روسيا وترويض بيلاروسيا: ذوبان السيادة؟

إعداد - رؤى خضور

2021.02.17 - 09:37
Facebook Share
طباعة

 تترافق جهود موسكو الحالية لتحويل بيلاروسيا (روسيا البيضاء) إلى منصة للقوات المسلحة الروسية مع تحركات لتسريع التكامل الاقتصادي الذي يمكن أن يتطور إلى ضم بيلاروسيا لروسيا، بالتزامن مع انتشار تقارير حديثة تفيد بأن روسيا وبيلاروسيا تخططان لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة هذا العام، ما اعتبره البعض بأنه قد يكون تمهيداً لإنشاء قاعدة عسكرية روسية دائمة على الأراضي البيلاروسية.

وكتب جورج باروس من معهد دراسة الحروب مؤخراً: "من المرجح أن تدعم المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة جهود بوتين لتأسيس وجود عسكري روسي دائم في بيلاروسيا".

لطالما حاول بوتين تحويل بيلاروسيا إلى امتداد فعلي للمنطقة العسكرية الغربية لروسيا، فمنذ العام 2015 يضغط الكرملين على جاره الغربي لاستضافة قاعدة جوية روسية جديدة على أراضيه، وفي نهاية العام ذاته، اقترح وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، دمج جهاز الدفاع والأمن في بيلاروسيا وروسيا في مركز صنع القرار المشترك في موسكو، ونُفَّذ بالفعل نموذج مماثل في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا الخاضعتين للسيطرة الروسية.

وكان الرئيس البيلاروسي، أليكساندر لوكاشينكو قد قاوم سابقاً جهود روسيا لتعزيز وجودها العسكري في روسيا البيضاء، ورفض الانخراط في مواجهة موسكو مع الغرب، وعارض ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتعهد بعدم السماح باستخدام أراضيه لمهاجمة أوكرانيا، كما رفض مشاركة قواته مع القوات الروسية في تواجدها في سورية في خطوات للمحافظة على علاقات جيدة مع الغرب.

لكن يبدو أن لوكاشينكو بدأ يتراجع عن مواقفه ويعود إلى  أحضان الكرملين بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في آب/أغسطس ضد حكمه، وسياسته التي أعقبت ذلك والتي أبعدت لوكاشينكو عن الغرب، حتى لم يعد أمام الرجل البيلاروسي القوي مكان يلجأ إليه سوى موسكو، حتى نشرت قناة BYPOL البيلاروسية المعارضة للحكومة، تقريراً ادعت فيه أن القوات المسلحة البيلاروسية تلقت أمراً لتجنيد قوات للانتشار في سورية، ووفقًا لتقرير نُشر في مدونة بيلاروسيا للأمن، فإن دائرة الاستخبارات الخارجية الأوكرانية أعدت مسودة كتاب تزعم أن بيلاروسيا "لا تعتبر فقط نقطة تطبيق للجهود التوسعية الروسية، بل تعمل أيضاً مصدر تهديد لأوكرانيا".

بالتأكيد لا يمكن تجاهل الأهمية الاستراتيجية لإعادة توجيه بيلاروسيا واستغلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي قد يغير التوازن الأمني بأكمله على الجانب الشرقي لحلف الناتو، فقد تُستخدم منصة يمكن من خلالها لموسكو أن تهدد حلفاء الناتو في الخطوط الأمامية.

ونظراً لضعف لوكاشينكو، من الواضح أن بوتين يحاول الآن الضغط على بيلاروسيا وترويضها لمصلحته، فبدأ توطيد التعاون الاقتصادي من خلال اتفاقية لسوق غاز مشترك داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تهيمن عليه موسكو، وعزم بيلاروسيا توجيه صادراتها إلى الموانئ الروسية.

في غضون ذلك، قال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مؤخراً إنه يجب على روسيا وبيلاروسيا "الاندماج بشكل أوثق وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لدولة الاتحاد بما في ذلك العملة المشتركة"، وأضاف أنه من أجل مواصلة الاندماج، على لوكاشينكو "تطبيع الوضع العام" في بيلاروسيا، كإشارة إلى احتجاجات الشوارع التي عصفت بالبلاد.

في كافة الأحوال، فإن الملاحظات الأخيرة تشير بوضوح إلى تشكل محور روسي - بيلاروسي يواجه ظروفاً داخلية متشابهة في كلا البلدين، ويسعى لتوحيد جهوده في المحافظة على السيادة الراهنة، جهود ربما تتمخض لاحقاً عن ذوبان السيادة البيلاروسية في البوتقة الروسية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8