كتبت احسان الفقيه: هل استخدام مصطلح أهل السنة والجماعة، جريمة؟

2021.01.04 - 09:55
Facebook Share
طباعة

 بعض الكُتّاب او الأساتذة الأفاضل ينتقدون استخدام مصطلح أهل السنة والجماعة للتعبير عن الأمة الإسلامية، يعتبرون ذلك نزوعًا أقلويًّا يختزل الأمة في طائفة، وتجاهلا للشيعة الذين هم من شرائح الأمة الإسلامية، ويرون أن هذا المنحى يقف وراءه جهات تستثمر في الاصطفاف الطائفي لأسباب سياسية، وهو ما استوقفني وأردت التعليق عليه.


أقول وبالله التوفيق، إن مصطلح أهل السنة والجماعة لا يعبر عن طائفة، بل هو يعبر عن المنهج الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وقد اصطلح المسلمون على مسمى “أهل السنة” في نطاقين:


النطاق الأول: وهو نطاق عام، إطلاقه على جميع المنتسبين إلى الإسلام عدا الشيعة، وهذا ما اصطلح عليه العامة، حيث يقولون: هذا سني، هذا شيعي، في مقابل الشيعة، ويوضح ابن تيمية في مجموع الفتاوى سبب هذا الإطلاق بقوله: “لأن الرافضة هم المشهورين عندهم بمخالفة السنة فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم: أنا سني فإنما؛ معناه: لست رافضياً”.


النطاق الثاني: وهو أضيق من الأول، إطلاق السنة على أهل المنهج الخالص من البدع والأهواء الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وسارت عليه القرون المفضلة، ويخرج من هذا المسمى كل أهل البدع والأهواء الذين خالفوا الأمة في أصول الدين، كالخوارج والمعتزلة والشيعة.


ويلاحظ أن التعريفين قد استبعدا الشيعة من الانتساب إلى المنهج الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وسارت عليه القرون المفضلة.


فأهل السنة ليسوا طائفة، فيدخل في هذا المصطلح كل من سار على المنهج الأصلي، وليس هذا المصطلح صالحا لإدراج المخالفين تحته للتعبير عن الإسلام الصحيح، وعندما نقول أهل السنة فليست هذه النسبة من الحزبية أو الطائفية في شيء.


ومن الخطأ الجسيم، أن ننظر إلى الشيعة باعتبارهم أصحاب مذهب فقهي على غرار المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وغيرها من مذاهب الفقه، فهذا من التضليل والتعمية على حقيقة الخلاف بين أهل السنة والشيعة، فالخلاف بينهما هو خلاف في الأصول لا الفروع، خلاف في القرآن الكريم إذ تدل كتب الشيعة أنفسهم أن هناك من القرآن مصحف فاطمة ليس فيه من قرآننا شيء، ويدعون أن الصحابة حرفوا كتاب الله، كما خالفوا الأمة في الحكم والنظر إلى أصحاب النبي، حيث يكفرون جميع الصحابة إلا نفرا قليلا منهم مع أن القرآن قد زكاهم واعتبرهم عدولا وشهد النبي صلى الله عليه وسلم لكثير منهم بالجنة، كما خالفوا الأمة في مصدر التلقي والاستدلال، وادعوا العصمة لأئمتهم، وألبسوا عليهم صفات الرب تبارك وتعالى، إلى غير ذلك من أوجه الخلاف التي لا يتسع المقام لسرد معشارها.


ولذلك لا ينبغي أن نلام لتعريف أنفسنا بأهل السنة، في زمن كثرت فيه الادعاءات والدعاوى، وقُدمت العديد من النسخ الباطلة للمفاهيم الإسلامية للناس على أنها المنهج الحق.


ولأن منهج أهل السنة هو الحق الأبلج، فإن لهم قواعد يعاملون بها المخالف حتى لو كان من الشيعة أو غيرهم، فأهل السنة لا يُكفّرون إلا من ثبت بحقه الكفر وزالت عنه عوارض الأهلية، ويعذرون بالجهل، لذلك يُفرّقون بين الحكم على الشيعة بين الطوائف المغالية كالإمامية والإسماعيلية، وبين الطوائف الشيعية التي هي أقرب لأهل السنة كالزيدية أو المفضلة، كما أنهم يفرقون في الحكم بين عوام الشيعة وعلمائهم، والأهم من ذلك أنهم لا يستحلون دماء وأموال المخالف، ولا يزال أهل السنة على مر الزمان يناظرون الشيعة بالدليل والبرهان والبيان بغية هدايتهم وعودتهم إلى الحق، أما سفك الدماء والقتل على الهوية الطائفية فلا تجده إلا عند طوائف الشيعة المغالية، وما فعله الصفويون بأهل السنة ليس خافيا، وما فعله القرامطة بالحجيج وأهل الحرم ليس خافيا، وإن شئتَ عدّدت لكم مذابحهم التي ارتكبوها على الهوية بحق أهل السنة.


وأما التهوين من قضية “استهداف أهل السنة” واعتباره لطميات ومظلوميات تاريخية، فهذا مجافٍ للواقع، فأهل السنة بالفعل مستهدفون، والشيعة لا يتوانون عن السماح لأعداء الأمة باستخدامهم لضرب السنة، فأخبرني بربك من الذي عاون الأمريكان في احتلال أفغانستان غير الطوائف الشيعية الأفغانية التي تدين بالولاء للولي الفقيه في إيران؟ وهذا معروف، وأقر به أحمدي نجاد، وهو ما تكرر في العراق، حيث تم النسيق بين أمريكا وإيران للسيطرة على العراق عن طريق الشيعة الموالين للولي الفقيه.


بل حدِّثني عن التغيير الديموغرافي الذي يتم في سوريا وتهجير أهل السنة وإحلال الطوائف الشيعية الوافدة للقتال إلى جانب الأسد، بعد أن صرح بشار الأسد أن سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها ولكن لمن يدافع عنها، ويعني طبعا من يدافع عنه وعن عرشه.


بيد أن أهل السنة لا يخلطون بين إيران ذات المشروع الفارسي المُحمّل على رأس طائفي، وبين الشيعة كطائفة، ويعلمون جيدا أن شيعة العرب تم التغرير بهم وخداعهم بالنظرية التي اخترعها الخميني أو بالأحرى أحياها من بطون كتب الشيعة القديمة، وأعني نظرية ولاية الفقيه، والتي استطاع بها أن يوجه ولاء الشيعة في كل مكان إلى العمائم في طهران.


إن اصطفاف جميع المنتسبين إلى الإسلام في وجه أعداء الأمة لا يستلزم تمييع المناهج وتسطيح الخلاف السني الشيعي، ففرق بين التلاقي والتخندق للدفاع عن الأمة، وبين الانصهار الذي يعتم على ملامح المنهج الحق.


مع تحيات التعبوية الشعبوية حسب وصف بعض النُخب العربية التي تستخدم مصطلحات غير مفهومة لها مترادفات مفهومة ليُقال عنهم نُخب لا يستطيع الإنسان العادي أن يستوعب عبقريتهم:

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

 

 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5