عدد من المراقبين أن رئيس المجلس نجح في قلب المعادلة، إذ أصبح المعترضون مضطرين لتأمين النصاب إذا أرادوا إعادة طرح اقتراحاتهم، خصوصاً تعديل قانون الانتخابات الذي يشكل محور الخلاف. فحتى في حال أرسلت الحكومة مشروع تعديل رسمي، لن يُدرج على جدول الأعمال إلا بعد إنهاء البنود المعلّقة في الجلسة السابقة.
من هذا المنطلق، يجد المقاطعون أنفسهم أمام معضلة سياسية: إما الحضور لإقفال المحضر والسماح ببدء جلسة جديدة بجدول مختلف، أو الاستمرار في المقاطعة مع ما يترتب على ذلك من تعطيل تشريعي شامل.
سيناريوهات محتملة لجلسة الثلاثاء
بحسب مصادر نيابية، فإن انعقاد الجلسة مرجّح هذه المرة حتى بغياب القوات والكتائب، بعدما أبلغت كتلة الاعتدال الوطني وعدد من المستقلين استعدادهم للحضور. وتضيف المصادر أن رئيس الحكومة نواف سلام شجّع على المشاركة، رغبةً منه في تمرير عدد من القوانين المعلّقة ذات الطابع الاقتصادي والإداري.
وإذا لم تتعرض الكتل المشاركة لضغوط سياسية في الساعات الأخيرة، يُتوقع أن يُؤمَّن النصاب من خلال حضور نواب التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله وحركة أمل وتيار المردة، إلى جانب بعض النواب التغييريين الذين لا يؤيدون سياسة المقاطعة الشاملة.
آراء متباينة
في المقابل، يرى المعارضون لعقد الجلسة أن “أي انعقاد في ظل بقاء المحضر مفتوحاً يكرّس تجاوزاً للنظام الداخلي”، معتبرين أن الحل الوحيد هو “البدء بجلسة جديدة ذات جدول واضح يتضمن قانون الانتخابات”.
أما الفريق المؤيد للانعقاد، فيقول إن “استمرار المقاطعة يعمّق الشلل الدستوري ويُعطّل مشاريع القوانين الحيوية، في وقتٍ يحتاج فيه اللبنانيون إلى قرارات لا بيانات سياسية”.
ويصف أحد النواب المستقلين الجدل الدائر بأنه “صراع حول من يملك حق التحكم بإيقاع المجلس”، مشيراً إلى أن “الكل يتحدث باسم الدستور، لكن الهدف الحقيقي هو تسجيل نقاط سياسية”.
جلسة مفصلية
سواء عُقدت الجلسة أم سقطت مجدداً بفعل المقاطعة، فإن يوم الثلاثاء سيكون اختباراً جديداً لقدرة القوى السياسية على تجاوز الحسابات الضيقة لمصلحة العمل التشريعي. فالمشهد النيابي في لبنان يبدو اليوم عالقاً بين منطقين متناقضين: منطق المقاطعة كوسيلة ضغط سياسي، ومنطق المشاركة كواجب مؤسساتي.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المتراكمة، يبقى السؤال الأهم: هل يجرؤ النواب على كسر دائرة التعطيل، أم سيبقى البرلمان اللبناني أسير لعبة النصاب؟