تركيا.. نحو فتح صفحة جديدة مع "إسرائيل"

إعداد - رؤى خضور

2021.03.17 - 07:33
Facebook Share
طباعة

لا شك أن عزلة تركيا المتزايدة في جوارها وعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة دفعتها لمحاولة تطبيع العلاقات مع دول المنطقة، كذلك المصالح الاقتصادية والاستخباراتية والسياسية التي دفعتها إلى إعادة التفكير في سياستها تجاه إسرائيل، فضلاً عن ذلك، شعورها بالضغط نتيجة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، والمصالحة بين حليفتها قطر وأعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر، وقلقها بشأن التحول في التحالفات الإقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط بعد أن استُبعدت من منتدى غاز شرق المتوسط عام 2020.

لطالما اتسمت العلاقة التركية الإسرائيلية بالتذبذب والحساسية خصوصاً فيما يتعلق بالشق الفلسطيني، وكان الانحدار الأكبر عندما قتلت القوات الإسرائيلية عشرة نشطاء على متن سفينة تركية كانت تحاول خرق الحصار المفروض على قطاع غزة حينما سيطرت حماس على غزة، لتنخفض بعدها العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ويزداد التوتر بعد دعم إسرائيل الصريح لاستقلال الأكراد في شمال العراق.

وكانت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في غضون ذلك على غير ما يرام أيضاً، واستمرت كذلك إلى أن جاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وَرِث علاقة ضعيفة، وقد يتخذ موقفاً متشددًا تجاه تركيا في عديد من القضايا، بما في ذلك شرائها لنظام صواريخ الدفاع الجوي الروسي S-400، وقد تدفع إدارة بايدن، على غرار إدارة أوباما، إسرائيل وتركيا للعمل معاً خاصة في سورية.

تعي تركيا أن إسرائيل وسيلتها لإسماع صوتها في واشنطن، وقد حظيت من خلال التحالف مع إسرائيل على دعم قوي من واشنطن، لكن منذ أن غيّر مستشار أردوغان ووزير الخارجية لاحقاً، أحمد داود أوغلو، توجه السياسة الخارجية لتركيا وجعل القضية الفلسطينية مركزية في عقيدة أنقرة، تأثرت العلاقات التركية الإسرائيلية.

أما الآن، مع توتر العلاقات الأمريكية التركية، قد تكون أنقرة حسبت أن دفء العلاقات مع إسرائيل يمكن أن يساعد علاقتها مع واشنطن كما فعلت في التسعينيات، بدعم من الجماعات اليهودية الأمريكية، لذا بدأت تركيا إرسال إشارات تحسس لإسرائيل منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما صرح أردوغان علناً أنه بالرغم من أن تركيا لا تقبل بسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين "نرغب بصدق في نقل علاقاتنا معهم إلى مستوى أفضل"، ليشير لاحقاً مستشار أردوغان للشؤون الخارجية، مسعود كاسين في نفس السياق "إذا خطت إسرائيل خطوة واحدة، قد تخطو تركيا خطوتين، وفي حال رأينا ضوءاً أخضر ستفتح تركيا السفارة مرة أخرى ونعيد سفيرنا، ربما في مارس يمكننا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة أخرى"، أي أن الخطاب المعادي لإسرائيل تضاءل بشكل كبير من قبل نخب الدولة، وبدأت عديد من المقالات الإخبارية تعبر عن ضرورة المصالحة، وهذه علامات مهمة تخلق جواً إيجابياً للتطبيع.

في المقابل، كانت إسرائيل حذرة بشأن تطبيع العلاقات مع تركيا، ولم تستجب بعد رسمياً لمبادرات تركيا، وهي مترددة في استئناف علاقتها مع تركيا حتى تتأكد من أن الجانب التركي صادق في نواياه.

صحيح أن تركيا كانت شريكاً اقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً لا غنى عنه لإسرائيل، إلا أن الوضع مختلف الآن، فإسرائيل اليوم قد عمقت علاقاتها مع عديد من دول شرق البحر المتوسط والخليج العربي، إذ شهد العام 2020 موجة غير مسبوقة من اتفاقيات التطبيع مع أربع دول عربية: البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب، وزادت هذه الانفتاحات من أهمية إسرائيل كلاعب إقليمي وساعدتها على الخروج من عزلتها التاريخية في المنطقة، بالتالي فإن تركيا التي اعتادت أن تكون سوقاً مهماً لصناعة الدفاع الإسرائيلية قد تم استبدالها بأسواق أكبر مثل الهند، فضلاً عن أن تركيا كانت منتقداً صريحاً لإسرائيل منذ حرب غزة عام 2008، وكان هذا الموقف مفهوماً للجميع، فقد كان ظاهره دعم قضية الشعب الفلسطيني، لكنه يحمل في طياته مصالح سياسية بحتة تتمثل بجذب الدعم لحزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان. 

في كل الأحوال، هناك ثلاث قضايا رئيسة تمنع إسرائيل من تطبيع العلاقات مع تركيا، أولها أن إسرائيل تريد من تركيا إنهاء دعمها لحماس، كما تشعر إسرائيل بالقلق من اهتمام تركيا المتزايد بالقدس، والاعتقاد بأن أردوغان يسعى لقيادة العالم الإسلامي ويطالب بالوصاية على الحرم الشريف في القدس، فضلاً عن ذلك، فإن إسرائيل تنظر إلى تركيا كطرف غير موثوق ولا يمكن التنبؤ بمواقفه، خصوصاً بعلاقاتها المعقدة مع الغرب وروسيا.

حتى وإن عانت العلاقات الإسرائيلية التركية خلال العقد الماضي، ما زال لدى الطرفين مصالح مشتركة، بالتالي ما زالت فرص التعاون متاحة، لكن في الداخل الإسرائيلي غالباً ما يثير منتقدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موضوع أردوغان وتركيا خلال الاحتجاجات والحملات الانتخابية، لذا مع اقتراب موعد انتخابات جديدة في إسرائيل قد يتردد نتنياهو في التعامل مع أنقرة في هذا الوقت، ولن ترغب إسرائيل أيضاً في الإضرار بعلاقاتها الوثيقة مع اليونان أو قبرص أو الإمارات العربية المتحدة أو مصر، وجميعها لا تثق في طموحات أردوغان الإقليمية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8