كتبَ محمد دياب: لماذا أهمِلت تقارير تقصي الحقائق حول ثورة يناير؟

2021.01.09 - 10:35
Facebook Share
طباعة

 نحن على موعد في شهر الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير الكبرى؛ لتناول ما تضمنه ملخص تقرير «لجنة تقصي الحقائق حول ثورة 25 يناير 2011َ» ونتعرف على قصة ذلك التقرير؛ حبيس الأدراج والصدور، وتم تناسيه في زحمة الفوضى وكثافة غبار الهدم المنظم لثورة 25 يناير والإصرار على تجريمها و«شيطنتها» ليخلو الجو لأعدائها، فيفعلون بها ما شاؤوا.


وكان الخيط الأول لهذا؛ التقرير الذي اطلعت عليه في نوفمبر الماضي (2020) وحين حصلت عليه، كأني أراه لأول مرة، مع أنني عشت الثورة لحظة بلحظة واقتربت منها ومن رجالها ورموزها، وكنت شاهدا على قدرتها في إحداث التغيير النفسي غير المسبوق، كتبت عنه في وقته بأنه كان بحاجة لخمسين عاما لتحقيقه، وتحقق في زمن قصير لم يتجاوز الثمانية عشر يوما، وما زال بأثره وبَصْمَته مقلقا لأعداء الثورة، وهو – من وجهة نظري أكبر وأقوى من أي تغيير مادي وسياسي – فالشخصية الوطنية والإنسانية المصرية غيرتها الثورة، فرفعت رايتها واستظلت بمظلتها، وبالقدر الذي تفجرت في هذه الشخصية الجديدة طاقات وقدرات وعزائم، بنفس القدر الذي خرجت فيه الشياطين من قمقمها، فأطفأت كل وهج، وقضت على كل أمل، وحجبت كل بصيص سطع في سماء الوطن وسرعان ما انطفأ، وما كان للناس أن يتصوروا وجود قوة قادرة وغادرة لهذا الحد على وأد أحلام شعب مشروعة، وإجهاض تطلعات شباب مستحقة، وتكثيف جهودها الشيطانية، فتمكنت من إحياء «تحالف الاستبداد والفساد والتبعية» وعاد لسيرته الأولى؛ أيام السادات، وامتداده عصر مبارك الذي طال واستمر حتى الآن.


وأشرت في ختام مقال منشور في 27/ 11/ 2020 على موقع «القدس العربي»؛ أشرت إلى تقرير «تقصي الحقائق حول ثورة 25 يناير 2011» الذي عكفت عليه لجنة برأسها رئيس محكمة النقض (أعلى درجات التقاضي المصرية)، ومن بين أعضائها رئيس مجلس الدولة، الذي بعث بخطاب إلى اللجنة (في 07/ 03/ 2011 يعتذر فيه عن الاستمرار في عضوية اللجنة)، ومساعد وزير العدل، وأستاذ قانون بجامعة القاهرة، ورئيسة المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية؛ عكفوا جميعا على إعداد التقرير وتم تسليمه إلى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإرساله إلى رئيس مجلس الوزراء، وإلى النائب العام في 18 إبريل 2011؛ لإتخاذ الإجراءات االلازمة لما جاء به. وأرسلت نسخا من ملخص من التقرير إلى زملاء وأصدقاء، وتقع النسخة في 45 صفحة.


ومن المثير إنني كنت قد عدت إلى مصر مع بداية الثورة، ودامت إقامتي فيها لأكثر من سنتين، عاصرت فيها ذروة الكر والفر بين شباب وقوى الثورة من ناحية، وبين فلول النظام السابق من ناحية أخرى، ولم أكن قد سمعت عن ذلك التقرير وقتها، مع إنني كنت لصيقا بالأحداث، ومتابعا لها، وشريكا في حراكها، وحين راجعت زملاء ونشطاء، عملت معهم إبان الثورة وجدتهم مثلي لا يعرفون شيئا عن التقرير، وأرجعت ذلك إلى زحمة الأحداث وسرعة إيقاعها؛ قد تكون سببا في ذلك، أو إن هناك من تعمد إخفاءه والتعتيم عليه.


ورجعت لصحف ومطبوعات تلك الفترة، فوجدت إن هناك من نشر عنه، واتصلت ببعض من كانوا قريبين من الحراك الثوري وقتها، وبعثت إليهم بصور من أصل «الملخص المعتمد». ووصلتني ردود تبينت من خلالها إن التقرير الذي تحت يدي ليس الوحيد الذي صدر بشأن ثورة يناير، وسبقه تقرير صادر عن «المجلس القومي لحقوق الإنسان» وتم نشره في 23 مارس 2011؛ مجلس حكومي يرأسه السيد محمد فايق، واهتم باستجلاء وقائع وقرارات الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، وتحديد المسؤولية المباشرة عن ما جرى..


قرارات إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، وقرارات انسحاب الشرطة، ومن المسؤول عن الفراغ الأمني، وما ترتب عليه من اقتحام أقسام الشرطة، وتخريب وحرق 99 قسماً ونقطة شرطة على مستوى الجمهورية، والهجوم على ستة مجمعات كبرى للسجون، وفرار أكثر من ثلاثة وعشرين ألف سجين جنائي؛ أحدهم ينتمي لحركة «حماس» ووصل إلى منزله في قطاع غزة بعد ساعات قليلة من اقتحام السجون، وآخرين من «حزب الله» ظهروا فى لبنان بعد أقل من أسبوع على الاقتحام، وقد أثار ذلك قلقا كبيرا، ونَظَرَت إليه السلطات المصرية كتهديد أمني خطير..


وضاعف من صعوبة تقصي الحقائق غياب التفسيرات الرسمية، وتضارب المعلومات، وسيادة الغموض وعدم المصداقية، وتنامي الرغبة الرسمية في التعتيم والتضليل وإخفاء الحقائق. ورأى التقرير إن ذلك لا يؤثر كثيرا على قدرة لجنة تقصي الحقائق في استنتاج دلائل ومؤشرات تساعد النيابة العامة وجهات التحقيق على مباشرة مهامها، وعلى تلبية حاجة الرأي العام إلى معرفة ما يتم التوصل إليه من نتائج.


وعن مسؤولية وزارة الداخلية عن أعمال القتل والاعتداء البدني على المتظاهرين السلميين، استندت اللجنة إلى مصادر إعلامية أفادت بإنكار وزير الداخلية ما جرى في تحقيقات أولية جرت معه في النيابة العامة؛ أنكر مسؤوليته عن صدور قرارات بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، وذلك عكس ما ظهر في تسجيلات على القرص المدمج (C.D) مُسجل عليه مكالمات قيادات قوات الأمن المركزي حول ثورة 25 يناير، وذلك سبب بلبلة، ورفضت القيادة المركزية لقوات الأمن هذا الأمر، بينما استجابت له بعض القيادات الفرعية في مناطق وأماكن أخرى كميدان التحرير والشوارع القريبة منه، وجاء ذلك بإلحاح من وزارة الداخلية خوفاً من وصول المتظاهرين لمقر الوزارة واقتحامه، وتولت النيابة العامة التحقيق في هذه المسؤولية، وقررت حبس أربعة من قيادات وزارة الداخلية على صلة بالاتهامات.


وظلت في الوقت ذاته مسؤولية وزير الداخلية المباشرة عن الجرائم المرتكبة خلال هذه الفترة؛ لمسؤوليته السياسية بصفته وزيراً، ومسؤوليته الإدارية عن الضباط والعاملين التابعين له، وفيما يتعلق بالفراغ الأمني، تراوحت التفسيرات بين قصد إحداث ذلك الفراغ، بخطة مسبقة تحتوي الغضب الشعبي، وتتصدى لانهيار قوات الشرطة تحت الضغط الجماهيري طوال الأيام الأربعة الأولى من الثورة، ووصلت ذروتها في منتصف يوم 28 يناير 2011، مع انهيار نظام الاتصالات بسبب قطع خدمات الهواتف المحمولة، وعجز وسائل الاتصال اللاسلكية الخاصة بالشرطة على إجراء الاتصالات اللازمة.


وبينما يقع على عاتق النيابة العامة إجلاء حقيقة وملابسات الوقائع ذات التأثير على تفسير ظاهرة الحرق المتتابع لأقسام الشرطة، وهروب السجناء ويكمن تفسير هاتين الظاهرتين بالفراغ الأمني. إذ يرى شهود اتصالها بما سبقت الإشارة إليه عن خطة إحداث فوضى أمنية، ويذهب شهود آخرون إلى أنها نتجت عن الانهيار الأمني الذي واجهته الوزارة مساء 28/1/2011.


ولم تتوافر للجنة دلائل كافية عن مسؤولية وزارة الداخلية عن الفرار المنظم للسجناء، وإن ظلت المسئولية قائمة بسبب عدم تشديد الحراسة على السجون في البداية. ويتقاسم رئيس الدولة الأسبق مع وزير الداخلية مسؤولية السياسة الأمنية عن الأحداث والمواجهة الأمنية للمتظاهرين بحكم المسؤولية الدستورية. فضلاً عن رئاسته للمجلس الأعلى للشرطة.


وأخيرا ننوجه إلى تقريرين آخرين؛ أحدهما مصري، وكان بتكليف من الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، وكان كل ما وصلني عنه تسريبات لا ترقى إلى المصادر الموثوقة، والآخر غير مصري؛ صادر عن منظمة العفو الدولية، ومن السهل الاطلاع عليه عن طريق الإنترنت، ولنا عودة لتناول تقرير تقصي الحقائق الصادر عن اللجنة المشار إليها هنا في البداية، ويرأسها رئيس محكمة النقض.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

 

 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 10