عن وحيد حامد وحاتم علي

باسل الحسن

2021.01.04 - 09:39
Facebook Share
طباعة

 
حاتم علي ووحيد حامد. اسمان ابداعيان رحلا عنا ، بفاصل أيام قليلة. تابعت للأول، مطلع هذه الألفية، "ربيع قرطبة" ، حين أتقن إبراز مواهب "المنصور ابن أبي عامر" في الدهاء والخطابة، وحكى لنا بأسلوب جميل تحوله من حاجب للخليفة الأموي الاندلسيِ إلى حاجب لها، وكانت هذه مساهمة جيدة في معالجة إحدى أكبر إشكالية مكررة في تواريخ الخلفاء والسلاطين، تلك الإشكالية التي حاول هارون الرشيد اجتنابها في "نكبة البرامكة" التي طالت وزراء الدولة العباسية منذ قتل أبي مسلم الخراساني بتدبير من أبو جعفر المنصور ،وقتل معظم الأقربين من الخلفاء العباسيين فيما بعد، ثم عاد ووقعت تحتها الخلافة العباسية بعد المتوكل، إشكالية خسارة الخليفة للسلطة الفعلية لصاحب الإمرة الفعلي، قائد العسكر أو البطانة والحاشية أو الوزير أو الملك الموازي أو السلطان، والتي عادت وتكررت بعد انبعاث الخلافة الأموية في الأندلس، وحلول الخلافة الفاطمية على مصر، ثم تكررت في التاريخ العثماني مع السلاطين أنفسهم، في الفترة التي أشير لها بأنهم وضعوا في "قفص" لصالح الصدارة العظمى، أو لصالح أمهاتهم (الوالدة سلطان كوالدة سلطانة بالوصاية) ومراكز القوى في السراي (الجواري والخصيان) وعلى اعتابها (قادة الجند)، قبل أن يستعيد سلاطين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أبهتهم وصدارتهم، في أعقاب انطفاء عصر الخزامى، وأكثر فأكثر في الطريق إلى عصر التنظيمات، ثم في العهد الحميدي..
في نفس الوقت، هذه الإشكالية غذّت عندي السؤال المعكوس: وعلام تكون خسارة الرأس الأول مركز السلطة لمن يفترض أنه مساعده مسألة نبكي عليها ونتحفظ؟
ما الذي قدمّ هشام المؤيد بالله قياسا على ابن عامر؟ ناهيك عن المقايسة اذا حدثتنا نفسنا بين الوزير السلجوقي نظام الملك وبين السلطانين السلجوقيين ألب أرسلان وملك شاه، هذا والسلطانان لم يخسرا سلطتهما لنظام الملك والأرجح أن ملكشاه تخلص منه لا النزاريين.
نفس الشيء بالنسبة للعباسيين من قبل والعثمانيين من بعد. قام نوع من التأريخ السيء لهذه السلالات يقوم على اعتبار خسارة رأسها للملك انحطاط للمملكة نفسها. وهذا ما يسيطر الى حد كبير على التصورات عن الانحطاط، فيجري اعتبار أن الدولة العباسية بعد ضعف خلفاء بني العباس دخلت طور الإنحطاط، فيما هي أزهى عصورها عندما كان الخلفاء في قفص البويهيين، اخصامهم في المذهب، او السلاجقة، الذين يستمدون شرعيتهم من الدفاع عن الخلافة، ويمسكون بالخليفة في آن معا". ذات الشيء بالنسبة للتاريخ العثماني، ليس معنى أن السلاطين أخذوا يضعفون في مجتمع بلاطهم يعني أن الدولة انحطت نتيجة لذلك، بل العكس، اكتسبت استقلالية بيروقراطية عن رأسها الأعلى.
وهو الأمر نفسه بالنسبة لفكرة الانحطاط بعامة، إذ ما تزال تسيطر النظرة المغلوطة بأن عصر الانحطاط يقاس بضعف الخليفة نفسه.
وحاتم علي في ربيع قرطبة، على الرغم من إبداعه دراما تاريخية ممتعة ومتانة وجودة السبك إلا أنها كررت هذه النظرة: ربط خسارة الأندلس بخسارة الخليفة لسلطانه أمام ابن ابي عامر (تيم حسن) ثم اعتداد ابن أبي عامر بالرأي واستبداده.
هل إن مهمة ووظيفة الدراما التاريخية أن تنجز ما تعثر أمامه المؤرخون العرب؟ ليس بالضرورة .،لكن على الأقل ينبغي اغتنامها فرصة، من خلال دور الدراما في إشاعة هذه النظرة والتدليل عليها..
أما وحيد حامد فهو يعيش على ألسنتنا منذ سنين طويلة. أعني مجموع الحوارات التي يحتفظ بها كل لسان من الأعمال التي كتبها، .حلت من خلاله معاني ومصطلحات "الفتوة" و"الهلفوت" و"الراقصة والإرهاب" ونسخته من الاقتباس المصري لفيلم "جريمة مزرعة الماعز" و"عمارة يعقوبيان" و"البريء " مع الراحل المبدع أحمد زكي ،،،، وأشياء كثيرة بينها أحد أعماله الأخيرة مسلسل "الجماعة" الذي تناول فيه انتماء جمال عبد الناصر للأخوان المسلمين مستندا فيه الى مذكرات عبد اللطيف بغدادي ، وحسين حمودة ،وكمال الدين حسين ،ووحيد رمضان  وهو يحكي الفترة الممتدة من عام 1944 (العام الذي ولد فيه وحيد حامد) وحتى العام 1948 ،وربما هنا يؤخد عليه أنه تناول الاشارة الى هذه المسألة في معرض "الإتهام" الوجيز ، بالرغم من دقة التوصيف التاريخي وتفاصيله الكثيرة والمدونة في مذكرات أخرى كمذكرات عبد المنعم رؤوف ومحاضر الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الأخوان المسلمين ،حين كانت الفكرة الالتقاء على التخلص من النظام الملكي ،وكان اللقاء على عدد محدود من الأهداف ،ولم يمنع ذلك من ودود انتماءات سياسية متباينة ،ووقائع أخرى التي لم يأت على ذكرها في مسلسله .
لوحيد حامد ولحاتم علي كل التقدير على عطائهما، مع احتساب اختلاف الجيلين والتجربتين والمهنتين، ودور الموت المشترك في طي صفحة وفتح صفحة أخرى..
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5