أمريكا بمواجهة ثلاث قوى.. هل يُخاطر بايدن؟

إعداد -رؤى خضور

2021.03.29 - 04:40
Facebook Share
طباعة

 شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول خطاب رئاسي له عن السياسة الخارجية والنهج الحازم تجاه "عدو" بلاده التاريخي إيران، والعدو الدوري روسيا، والجديد الصين.

في حين لا يتفق الشعب الأمريكي مع هذه التحديات المزعومة، إذ وفقاً لاستطلاع أجرته شبكة "سي بي إس" مؤخراً، يعتقد 54% من الأمريكيين أن التهديد الرئيس لأسلوب حياتهم داخلي، بينما أشار 8% منهم فقط إلى التهديدات الخارجية.

بغض النظر عما يعتقده الأمريكيون، يبدو أن الولايات المتحدة مع وجود ركيزتين رئيستين لتفوقها على مدى عقود، الدولار كعملة احتياطية عالمية وتفوقها التكنولوجي، مصممة على مواجهة هذه القوى في وقت واحد.

لكن النتيجة البديهية لهذا النهج المفرط في الثقة والغطرسة هو أن الصين وروسيا وإيران ستكثف تعاونها ضد المحاولة الأمريكية في الحفاظ على التفوق العالمي بأي ثمن، ويبدو أن الولايات المتحدة ما زالت لا تقبل عالم متعدد الأقطاب، وما زالت تعتقد بمكانتها كقائدة عالمية كما كانت بعد العام 1945، إلا أن العالم تغير كثيراً في العقود الأخيرة، والتحالفات السياسية أظهرت على الساحة قوى لم تكن تؤخذ في الحسبان الأمريكي، فضلاً عن أن القوى التقليدية ذاتها باتت تمتلك ساحات منطقتها، فروسيا مثلاً التي تعرضت مصالحها السياسية والأمنية في أوكرانيا وبيلاروسيا (بغض النظر عما إذا كانت شرعية أم لا) للتحدي من قبل الولايات المتحدة، وللضغط بعد اعتقال زعيم المعارضة أليكسي نافالني، لا يبدو أنها في عزلة كما أرادتها لها واشنطن معتمدة على الأرجح على دعم الاتحاد الأوروبي، فالمفاجأة أنه، وبالرغم من إصرار واشنطن، لا يبدو أن ألمانيا مستعدة للتخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 إلى روسيا. بالإضافة إلى ذلك، قد تراجع بروكسل موقفها المتشدد تجاه موسكو إذا خلف أرمين لاشيت أنجيلا ميركل في منصبها.

وبالرغم من أن بايدن أكد نيته الجدية للدخول مرة أخرى في الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه بدأ مؤخراً فرض الرواية القائلة بأن الصفقة انتهكت من قبل طهران، وليس من قبل واشنطن، وبالتالي فإن الأمر متروك لإيران للعودة إلى بنود الصفقة أولاً، قبل أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات، أما الواقع هو عكس ذلك تماما، فالولايات المتحدة أول من انتهك الصفقة، مع خروج رسمي من الرئيس دونالد ترامب في أيار/مايو 2018، لتخفض إيران امتثالها بعد عام، وهي مستعدة للعودة إلى الامتثال الكامل عندما تفعل واشنطن الشيء ذاته.

في الوقت نفسه، أرسل بايدن إشارات مهمة إلى القيادة الإيرانية من خلال وقف الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، وتعليق مبيعات الأسلحة إلى الرياض وأبو ظبي، ومراجعة التصنيف الإرهابي ضد حركة أنصار الله في اليمن، لكن يبقى السؤال: بين واشنطن وطهران، من سيتخذ الخطوة الأولى للعودة؟

في حين أن الموقف الصارم أكثر خطورة مع الصين، فالقضايا التي تعتبرها بكين داخلية، مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي، تعالجها واشنطن بقوة، ما يهدد بإلحاق مزيد من الضرر بعلاقة ثنائية تزداد صعوبة، فمن بين أعدائها الثلاثة، قد تواجه الولايات المتحدة أكبر الصعوبات فيما يتعلق بالصين، التي هي أقوى بكثير من روسيا أو إيران، بالإضافة إلى ذلك، يبدو تضامن حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين في هذه الحالة غير واضح، ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقّعت الصين و 14 دولة أخرى في آسيا والمحيط الهادئ على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي أكبر اتفاقية تجارة حرة على الإطلاق، ولم يتردد حينها حلفاء واشنطن التاريخيون، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية، في الانضمام إلى الصفقة، في حين وقّع أعضاء الاتحاد الأوروبي مؤخراً اتفاقاً مع الصين بشأن حماية الاستثمار لا يقل أهمية عن ذاك.

صحيحٌ أن الحلفاء الأوروبيين والآسيويين للولايات المتحدة قلقون بشأن صعود الصين، لكن يبدو أنهم لا يميلون إلى الاشتراك في الخط السياسي الصارم لإدارة بايدن، بالتالي فإن المشكلة أعمق بكثير من سياسات ترامب الفاشلة، ولا يمكن حلها بسذاجة بل تحتاج السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى إصلاح دبلوماسي شامل للعلاقة، لكن لا يبدو أن إدارة بايدن تميل لهذا الحل، فالقضية الأساسية ليست ترميم البناء، إنما إعادة البناء بشكل مختلف.

في كافة الأحوال، فإن وضع الخطوط الحمراء يعني الاستعداد لفرضها، فهل الولايات المتحدة مستعدة لذلك في العام 2021؟ وهل من الحكمة أن تواجه إدارة بايدن هذه القوى الثلاث المتنافسة في الوقت ذاته؟ لا شك أنها تخاطر بإحداث تصعيد خطير، أو تخاطر بفقدان "المصداقية".

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 10