لماذا سبقت بكين واشنطن إلى طهران

كتبت زينب عواركه - وكالة أنباء اسيا

2021.03.28 - 10:58
Facebook Share
طباعة

 
في خطوة أقل ما يقال عنها انها فاجأت الرئيس الأميركي جو بايدن، وأخذت ادارته على حين غفلة، رفعت الصين راية المواجهة مع واشنطن عبر توقيع اتفاقية التفاهم الاستراتيجي مع طهران، متجاوزة كل مخاطر العقوبات الأميركية التي تقاتل بها واشنطن من يحاول فك حصارها لطهران.
يحصل ذلك في ظل قناعة أميركية كانت حتى الأمس تراهن على أن بكين ليست جاهزة بعد لاتباع سياسة مواجهة على الساحة العالمية كون ذلك يهدد مصالحها مع الغرب.
ليس سراً أن الشركات الصينية كانت قد تخلت عن عقودها الضخمة في ايران فور اعلان دونالد ترامب عن الغاء التزام بلاده بالاتفاق النووي في العام ٢٠١٧.
ورغم ان الحديث الصيني عن التفاهم الاستراتيجي مع طهران يرجع الى العام ٢٠١٦ الا أن أحدا لم يتوقع أن تبادر الصين الى توقيعه قبل رفع العقوبات الأميركية وكان أداء الصين في تعاملها مع طهران يؤكد خضوعها للشروط الأميركية.
لكن كل ذلك تغير الان، حيث نشهد على لحظة تاريخية عبرت فيها بكين من ضفة المهادنة والتراجع أمام سطوة النفوذ الأميركي الى موقع مختلف تماما يمكن القول أنه بداية الحرب الباردة في نسختها الاميركو صينية.
ولعلم الجميع بحجم الضرر الذي يمكن لواشنطن أن تتسبب به للصين يبدو أن الأخيرة تملك معطيات عن أن استهدافها من قبل واشنطن أصبح الخيار الذي لا بد من مواجهته.
بهذا القدر يمكن فهم الخطوة الصينية الايرانية.
بات واضحاً أن الصين حسمت أمرها بعد سنوات خمس من تمنعها عن القيام برد مواز لما أعلنته واشنطن في عهدي باراك أوباما ودونالد ترامب من أن الصين هي الخطر الأكبر الذي ينبغي التفرغ لمواجهته.
لكن ما الذي تبدل الان بالنسبة لبكين؟
ولماذا أقدمت الصين الان على خطوة التحدي في حين تصور الجميع بمن فيهم الايرانيين أنها لن تفعل؟؟
العداء الأميركي هو السبب، فما تقوم به واشنطن منذ سنوات ليس سياسة عابرة بل هي استعدادات حقيقية لانزال هزيمة بالصين دون حرب عسكرية وفق خارطة طريقة لتطويق قوتها الاقتصادية ولمنعها من التمدد على الساحة الدولية.
ولأن لعبة القوة بين الدولتين تميل في قطاع الطاقة لجهة واشنطن فان واحدة من الفرص الحقيقية لضمان تدفق النفط الى الصين دون الارتهان للقرار الأميركي تتمثل بطهران. ما تعنيه الاتفاقية للصين قبل كل شيء هو ضمان حصولها على النفط الايراني وكل الفوائد الاخرى من التحالف مع طهران تأتي ثانيا لكنها فوائد ذات ابعاد خطيرة على المصالح الأميركية من الخليج الى أسيا الوسطى.
ما تخوف منه الأميركيون وما توقعوا أنه سيحصل بعد عقود حصل الان، فمنذ أختار باراك أوباما عقد اتفاق مع طهران في العام ٢٠١٥ كان من أهم الأسباب في عقل مخططي ادارته انهاء الملفات التي قد تستغلها الصين ضد بلادهم مستقبلا، و ابعاد طهران عن احتمال تحولها الى حليف كامل لبكين.
إلا أن حسابات الدولة العميقة في واشنطن تعرضت لضربة كبيرة مع ادارة دونالد ترامب الذي اتخذ قراره فيما يخص طهران دون الألتفات الى العواقب. بل تصرف ترامب بضغط من المحيطين به محققا وعدا قطعه لناخبيه من الانجيليين الذين يهتمون بمصلحة اسرائيل حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحتهم الوطنية.
سياسة العقوبات القصوى التي كان يفترض الاميركي أنها ستدمر الاقتصاد الايراني كانت هي من عبد طريق بكين الى طهران مع أنها سياسة بالطبع اَذت الايرانيين بشدة.
كان من الممكن أن يصلح الرئيس جو بايدن ما خربه سلفه من فرص عبر العودة السريعة الى الاتفاق النووي. وعبر رفع العقوبات التي يمكنه رفعها دون العودة للكونغرس.
لكنه تبنى خيار استغلال ما قام به دونالد ترامب محاولا دفع طهران الى التفاوض مجددا على اتفاق معدل وفقا للشروط الأميركية. خياره ذاك حقق نتيجة عكسية، فبدلا عن التنازل لواشنطن قدمت طهران مصالحها المشتركة مع الصين.
ماذا بعد؟؟
ما قبل الاتفاقية الاستراتيجية بين طهران وبكين ليس كما بعدها. الموقف التفاوضي لطهران اصبح أقوى، وكثير مما كانت بحاجة اليه من الاميركيين ستحصل عليه من الصين.
ستقدم الصين استثمارات وخبرات وتقنيات في مجالات واسعة جدا تشمل معظم نواحي الاقتصاد الايراني وكذا سيتعاون البلدين في المجالات العلمية والعسكرية. وبالمقابل ستجمع الصين ثمن ما تقدمه لايران من خلال حصولها على امدادات مستقرة من النفط.
عدا عن الاقتصاد، فانخراط الايرانيين في استراتيجية الصين لربط القارات بطرق وموانيء تضمن نقل صادراتها ووارداتها سيعطي بكين نفوذا جيواستراتيجيا على حساب الاميركيين.
لكن ذلك لا يعني أن طهران ليست بحاجة للتفاهم مع واشنطن وبالتأكيد لعبة المصالح ستدفع الطرفين للتفاهم مستقبلا.
هل ستفك الصين الحصار المالي والنفطي والاستثماري عن ايران، بحيث ستبدأ حركة انفلات الاقتصاد الايراني من الفك الاميركي المفترس ؟؟
بالتأكيد، لكن ما ستقدمه بكين لا يحل مشكلة أساسية لطهران وهي عدم قدرتها على استخدام النظام المالي الدولي الذي تتحكم به البنوك الاميركية.
نحنا لسنا أمام هزيمة أميركية شاملة، وأنما أمام تبدل في شروط الصراع وفي مصادر القوة. و هي فرصة كانت بمتناول واشنطن فسبقتها اليها بكين وصار ثمنها بالنسبة للأميركي أعلى.
هو حدث قد يفتح أفاق حل للتوتر بين واشنطن وطهران وقد يسهل العودة الاميركية الى الاتفاق النووي ان أحسنت واشنطن تقدير مصالحها وتخلت عن محاولات اذلال طهران.
أين مصلحة العرب؟؟
للأسف، وعلى الرغم من أن مجموع دول الخليج العربية تملك علاقات ممتازة مع الصين الا أن قرارهم السياسي يتأثر جدا بتحالفهم مع واشنطن ما يجعل الصين أكثر ثقة بالتعاون مع طهران كونها على عكس الدول العربية بعيدة عن النفوذ الأميركي. وهو ما يعطي أفضلية لطهران في وزنها السياسي وفي تأثيرها الدولي مقارنة بالعرب الذي تقرر واشنطن ما هو الأفضل لها ثم تجبرهم على تنفيذ ما تريد.
ماذا في تفاصيل الاتفاق؟؟
الخارجية الايرانية كما نظيرتها الصينية رفضت الكشف عن مضمون التفاهمات، لكن الصحافة الأميركية كانت قد ذكرت قبل سنوات بأن الصفقة تشمل شراء الصين نفطا ايرانيا مقابل استثمارات صينية تبلغ قيمتها ٤٠٠ مليار دولار.
طهران بحاجة لتجديد بنيتها التحتية وهي بحاجة لتطوير حقول النفط والغاز والصناعات المرتبطة بها كما أنها بحاجة لتقنيات متقدمة ولاستثمارات في قطاعها الزراعي الهائل. والصين يمكنها تحقيق هذا الهدف أيضا.
اعتراضات داخلية في ايران
ليس سهلا على السلطة الايرانية أن تخوض تجربة تعاون مع دولة بحجم الصين وهي التي استمدت شرعية نظامها من ثورة شعبية رفعت شعار لا شرقية ولا غربية، فللأمر ايجابيات هائلة لكن سلبياته ليست قليلة أيضا وفي طهران من عارض الاتفاقية منذ طرحت في وسائل الاعلام قبل سنوات. لكن قرار مؤسسات الحكم الايراني حاسم ويستند الى موافقة المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي ما يجعل اي اعتراض داخلي غير ذي قيمة.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4