ترامب معزولاً

إعداد - رؤى خضور

2021.01.14 - 05:49
Facebook Share
طباعة

أفرغ الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب كل الحيل من جعبته للتمسك بالسلطة الرئاسية قبل إبعاده قسرًا -قبل ساعات قليلة من إعداد هذا المقال-، وما لا شك فيه هو أن النظام الأمريكي نجح في فرض قوته، على الرغم من الاختبار الأشد الذي خضع له في التاريخ الحديث (رئيس على الكرسي يرفض قبول الهزيمة ومحاولات التمسك بالسلطة)، وفقًا لموقع Business insider.

لكن كيف رسم ترامب لانقلابه؟

رغم اختلاف البعض على تسمية ما قام به ترامب بالانقلاب- على اعتبار أن الجيش الأمريكي والجماعات المسلحة الأخرى لم يشاركوا فيه- إلا أن ترامب كان يرسم له بشكل واضح في الآونة الأخيرة من فترة رئاسته.

كتبت فيونا هيل، الباحثة في السياسة الأمريكية والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في صحيفة Politico أن ذلك حتمًا محاولة انقلاب قائلة: "لقد درست الأنظمة الاستبدادية لثلاثة عقود، وأعرف تمامًا علامات الانقلاب عندما أراها."

وحتى نفهم ما قام به ترامب من المهم أن نستدل بالقائمة المرجعية القياسية للانقلاب التي يستخدمها المحللون لتقييم الانقلابات، والتي تتضمن السيطرة على الوحدات العسكرية وشبه العسكرية، والاتصالات، والقضاء، والمؤسسات الحكومية، والسلطة التشريعية، وحشد الدعم الشعبي.

دعونا نرى كيف ينطبق هذا على ما فعله ترامب.

خلال احتجاجات العام 2020 بعنوان "حياة السود مهمة"، سحب ترامب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي ووزير الدفاع مارك إسبر من اجتماع في البيت الأبيض لمرافقته لالتقاط صورة استفزازية أمام كنيسة تاريخية، كان ترامب بذلك يختبر الجيش والبنتاغون لمعرفة ما إذا كان بإمكانه تحويل القوات المسلحة الأمريكية إلى الحرس الخاص به، وأكدت ردود الفعل السلبية من هذه الحادثة على الموقف غير السياسي للجيش الأمريكي.

شوه ترامب سمعة وسائل الإعلام التي كانت تنتقد أفعاله، وجنّد فوكس نيوز ونيوزماكس و OAN ومنصات التواصل الاجتماعي مثل Twitter و Facebook للتأثير على الرأي العام لصالحه، وأرسل عبر تويتر رسائل مباشرة إلى 88 مليون شخص متابعين لحسابه، واستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر روايات كاذبة لخدمته وتبرير أفعاله وتعبئة مؤيديه.

في القضاء جمع ترامب حوله قضاة المحاكم الفيدرالية، وعيّن ثلاثة قضاة جدد في المحكمة العليا قبل الانتخابات الرئاسية، فقد توقع أنه إذا كان على المحكمة العليا تسوية نزاع انتخابي، فإن "قضاته" سيرجحون الحكم لصالحه، في المقابل سحب أعضاء مجلس الوزراء الذين قاوموه، وعين مسؤولين بالإنابة في مناصب مهمة للأمن القومي مثل وزيري الدفاع والأمن الداخلي ومدير المخابرات، وأظهر بوضوح أن الولاء الشخصي هو العامل الأساسي لاختيار المرشح.

وكان ترامب على مدى السنوات الأربع الماضية يشدد على اختبار النظام الديمقراطي الأمريكي لمعرفة ما إذا كان أي شخص سيقف في طريقه، ونتذكر عدد المرات التي صرح فيها بأنه "يستحق" فترتين أو حتى ثلاث فترات في المنصب، ثم وضع طيلة العام الفائت الأساس للكذبة الكبيرة، إذ قال مقدَّمًا أن الاقتراع "مزور" وأنه لن يخسر إلا إذا "هم" سرقوا الانتخابات.

بعد إعلان الانتخابات لصالح بايدن، رفض ترامب التنازل ولم يتوقف عن الكذب بشأن النتيجة، واستخدم فريقه القانوني للطعن في كل مرحلة ما بعد الانتخابات، واستدرج مسؤولي الانتخابات في الولاية لترهيبهم للتنصل أو حتى تغيير فرز الأصوات، وطلب من نائب الرئيس مايك بنس عرقلة عملية التصديق على الانتخابات الرسمية في الكونجرس، والتي كانت خارج نطاق سلطته الدستورية، لكن بنس رفض.

ما الذي أحبط حركة ترامب؟ 

لحسن الحظ، كان هناك معارضة من جميع المؤسسات الرئيسة التي يحتاجها للانقلاب إذ إن الجيش قاوم جهود ترامب، ونقلت كبرى وسائل الإعلام الحقائق بصدق، وفضحت وسائل التواصل الاجتماعي أكاذيب الرئيس بشأن الانتخابات، وقام تويتر وفيسبوك أخيرًا بتعطيل حساباته، كما أن "قضاة ترامب" احترموا يمين المنصب ورفضوا طعون الرئيس لإلغاء نتائج الانتخابات المشروعة، فكان من احتشد وراء محاولة الانقلاب قلة من أعضاء مجلس الشيوخ وغالبية الجمهوريين في مجلس النواب.

وكما في حالة المحاولات الانقلابية الأخرى، فإن تصرفات الرئيس وضعت البلاد على شفا حرب أهلية، ونجح في تعطيل الانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة التنفيذية، وفقًا لموقع politico.

الدرس الحقيقي لمحاولة ترامب الانقلابية 
يجادل الأمريكيون والعالم على الدوام بأن الولايات المتحدة هي "أول ديمقراطية في العالم"، لكن بعد اليوم سيكون من الأدق القول إن "واضعي دستورها تصوروها كذلك"، ليبرهن الواقع أنها ليست "شخص واحد، صوت واحد"، وفقًا لموقع Mint.

في المقابل، يجب أن يعترف الشامتون بقوة المؤسسات الأمريكية ونجاحها في ردع ترامب.

ماذا يعني "انقلاب" ترامب بالنسبة لأوروبا؟

لا ريب أن تصرفات ترامب هي ضربة لسلامة الديمقراطية الأمريكية والديمقراطية بشكل عام، وسيكون لها تداعيات جيوسياسية على الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، مع صعود حركات اليمين المتطرف ومسؤولين مشابهين في المجر وبولندا.

من الواضح أن القادة الاستبداديين في جميع أنحاء العالم يراقبون عن كثب كل خطوة يتخذها ترامب وكيف يتفاعل النظام الأمريكي معها، وعلى الجميع بالتأكيد أن يأخذ محاولة الانقلاب التي قام بها ترامب على محمل الجد.

هل سيرشح ترامب مرة أخرى؟

لا شك أن ترامب مازال يتمتع بشعبية لا تصدق بين الجمهوريين، إذ حصل على أصوات أكثر من أي مرشح رئاسي جمهوري آخر في التاريخ، ومازال زعيم الحزب ومرشحه الرئاسي الأكثر احتمالاً في انتخابات العام 2024.

ويبدو أن البقاء إلى جانب ترامب هو الخيار الأكثر أمانًا بالنسبة للجمهوريين للبقاء في السلطة وتحقيق طموحاتهم السياسية، خاصة أنه يمكنه بسهولة العودة إلى الانتخابات المقبلة.

في حين أن السيناريو الذي لا يمكن تخيله بالنسبة لجميع كارهي ترامب هو المراهنة على فشل بايدن في حل أي من التحديات الضخمة التي تواجهه بشكل فعال بما فيها الركود الاقتصادي الناجم عن فيروس كوفيد، ومع انتشار الإحباط واليأس بين الأمريكيين، ستبدو أيام "اقتصاد ترامب" أكثر إشراقًا، وفقًا لموقعeuobserver.

إذا ترشح ترامب مرة أخرى وفاز، فستكون ولايته النهائية دون احتمال إعادة انتخابه.

ومع ذلك، إذا كان لا يزال على قيد الحياة وبصحة جيدة، سيكون على الجميع البدء رسميًا في القلق، ليس فقط بالنسبة للديمقراطية الأمريكية بل للديمقراطيات في أوروبا وبقية العالم.

المصادر:

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1