ظاهرة الانتحار تتفاقم في سورية.. والسبب "الفقر والإخفاقات العاطفية"

وكالة أنباء آسيا – نور ملحم

2021.03.09 - 07:47
Facebook Share
طباعة

 بقلق وخوف ينظر يونس إلى زوجته وهي ممدّدة على سرير في المشفى بدون أي حراك، تصدر عنها تأوّهات أليمة، اكتشف الأطباء بعد فحص سمية  (35 عاما)، والتي تم إسعافها الى مشفى دار الشفاء من قبل زوجها، أنها تناولت جرعة زائدة من الأدوية . 


سمية واحدة من حالات الانتحار العديدة التي ازدادت بسبب ظروف اجتماعية واقتصاديه قاسية فلا يترك المنتحر للقضاء والقدر تحديد نهاية حياته، وإنما يتعدى على هذه المهمة الإلهية ويقرر نهايته بيده، ولا تتوقف فصول حوادث الانتحار بين السوريين، وكأن العدوى المتفشية بدت أشبه بكرات الثلج إذ تكبر مع الأيام

حيث تصحو المدن السورية على امتدادها على ضربات موجعة، إذ رصدت الطبابة الشرعية 31 حالة انتحار خلال أول شهرين من العام الجاري وهذه الإحصائية التي أعلن عنها المدير العام للطبابة الشرعية الدكتور زاهر حجو، تشمل المناطق التي تسيطر عليها الدولة فقط وتعددت أساليب قتل النفس بين الشنق بالحبال أو إطلاق النار أو السقوط من الأماكن المرتفعة.


ولفت حجو إلى أن “سوريا” من أخفض معدلات الانتحار في العالم، بنسبة لا تتجاوز الـ 1 من كل 100 ألف رغم الحرب وتبعاتها، في حين حسب إحصائيات الصحة العالمية فإن النسبة العالمية تتراوح ما بين 5 إلى 10 من كل 100 ألف، وهناك 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً وأنه في الـ 45 سنة الأخيرة زادت معدلات الانتحار في العالم بنسبة 60 بالمئة.


الأسباب الرئيسية للانتحار ...

يرى العديد من المواطنين أن هناك أسباباً كثيرة تدفع البعض للانتحار وتتمثل في الفقر والبطالة والتفكك العائلي والاجتماعي والتنمر، والعنف والأسباب العاطفية، والفشل بالدراسة، إضافة إلى الفلتان الأمني وممارسة ذوي النفوذ من قادة وعناصر الميليشيات ضغوطاً كبيرة على المواطنين.


ويقول الدكتور ثائر العجيب " طب عام " لـ"وكالة أنباء آسيا" إن أغلب مسؤولي الأسر باتوا غير قادرين على تأمين قوت أبنائهم ولا متطلبات متابعة دراستهم، ولا الدفاع عن بناتهم في الشوارع عند تعرضهن للتحرش، والشباب معظمه عاطل عن العمل، ويضيف: في ظل هذه الظروف بات الموت بالنسبة للكثيرين أفضل من الحياة.


وينصح العجيب بضرورة توفير الدعم العلاجي من خلال المجتمع والتحفيز ومعرفة جوانب كل مشكلة والتركيز على نقاط القوة لدى صاحب الحالة والتأكد من إعطائه الأدوية التي تُقلل النزعة الانتحارية لديه وتُشعره بالراحة.


ما بين التكتم والعرض ...

عادة يرافق محاولات الانتحار حالة من التكتم الشديد تصل للإنكار من قبل ذوي المنتحر، لكن الآن تغير الأمر، فلم يعد العدد الكبير هو وجه التميز الوحيد، بل الاستعداد الطوعي -وأحيانا دون تردد-بعرض تجربة الانتحار من قبل الشخص نفسه، تقول الخبيرة النفسية الدكتورة أمينة الحاج.


وتبيّن الحاج في تصريحها لـ"وكالة أنباء آسيا" أن انتشار حالات الانتحار تعود لتردي الثقة بالنفس والصدمات المتتالية على البنية النفسية للسوريين الذين عانوا من أهوال الحرب ومن الفقر والتشرد والتهجير من بيوتهم ومناطقهم وفقدان الممتلكات و العمل، إضافة لإنفاق كافة المدخرات وتضاؤل القيمة الشرائية لليرة في مواجهة ارتفاع حاد في سعر الدولار، وبالتالي في سعر المواد الأساسية واللازمة لتأمين الحد الأدنى من البقاء وخاصة الأدوية والمواد الغذائية وبدل إيجارات المساكن البديلة، هذا عدا عن الصدمات المتتالية  الناجمة عن فقد الأحبة  وخاصة أفراد العائلة وخسارة المعيلين اقتصاديا أو تغييبهم.


وتؤكد الخبيرة النفسية أن ارتفاع حالات الانتحار نتيجة تناول الأدوية المهدئة والأدوية المضادة للاكتئاب وحبوب المنومات، والتي يشهد استعمالها تزايداً غير مسبوق وغير منضبط.


وتشهد العديد من المناطق السورية حالات بيع لهذه الأدوية دونما وصفة طبية مبنية على تشخيص طبي مختص، وبهذا يعاني متعاطوها من آثارها الجانبية بالغة الخطورة أهمها التعود والتسبب بهشاشة الجهاز العصبي وبالتالي عدم القدرة على ضبط النفس والسيطرة على ردود الفعل والانفعالات العصبية والنفسية التي تتأزم جراء ضغط ما.


وتختم الدكتورة حديثها بالقول إن الاكتئاب الحاد وعوامل مماثلة تدفع إلى التفكير بالانتحار والمشكلة أن المقبل على هذا الوضع من المرجح ألا يكشف عن نيته وهنا، لا بد من الوقاية عبر العلاج النفسي.


ومع استمرار تدهور الأوضاع في سورية وغياب أفق واضح لحلول اجتماعية واقتصادية، تبدو ظاهرة الانتحار حاضرة وتثير القلق رغم وجود محاولات من بعض منظمات المجتمع الأهلي والمدني، للاستجابة للاحتياجات الصحية ومنها النفسية، لكن لا تزال الفجوة كبيرة، من حيث إعداد الكوادر الصحية النفسية المتخصصة لتقديم الخدمات، إضافة إلى الحاجة الكبيرة إلى تحسين وتضافر الجهود المجتمعية المؤسساتية لتقليل وصمة العار المرتبطة بالانتحار.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5