لماذا تتفاوت حماسة الأحزاب اللبنانية للتدويل البطريركي؟

كتب جورج حايك

2021.02.25 - 11:14
Facebook Share
طباعة

 
طرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فكرة المؤتمر الدولي متوجهاً بالإقتراح إلى منظمة الأمم المتحدة  بهدف تثبيت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه، والمس بشرعيته، وتضع حدا لتعددية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأمينا لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم عدة أشهر عند كل استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة. 
تستمر بكركي في طرحها المتقدّم من دون الإفصاح عن الآلية التي سيتبعها البطريرك لأجل ترويج مشروعه في الأمم المتحدة، ولم يتجاوز الأمر حتى الآن الطرح النظري وتلمّس ردات الفعل المحلية حوله، لذلك بادرت "وكالة أنباء آسيا" إلى استطلاع مواقف الأحزاب والقوى السياسية التي تفاوتت بين مرحّب ومتحفّظ ورافض.
علوش: الحكومة أولاً
يرى نائب رئيس "تيار المستقبل" مصطفى علوش "أن قضية لبنان مدوّلة أساساً في ظل وجود جيش(حزب الله) يأتمر من دولة أجنبية وقوى سياسية تتعامل مع المبادرة الفرنسية وتعمل على مساعدة لبنان. أما طرح المؤتمر الدولي فهو مرتبط بواقع التركيبة اللبنانية والدستور ووضع السلاح غير الشرعي، لذلك نجد أن طرح البطريرك الماروني منطقي لكن المطلوب البحث في البنود، مقابل رفض لممثلي الطائفة الشيعية المقربين من حزب الله الذين يعتبرون فكرة المؤتمر الدولي مشروع حرب أهلية".
نسأله عن التفاعل المحدود لتيار المستقبل مع مبادرة البطريرك، فيجيب:"يركز المستقبل على كيفية انجاز تأليف الحكومة، ونحاول أن نخرج من مسألة السجال الذي قد يؤدي إلى وقف الكلام عن الحكومة، ونعتبر اننا قد نحتاج إلى مؤتمر دولي لبحث وضع لبنان كجزء من المبادرة الفرنسية، لكن الأولوية اليوم لتأمين حكومة قادرة أن تفاوض صندوق النقد الدولي وتتلقى المساعدات".
وعن الآلية المتوقعة من المؤتمر الدولي لتطبيق القرارات يقول علوش:"هذا يعود إلى مستوى التطبيق، فمسألة سلاح حزب الله تُبحث مع ايران، وإذا رغبت بالمساومة قد تفعل ذلك أو لا تفعل، وإذا اتخذ قراراً دولياً بالتطبيق تحت الفصل السابع نسأل هل هناك استعداد لدى الدول في الدخول بحرب؟ ثمة تفاصيل لا تزال في عالم الغيب، لذلك اولويتنا الآن ليست في الدخول بسجال حول المؤتمر الدولي، علينا وقف الانهيار وبعدها نحن بحاجة إلى مؤتمر دولي لرعاية نوع من الاستقرار وبالتأكيد سلاح حزب الله يأتي في الأولوية".
ويعتبر علوش انه من الطبيعي أن يرفض حزب الله المؤتمر الدولي "لأنه لا يهمه لبنان بل المحافظة على وجوده وعلى الامتداد الايراني، وأي تدخل دولي يعني مشاركة ايران في تدخلها بلبنان، وأرى أن الإشكال الكبير بأن الحلول الممكنة الآن في ظل وجود سلاح حزب الله صعبة جداً ونحتاج إلى ضغوط دولية على ايران لحل هذه المسألة".
عفيف: لحلّ مشاكلنا بأنفسنا
أما مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله محمد عفيف، فأكد "أن امين عام حزب اللهلا السيد حسن نصرالله أعلن رفضه للتدويل بالمطلق كفكرة وليس رداً على بكركي ولا رداً على البطريرك الماروني، نحن لسنا بوارد الدخول في سجال مع بكركي، وسبق ان رفضنا التعليق على دعوة البطريرك إلى الحياد. ونحن نرفض التدويل والمؤتمر الدولي علماً اننا لم نعتبر الدعوة إلى التدويل مشروع حرب إنما كلام السيد نصرالله كان موجهاً لمن طرح فكرة اللجوء إلى الفصل السابع وليس البطريرك".
ونسأله ماذا سيفعل حزب الله إذا استجابت عواصم القرار والأمم المتحدة لمشروع المؤتمر الدولي الخاص بلبنان؟ يجيب:"لا نرى أن الدول همّها لبنان ولا المؤتمر الدولي لأجل لبنان، نحن نحذّر من مخاطر الفكرة على الوضع اللبناني، والمطلوب أن نفكّر بحل مشاكلنا بأنفسنا، أما في التدويل فيصبح القرار بيد الدول ونحن نرفض هذا الأمر ولسنا بوارد التعليق على كلام البطريرك، وما تكلم عنه السيد نصرالله لم يكن رداً على أحد إنما لمناقشة الفكرة من أينما أتت وهي خطيرة ونأمل أن لا يستمروا فيها، وقد هبّ البعض ليستفيد من الفرصة في الدفاع عن بكركي رغم أننا لم نهاجمها".
الخازن: الفكرة لم تتبلور بعد
من جهته، أعرب عضو التكتل الوطني النائب فريد هيكل الخازن "بأن فكرة المؤتمر الوطني لم تتبلور بعد، وكما يبدو ان كلام البطريرك الراعي يؤخذ أحياناً بغير المنحى الذي يقصده، فهو يقول أن البلد لا يستطيع أن يقوم وحده من خلال الجهود الداخلية بل يجب أن يكون هناك التفاتة خارجية حيال لبنان، تدعم نهوضه على سبيل المثال مؤتمر سيدر وغيره، لكن السؤال هل هذه المبادرة ستؤدي فعلاً إلى النتيجة المرجوّة؟ بكركي تحاول أن تجد أي مخرج ممكن أن ينهي أو يساعد على انهاء الأزمة الكبرى التي يتخبط بها البلد ونحن ندعمها".
وعن مخاوف بعض الأطراف من التدويل يقول الخازن:"ربما تكون هناك بعض الهواجس المبررة إذ تصاعدت أصوات لا علاقة لها بالبطريركية المارونية وقبل صدور موقف بكركي بأيام تطالب باستخدام الفصل السابع، ولا شك أنها تخلق هواجس لدى البعض".
عقيص: البطريرك دق ناقوس الخطر
في المقابل، بدت القوات اللبنانية متناغمة مع البطريرك الراعي في دعوته إلى المؤتمر الدولي من خلال موقف نائبها جورج عقيض الذي  يعتبر "تاريخ بكركي معروف داخلياً وخارجياً ومن خلال طليعية دورها التأسيسي في الكيان اللبناني بدليل ما أدى اليه النداء البطريركي في ايلول 2000 بقيادة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مطالباً بخروج الجيش السوري من لبنان، بحيث تجاوز هذا المطلب بعد النداء الغرف المغلقة وأصبح مطلباً شعبياً، إذ يكفي موقف بكركي ليكون رافعة لأي مشروع وطني فكم بالحري إذا نال تأييد قوى سياسية لبنانية عديدة؟ ما أريد قوله انه لدينا دستور غير مطبّق كسحب السلاح غير الشرعي واللامركزية وتشكيل اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، كما ان هناك قرارات دولية لم تطبق بالكامل كالقرار 1701 والقرار 1559... المطلوب اليوم تطبيق وثيقة الوفاق الوطني والقرارات الدولية والمطلوب من أجل تطبيقها حلاً من اثنين: اما حوار داخلي لبناني وقد جرّب هذا الأمر منذ عام 2006 أكثر من مرة ولم نحصل على أي نتيجة أو نحتاج إلى ضمانة ورعاية من منظمة الأمم المتحدة التي يعتبر لبنان عضواً فيها".
وعن هواجس بعض القوى السياسية اللبنانية من تدخل دولي بشؤون لبنان يقول:"نطمئن هذه القوى بأننا لن نستجلب قرارات جديدة ولا حلولاً جديدة، إنما تطبيق ما أتفقنا عليه سابقاً، وبالتالي لا يمكننا التشكيك بكل ما هو دولي، وهناك مكوّن سياسي لا تعنيه المحكمة الدولية ولا قرارات الشرعية الدولية بل كل ما يعنيه تنفيذ أجندة دولة أجنبية رغماً عن ارادة كل الشعب اللبناني. ازاء هذا الوضع وصلنا إلى حائط مسدود، علماً ان البطريرك لم يأت على ذكر الفصل السابع، ومن يطرح هذه الأفكار ويهدد بالحرب يقوّل البطريرك ما لم يقله، حتى نحن كقوات لبنانية لم نلفظ بعبارة الفصل السابع".
نسأل عقيص: هل يحتاج البطريرك الراعي إلى جولات في الخارج لبلورة الفكرة؟ وهل سيكون هناك تلقف لدعوة البطريرك؟ يجيب:"هذا مسار طويل، ولا يمكن اطلاق موقف والبدء غداً بتحقيقه. البطريرك يدرك هذا الأمر لكنه دق جرس الانذار أو ناقوس الخطر للقول "هيك مش ماشي الحال"، ويبدو ان الفرقاء اللبنانيين بلغوا من الغي السياسي درجة تمنعهم من رؤية حقيقة المأساة التي يعيشها اللبنانيون، ولا يتجاوبوا مع واجباتهم الدستورية التي تفرض عليهم تشكيل حكومة وفهم الدستور بحسن نيّة. لقد وصل البطريرك إلى حقيقة بأن القوى السياسية اللبنانية فقدت القدرة على انتاج الحلول، لذلك بات من الواجب أن نستعين بالأسرة الدولية لمساعدتنا في هذا الموضوع. هو فعل ما يتوجب عليه والآن مطلوب من كل القوى السياسية من دون استثناء أن تلاقيه، اما بحوار داخلي فعّال وسنكون من أول الجالسين على الطاولة أو فلنثق بالبطريرك ونذهب إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة".
معلوف: مع مساعدة المجتمع الدولي ولكن...
يقف عضو تكتل "لبنان القوي" النائب ادكار معلوف في موقع الوسط حيال دعوة البطريرك الراعي إلى مؤتمر دولي ويقول:"نحن كفريق سياسي أيدنا المطالبة بمساعدة المجتمع الدولي للبنان في أمور عديدة كالاستعانة به للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت والتحقيق بأزمة الأموال المهربة إلى الخارج والمساعي الأميركية والدولية في مسألة ترسيم الحدود والتدقيق الجنائي، لكن هنا في ما يخص طرح بكركي نريد أن نعرف الموضوع عن كثب، ليس لدينا رفض بالمطلق انما نسأل كيف سيساعدنا المجتمع الدولي في مسألة سلاح حزب الله؟ وهل سيضعنا تحت الفصل السابع؟ أنا لا أرى رغبة لدى المجتمع الدولي بخوض حرب لأجل لبنان. نحن بإنتظار توضيح الكثير من علامات الاستفهام كالطرح والآلية".
ويوضح معلوف "اليس لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ممثل حزب الله في لبنان محاولة لمساعدتنا من المجتمع الدولي؟ اليس الاستعداد لمفاوضات ايرانية اميركية يمهد لفترة من التهدئة؟ ولا أرى كيف سيأتي المجتمع الدولي لفرض حل في لبنان بطريقة "عنيفة". تجربة التدويل في سوريا لم تنجح بل دمرت سوريا ولم تؤد إلى نتيجة وها هي الأمم المتحدة ترسل موفداً لمفاوضة الرئيس السوري بشار الأسد!".
عبدالله: الأزمة مدوّلة أصلاً
من جهة أخرى، لفت عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب بلال عبدالله "بأن الحزب التقدمي الاشتراكي أيدّ موقف البطريرك الراعي عندما دعا إلى الحياد الايجابي أو بالحد الأدنى تحييد البلد عن الصراعات الدولية والاقليمية المتسارعة في المنطقة التي تبدأ باليمن مروراً بليبيا وصولاً إلى العراق فسوريا ولبنان، للأسف لبنان مأخوذ ساحة في هذه الصراعات وقد اعتبره البعض في محور الممانعة مما أوقعه بعزلة عربية ودولية وصار يستخدم لتحسين شروط التفاوض في هذه المحاور، من هنا يقول البطريرك اننا في أزمة اجتماعية واقتصادية مالية خانقة تهدد الكيان، والمطلوب تحييد البلد ونحن نؤيده في هذا المجال. أما مسألة المؤتمر الدولي فنحن نعتبر الأزمة مدوّلة من خلال الصراع مع اسرائيل وفشل ترسيم الحدود وحدودنا المشرّعة مع سوريا والتهريب، لذلك نرى الأولوية لتأليف الحكومة لأن تجربتنا مع الخارج والعواصم المعنية بالأزمة اللبنانية مريرة لجهة انها تبدّي مصالحها على مصلحة لبنان. نعرف كيف ندخل إلى المؤتمر الدولي لكن لا نعرف كيف نخرج. ها هو المؤتمر الدولي الذي يعالج الأزمة السورية لم يتوصّل إلى وضع دستور. من جهة أخرى، تبدو تركيبتنا الداخلية هشّة والتدخّل الدولي سيزيد من الانقسام العمودي بحيث يؤدي إلى شرخ بين شرائح المجتمع وقد تكون الكلفة عالية، حتماً نحن نتشارك مع البطريرك الراعي حرصه وهاجسه بأن هذا الكيان يختفي وفي مكان ما هناك من يؤسس للبنان آخر، لذلك علينا درس الموضوع بتأن لأن مصالح الدول الكبرى تدعس الشعوب".
وعن السباق بين تأليف الحكومة والخطر على الكيان يقول:"رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان سباقاً عندما قال العام المنصرم بأنها قد تكون السنة الأخيرة التي نحتفل فيها بمئوية لبنان الكبير، لذلك نحن الأكثر تفهماً للخطر الذي يحذّر منه البطريرك، لكن في النهاية الكيان هو بشر، والمواطن يئن ويجوع تحت وطأة الأزمة الاجتماعية، قريباً سندخل بجنون ارتفاع سعر صرف الدولار ورفع الدعم عن السلع، لذلك نحن بحاجة إلى حكومة تخاطب المجتمع الدولي واصدقاء لبنان، وحتماً الحكومة وحدها لا تكفي بل يجب أن نحضّر خطة انقاذية اصلاحيّة والا لن يقدم لنا أحداً أي مساعدة مالية. أما المؤتمر الدولي فيحتاج إلى وقت طويل والأولوية الآن لوقف الانهيار".
ويعتبر عبدالله "أن ردة فعل حزب الله على طرح المؤتمر الدولي منطقيّة من وجهة نظره، علماً ان البطريرك عندما يطالب بتحييد لبنان فهو يرمي إلى وقف استخدام لبنان اداة بيد ايران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وموقف السيد نصرالله ليس مستغرباً لأنه يعبّر عن قناعاته، انما المفاجأة في موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يرفض التدويل والحياد ويصرّ على ابقاء لبنان رهينة في هذا المحور وهو ينحر الوجود المسيحي علماً أنه يدعي تمثيل المسيحيين".
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 3