كتبت أمينة شفيق: العدل فى توزيع كورونا

2021.02.01 - 10:06
Facebook Share
طباعة

 طوال عام 2020 انشغلنا جميعا بالأخبار المتعلقة بكل الأبحاث الخاصة بالوصول إلى الأمصال المعالجة أو المخففة من فيروس كورونا الذى لم يترك بلدا الا واقتحمها واصاب العشرات والمئات من مواطنيها.


ودخلت فى حلبة السباق كل من الولايات المتحدة و المانيا و المملكة المتحدة و روسيا و الصين . كنا جميعا نتابع خطوات كل دولة متمنين الخروج بلقاح يستطيع التصدى لعواقب الفيروس اللعين الذى لا تملك البلدان الصغيرة القدرات والامكانات البحثية التى تساعدها على الوصول اليه وانتاجه.. كنا جميعا قلقين حتى خروج بعض التصريحات التى تؤكد أن الامصال التى نجحت البلدان الكبيرة فى الوصول اليها وأنها ذات نتائج جيدة سوف توزع بعض هذه الدول اللقاح على البلدان الصغيرة بالمجان او ببعض التسهيلات. استكانت تلك الشعوب واطمأنت على مستقبلها لأنها لاتملك المال للشراء اللازم كما انها لا تملك القدرات البحثية للإنتاج.


والمال الكثير مطلوب لمناطحة هذا الفيروس خاصة أنه سوف يستخدم لتتلقاه كل الشعوب ولعدة دورات. ولمعرفة قدر المال اللازم علينا العودة الى الخطوة التى اتخذها الرئيس جو بايدن صبيحة تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الامريكية. فقد تقدم للكونجرس طالبا تريليونات الدولارات لمواجهة الفيروس كمرحلة أولى مدتها مائة يوم فى الولايات للبدء بالأطقم الطبية والمسنين ثم المدارس. وهو الحال فى كل البدان حيث لا تستطيع الدولة بالبدء بتغطية كل الشعب وإنما يتم البدء بالشرائح الاكثر حساسية، لأننا نتعامل مع فيروس خبيث يملك قدرات انتشار هائلة بجانب امتلاكه لقدرات للتحور.


ومن هنا نستطيع معرفة مدى احتياج الدول الصغيرة لتوزيع عادل للقاح خاصة أن عدد الأطقم الطبية فيها لا تصل فى عددها عدد نظائرها فى الدول الكبيرة. فالمعروف أن الخدمات الطبية تعانى نقصا شديدا فى الدول الصغيرة نتيجة للفقر ثم لعملية استنزاف العقول.ولكن وبعد مرور شهرين من بدء توزيع اللقاح صدر بيان من منظمة الصحة العالمية يشير إلى ان الدول الكبيرة التى وصلت الى اللقاح قبل الدول الصغيرة واستحوذت على نسبة 95% من كمية اللقاح المنتج وانه لم يتبق الا نسبة 5% للدول الصغيرة وإذا كان لها نصيب فى التوزيع فسوف تحتاج إلى المال الكثير اللازم للشراء..


وأكثر من ذلك بدأت بعض هذ الدول الكبيرة تغلق أجواءها امام القادمين اليها جوا من بعض البلدان المحيطة بدولة جنوب إفريقيا وغيرها حتى تمنع وصول النسخة الجديدة من الفيروس اليها. معنى ذلك أن تصبح هذه المناطق ومحيطها من دول منطقة مغلقة على الفيروس. ينهش فى مواطنيها دون ان يمتلكوا فرص الخلاص منه. وانتظارا للقاح جديد يعالج النسخة الجديدة المطورة للفيروس يتم الوصول اليها فى معامل وابحاث الدول الكبيرة.


الخلاصة ان فيروس كورونا الذى يصيب الجميع من كبيرنا الى صغيرنا، بدأ يفرق بين أغنيائنا وفقرائنا فى مرحلة علاجه. ومع كل يوم جديد يصعب علينا معرفة وسائل وادوات علاجه التى تخرج الينا معامل الابحاث الجديد بها. فنقف حائرين امامها، لأننا لا نملك القدرة على التعرف على صحتها أو حتى التأكد منها. فمع كل جديد يخرج إلينا نسمع عبارة لا تزال اسرار الفيروس غامضة ونحتاج لعدة شهور للتأكد من دقة وصحة النتائج التى توصلنا اليها وفى كل الاحوال الوسائل الاحترازية واجبة ومطلوبة.


ولا ندرى إذا كان المسئولون فى الدول الكبيرة يعرفون خطورة ما يفعلون. فالفيروس ينتشر فى العالم دون ان نعرف حقيقة حامله. تماما كما خرج من يوهان الصين ية الى العالم قبل ان نعرف جميعا ان يوهان هذه مقاطعة كبيرة فى الصين . لم نعرف حتى الآن إذا كان الفيروس قد خرج من يوهان جوا او بحرا او برا. كل الذى نعرفه انه وصل الينا فى بلداننا ثم فى منازلنا ثم انتشر حولنا دون ان يكون بيننا وبين يوهان طرق مواصلات برية او جوية او مائية. لقد وصل الينا وأًصبحنا فى تناول يده مهما بعدنا ومهما فصل بيننا وبينه مسافات. وسوف يستمر هكذا طالما حمله انسان واحد على الكرة الارضية. لذا لا يعنى ان اللقاحات التى انتظرناها ستحمى اى انسان فى اى بلد طالما استمرت عملية التوزيع غير العادلة للقاحات. سوف يتطاير الفيروس من بلد الى آخر سواء تم تطويره ذاتيا او تناول البعض منا اللقاح تاركا الآخرين يعانون من الفيروس.


لقد أصاب الانسان فى الدول الصغيرة عدداً قليلاً من الفيروسات الخطيرة خلال القرن العشرين ولكن الاطباء وخاصة الأطباء المنتمين الى المنظمات الأهلية مثل منظمة اطباء بلا حدود استطاعوا محاصرتها فى مناطق جغرافية محدودة حتى تم القضاء عليها. ولكن فى حالة فيروس كورونا يصعب تكرار حالة الحصار، لأن كورونا ينتشر فى الهواء كالإنفلونزا. ومن هنا يحتاج الى الوعى العام بجانب النشاط المالى والادارى للدولة، ولمدد طويلة، حتى يتم القضاء عليه. أما فكرة محاصرته جغرافيا كوباء ايبولا مثلا فتبدو الى الآن مستبعدة. أو خارج اطار القدرات الطبية.


وإذا كنا نطالب العالم بالعدالة فى التوزيع بين الجميع حسب احتياجات واولويات الدول، فإننا نطالب كل الدول التى تستطيع الحصول على اى من اللقاحات الا تدخل الصراع السياسى فى الاختيارات.فالذى يفاضل بين الانتاج الامريكى والآخر الصين ى او الروسى فهو فى الحقيقة يؤخر فى القضاء على الفيروس. فى مجال الاختيارات يصبح العلم والاطباء هم المرجع ولا دخل للساسة فيه. فأحد اخطاء الرئيس الأمريكى السابق ترامب انه كان يطلق على الفيروس الصفة الصين ية لينفر الشعب الأمريكى منه. فى حين أن التعاون بين كل الدول بغض النظر عن نظمها الاجتماعية مطلوب فى مثل هذه الأزمات حتى تخرج الانسانية منها. فى حالة كورونا لابد ان نردد باستمرار ان ما يقوله الاطباء مجتمعين هو الصواب الذى يتبع اما السياسيون فمجالهم السياسة.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3