ما مصير النظام العالمي بعد إعلان إدارة بايدن العدائية لروسيا؟

ترجمة : عبير علي حطيط

2021.03.23 - 05:47
Facebook Share
طباعة

 نشرت مجلة."فورين بوليسي" الأمريكية مقالًا يناقش فيه الكاتب تنامي التصدّع في النظام الدولي بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عدائه لروسيا. 


وقال كاتب المقال إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يظهرعدائية حادة لنظيره الروسي بشكل لا يمكن التأسيس عليه لوحده. كذلك، لا يمكن التعامل مع هذه العدائية على أنها مزاجية عابرة. نحن هنا أمام منحى، وحيال حاجة أمريكية أولًا لتحديد "من العدو".


يحصل ذلك في عالم لم تَخُضْ إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، حربًا كبيرة فيه، بل اكتفت بالاستخدام "القنصي" للقوة. عالم أقل حروبية من سنوات سالفة. لكنه يعيش تصدّعًا متزايدًا في نظامه الدولي. أي ذلك النظام الذي رسمت خطوطه العريضة تفاهمات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية في يالطا وبوتسدام، ثم تشكل قوامه مع تأسيس الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، بالخماسي دائم العضوية فيه.


لقد تعايش هذا النظام الدولي أكثر مما كان متوقعًا له، مع المراحل المختلفة التي اجتازتها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي. فلم يؤدِ هذا الصراع الأيديولوجي والجيوبوليتكي المحتدم إلى إنهاء تجربة منظمة الأمم المتحدة على غرار ما حلّ بسابقتها، عصبة الأمم. من المبالغة بمقدار توصيف مجلس الأمن بأنه حكومة عالمية، لكنه شكّل شيئًا من هذا القبيل طيلة فترة الحرب الباردة. رغم كثرة محطات التشنج فيها وانعكاسها عليه بالتعطيل لدوره. ورغم فضيحة حرمان الصين القارية من مقعدها فيه لعقدين من الزمان، قبل أن تنقلب الحال مطلع السبعينيات، مع التقارب الصيني الأمريكي، وفي وقت كانت أضحت الحرب الباردة ثلاثية القطب، لا سيما في آسيا، أي أمريكا والصين معًا في مواجهة الاتحاد السوفياتي.


اختلفت الأحوال مع انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. لم تنتهِ الحرب الباردة فقط آنذاك، بل اختفى أيضًا أحد المنتصرين الأساسيين في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد مفهومًا لماذا يستمر التعامل مع ألمانيا واليابان كما لو كانت اعتبارات تلك الحرب لا تزال راهنة حيالهما، فلا يكون التفكير بتوسيع نادي دائمي العضوية إليهما هم أيضًا. هذا مع أن ألمانيا الموحدة تلعب دور المحور المهيمن في الإتحاد الأوروبي، أما الصين فقد همشت اليابان في العقود الأخيرة. وهذا قبل أن ندخل في مطالبات توسعة نادي العضوية الدائمة لبلدان أخرى، كالهند والبرازيل، أو إلغائها أو تعديل حق النقض. المهم، لم يراجع شيء من هذا في اي اتجاه كان بعد نهاية الحرب الباردة، وبقي المتفق عليه بين منتصري الحرب العالمية الثانية قائماً رغم اختفاء أحدهم، واحتفال الآخر بأنه انتصر في الحرب الباردة عليه.


وبحسب المقال فإن لهذا ثمنه، فالعالم في مطلع العشرينيات من هذا القرن يعيش في نظام دولي مستوحى من معادلات منتصف أربعينيات القرن الماضي.


وثمنه المزيد من تصدع النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وأكثر فأكثر بعد العودة الجزئية لهذه الحرب الباردة مجددًا مع صعود بوتين، إنما مخففة من قالبها الأيديولوجي السابق. ويتصل ذلك ايضًا بأن الولايات المتحدة تعيش منذ نهاية الحرب الباردة مشكلة صعوبة تحديدها لعدوها الاستراتيجي.


ووفقًا إلى المقال، فإنها قد حاولت التعويض عن غياب العدو الاستراتيجي الواضح، الاتحاد السوفياتي والشيوعية، بتحديده الهلامي، على أنه الدول المارقة المتوسطة الحجم ثم التطرف الإسلامي العابر للبلدان. لكن هذا التحديد الهلامي أتى بالنتيجة على حساب معدّل هيمنتها على العالم. وذلك من خلال جعلها "تلعب" مع لاعبين لا تناسب بينها كقوة لها أساطيل وقواعد في كل أصقاع العالم، وبينهم. ولعب القوي مع الضعيف يُضعفه.


ثم عادت أمريكا، بعد اتضاح منحى فلاديمير بوتين تدريجيًا، من حربه على جورجيا 2008 الى ضمه القرم 2014 لاعادة تلبيس روسيا ثوب العدو الاستراتيجي. من دون أن تكف يد بوتين عن إنقاذ النظام السوري بالطائرات، ومن دون أن تقف حجر عثرة دون التقارب الروسي التركي في إثر فشل المشهدية الانقلابية على أردوغان 2016.


ومع وصول دونالد ترامب، عادت أمريكا فابعدت ثوب العداوة الاستراتيجية عن روسيا نسبيًا، بل جوبه ترامب بمعارضة داخلية قوية غداة قمته مع بوتين في هلسنكي 2018، إذ اعتُبِر أنه يقدّم تنازلات هو في غنى عنها لروسيا، في حين ينبغي أن تستمر معاقبة الأخيرة نظرًا إلى ضمها شبه القرم التي تعود لأوكرانيا، ثم رعايتها حركة الانفصال شرقي الأخيرة (حوض الدونباس الصناعي).


كما ذُكر في المقال أن ترامب ابتغى نقل العداوة الاستراتيجية الى الصين، في الحرب التجارية معها، ثم في اتهامها المتكرر بالمسؤولية عن تفشي جائحة كورونا، هذا في الوقت عينه الذي كان يهوّن فيه من خطر الفيروس نفسه، ما جعله يحدد عدوًا وينفي عنه علة العداوة.


والآن مع بايدن نحن حيال معادلة معاكسة: العودة إلى التحديد التقليدي للعدو الجيوبوليتيكي على أنه روسيا. أمريكا سلطانة البحار وبالتالي خصمها الأساسي موجود في العمق القاري لأوراسيا، في الهارتلاند.


وهذا يعني العودة إلى المنظار السبيكماني (نسبة إلى المنظر الجيوبوليتيكي نيكولاس سبايكمان، 1943) أي وجوب منع القوة القارية، روسيا، من التمدد من قلب أوراسيا (الهارتلاند) الى أطراف القارة الأوراسية الكبرى، أي الريملاند، أي ما يحيط بالعمق القاري من أقاليم. وهو ما يقتضي مباعدة روسيا عن الصين، وعن إيران، وعن بلدان الشرق الأوسط، ولا قلق اليوم من حلف وارسو. فليس لروسيا حلفاء في أوروبا (مع أن هناك مسعى لاحتساب اليمين الشعبوي فيها كحليف لموسكو).


فمنطقيًا يُفترض أن يعني ذلك أن أمريكا ستسعى لتأمين جانب الصين من الآن فصاعدًا أو حتى استمالة عدوتها اللدود في الشرق الأوسط، إيران، هذا إن أرادت إبعاد نفوذ روسيا عن أقاليم الريملاند.


وبحسب ما وُرد فإن روسيا في هذه الحالة لا يمكن ان تقدم لإيران ما يمكن أن توفره الولايات المتحدة إذا ما قامت هي بالإفراج عن الأموال وخففت العقوبات. لكن إيران أيضًا لا مصلحة لديها في الذهاب إلى تخفيف التوتر بأي ثمن مع أمريكا. بالدرجة الأولى، نظرًا إلى طبيعة نظامها. فهو يعتبر معاداة أمريكا دعامة ايديولوجية ثقافية متينة له، ولا تتضمن عقائده موضوعة التعايش السلمي مع الامبريالية، على المنوال السوفياتي، الموضوعة التي تنهل منها ايضًا، الصين وكوريا الشمالية.


في المقابل، إذا كانت أمريكا ماضية في تحديد روسيا كعدو استراتيجي، فإن لروسيا مصلحة في تفادي عزلتها بالشرق الأوسط بتطوير علاقاتها مع تركيا وإسرائيل والخليج في وقت واحد، بالتوازي مع علاقتها بإيران. إلا أن هذا سيعرضها بالنتيجة للسؤال عن كيفية تلبية كل هذه العلاقات في آن.


فمنذ ضم روسيا للقرم 2014، وموقف أمريكا والاتحاد الأوروبي ضد هذا الضم، ومجلس الأمن الدولي شبه مفرّغ من ديناميته التأطيرية للنزاعات، بشكل لم يسبق أن حصل في عز الحرب الباردة. ونحن نتكلم هنا عن سبع سنوات حتى الآن. ما يعني مؤشرًا مقلقًا بالنسبة للسلام العالمي بالنتيجة. في الوقت عينه، أمريكا لم تحل مشكلة تحديدها للعدو الاستراتيجي بعد زوال الاتحاد السوفياتي بعد، مرة الإرهاب، ومرة الدول المارقة، ومرة باتجاه الصين، والآن باتجاه روسيا، لكن حتى في الحالة الأخيرة، فنحن أمام منحى ما زال من المبكر التعامل معه على أنه منحى وطيد لن يزاحمه منحى آخر، وإن كان الجمود العالمي منذ أزمة ضم القرم لا يزال قائمًا وأساسيًا.


وفي الختام فإنه في كل هذا، أوكرانيا والقوقاز والمشرق العربي، تشكّل حاليًا مجموعة مختبرات. من دون إغفال ما يمكن ان تستثمر فيه أمريكا على صعيد محاولة قلب الأوضاع في روسيا نفسها. لكن هذا يصعب أن يتأمن من دون ضربة تتلقاها خارطة تمدد النفوذ الروسي. وبالضائقة الاقتصادية وحدها، وناشطي حقوق الإنسان ومناهضة الفساد، لا يمكن التعويل على الإطاحة بحكم "الجهاز" في روسيا. وفي 1905 كما في 1917 كما في الثمانينيات، كانت مشكلة روسيا على الجبهة أولًا (الهزيمة أمام اليابان، الاستمرار في الحرب الكبرى رغم الانهيار الاقتصادي، استنزاف حرب النجوم وسباق التسلح وحرب أفغانستان للاتحاد السوفياتي) وبنتيجة ذلك فقط تزلزلت الأوضاع داخلها، بالثورات أو بالانهيار السوفييتي.

المصدر: https://foreignpolicy.com/.../what-biden-and-putin-can.../

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7