تكتسب اتفاقيات تسليم السجناء بين الدول أهمية خاصة في ظل العلاقات الإقليمية المعقدة، إذ تشكّل إطارًا قانونيًا يسهّل التعاون القضائي ويضمن حماية حقوق المسجونين، مع السماح لكل دولة بمعالجة القضايا القانونية وفق قوانينها الوطنية. في حالة لبنان وسوريا، يُنظر إلى هذه الاتفاقيات على أنها وسيلة لإعادة ترتيب الملفات القانونية للمسجونين الذين اعتُقلوا سابقًا في سياقات سياسية متقلبة، مع مراعاة أن تغيّر المواقف السياسية قد يجعل بعض هؤلاء السجناء من “المقاومين” بالنسبة للدولة السورية في الوقت الحالي.
أولًا: تعريف اتفاقية تسليم السجناء في القانون الدولي
تعتبر اتفاقية تسليم السجناء وثيقة قانونية بين دولتين أو أكثر تهدف إلى نقل سجين من دولة إلى أخرى لإكمال مدة عقوبته أو لإعادة النظر في قضيته، مع مراعاة القوانين المحلية والمواثيق الدولية. وتتيح هذه الاتفاقيات تسهيل التعاون القضائي بين الدول، وتضمن للسجناء قضاء فترة العقوبة في بيئة أكثر ملاءمة، تساهم في إعادة تأهيلهم، كما تخفف الضغط على المؤسسات الإصلاحية في الدول التي تستضيف سجناء أجانب بكثافة.
ثانيًا: المبادئ الأساسية لاتفاقية تسليم السجناء
1. التجريم المشترك: يشترط أن تكون الجريمة موضوع التسليم خاضعة لقانون العقوبات في البلدين، لضمان قانونية التسليم ومطابقة الإجراءات القضائية.
2. المعاملة بالمثل: يتطلب وجود اتفاق متبادل بين الدولتين لتسليم السجناء، بما يعزز التعاون القانوني المتبادل.
3. عدم ازدواج العقوبة: يمنع محاكمة الشخص المطلوب تسليمه عن نفس الجريمة في الدولة المستقبلة، تفاديًا لتضارب العقوبات.
4. احترام حقوق الإنسان: تُراعى المعايير الدولية لحقوق الإنسان في كافة مراحل التسليم، بما يضمن حماية السجناء من التعذيب أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية.
5. السيادة الوطنية والامتثال للقوانين المحلية: يجب أن تتوافق إجراءات التسليم مع التشريعات المحلية في كلا البلدين لضمان احترام السيادة وشرعية الإجراءات.
ثالثًا: الاتفاقية النافذة بين لبنان وسوريا
تنص الاتفاقية الحالية بين لبنان وسوريا على تسليم المجرمين وفق شروط محددة، أبرزها أن تكون الجريمة موضوع التسليم غير سياسية، وأن تتبع إجراءات قانونية دقيقة تشمل تقديم الطلبات والأدلة وتستثني الاتفاقية الجرائم السياسية أو المرتكبة في سياقات نزاع سياسي.
كما تؤكد الاتفاقية على حقوق المسجونين، بما في ذلك المعاملة الإنسانية، الحق في المحاكمة العادلة، الرعاية الصحية، إمكانية التواصل مع العالم الخارجي، والحصول على المساعدة القانونية، إضافة إلى الحماية من الترحيل أو التسليم غير القانوني.
تبرز اهميتها في التوازن بين التعاون القضائي وحماية حقوق الأفراد، ما يجعل أي تعديل أو إقرار لاتفاقيات مستقبلية فرصة لإعادة النظر في المعاهدات غير المتكافئة بين البلدين مع مراعاة المعايير الدولية والحقوق الأساسية للمسجونين.