كتبت احسان الفقيه: أردوغان والسيسي.. لماذا لا يلتقيان؟

2020.12.26 - 09:11
Facebook Share
طباعة

 الإمام القرطبي: «الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا، لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص، لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاصَ كلِ نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها». وقد بنى القرطبي كلامه على الحديث النبوي (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منهما ائتلف، وما تناكر منها اختلف».

يتجه الأفراد غالبا في بناء علاقاتهم مع الآخرين على قاعدة التعارف والتناكر، أما الدول والأنظمة، فإنها تتحرك وفق قانون المصلحة، الذي قد يتحول بموجبه الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق، كما قال تشرشل: في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة.

العلاقة بين أردوغان والسيسي مشوبة بالغموض، لأنها تبدو للمتابع وكأنها بعيدة عن قانون المصالح، وتبدو له كذلك وكأن لها تعلّقا بقانون التعارف والتناكر.


سيكون من الخطأ أن نعزو تلك العلاقة لخلافات شخصية، لأن الدول لا تدار بهذه الطريقة، كما أنه سيكون من الخطأ، القول بأن اختلاف الأيديولوجيات بينهما هو الدافع، فأردوغان أقام علاقات جيدة مع مصر في عهد مبارك، وزار الأخير تركيا عدة مرات، وعمل الاثنان على توقيع اتفاقية تجارية، ظلت سارية حتى بعد الانقلاب العسكري في 2013. ومن الخطأ كذلك القول بأن هذا الشقاق مصدره أردوغان وحده، أو الظن بأن السيسي لديه استعداد للتطبيع مع تركيا، في حال تسليمها بعض المعارضين، أو الاعتراف حتى بشرعية نظام السيسي، فالأمر أعمق وأوسع من ذلك، لذا كان من دواعي ترتيب الأفكار أن نركز في هذه السطور على دوافع كلّ من أردوغان والسيسي لهذه العلاقة العدائية، وعدم الاتجاه إلى طيّ صفحات الماضي، وإقامة علاقات طبيعية، ومن ثم نتعرف على سبب عدم التلاقي بينهما.


*دوافع أردوغان: لا شك في أن النظام التركي يحتاج إلى مصر، باعتبارها مكونا أساسيا قويا في البيت العربي والعالم الإسلامي، انطلاقا من توجهات النظام، التي تعتمد على جعْل العالم العربي مجالا حيويا لتركيا، ولذلك عمل أردوغان بعد ثورة يناير على إقامة تحالف استراتيجي متكامل مع مصر، لتوَافُرِ الأرضية التي تسمح بذلك، خاصة بعد أن تولى الدكتور محمد مرسي الرئاسة. موقف أردوغان تجاه السيسي له عدة أبعاد، منها بُعدٌ يتعلق بالمبادئ، حيث أن التلاقي مع رئيس انقلابي قتل أبناء شعبه وقمَعَهم على الهوية، يعد جريمة في حد ذاته، وانتهاكا لما تحدثنا عنه في مقالة سابقة، من كوْن النظام التركي لا يغفل المبادئ في سياساته. وبُعدٌ ثان، وهو أن السيسي يمثل القوة المضادة لرياح التغيير التي انطلقت في العالم العربي، ممثلة في ثورات الربيع، التي تجمعها الوجهة الموحدة نحو نظام ديمقراطي، تستفيد منه تركيا في إقامة تحالفات قوية في المنطقة، تعادل بها القوى والتكتلات الغربية، ومن ثم انقطع أمام أردوغان السبيل في إقامة علاقات طبيعية مع السيسي، أو الاعتراف بشرعيته. أما البعد الثالث، فيتعلق بالشأن الداخلي التركي، حيث أن أردوغان وفريقه أعادوا الجيش إلى ثكناته بعيدا عن السياسة، وتخلصت الدولة من كابوس الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها العسكر حفاظا على المبادئ العلمانية التي وضعها أتاتورك، ومن ثم لم يكن لأردوغان أن يقيم علاقات طبيعية مع رجل عسكري جاء إلى السلطة بانقلاب على الشرعية، أو يعترف بشرعيته، فرفضه السلطة الانقلابية ضروري للحفاظ على الصورة الداخلية التي انتهت عندها عهود الانقلابات، وتدخل الجيش في القرار السياسي.


وتجدر الإشارة إلى أن القيادة التركية توازن بين اتخاذ موقف من السلطة الانقلابية للدوافع التي ذكرناها، والتعامل مع دولة وشعب، فما زالت هناك علاقات تجارية بين البلدين، وتبدي تركيا استعدادها لمد خطوط للتفاهمات في الدوائر الاستخباراتية، وهذا ما صرح به أردوغان، وعبر عنه ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي بقوله: «وجود بعض الخلافات مع مصر لا يعني انقطاع التواصل، أو غياب التفاهم، أو انعدام المكاسب المشتركة بين الدولتين في بعض المجالات».


*دوافع السيسي: لا أرى أن تحسّن علاقة السيسي بأردوغان، مرهونة باعتراف الأخير به رئيسا شرعيا، لأن زعيم الانقلاب في مصر لا يملك قراره، فهناك أمران رئيسيان يحكمان السيسي في سياساته الإقليمية، وإن كانا متشابكيْن:

الأمر الأول: هو قيامه بدور الوكيل الإماراتي والتحرك بالنيابة عن محمد بن زايد في التعامل مع ملفات المنطقة الشائكة التي يواجه فيها تركيا، كملف الإسلام السياسي، الذي يؤرق مضاجع الأسر والعائلات الحاكمة، المتوجسة من حكم يعتمد على تداول السلطة، فيقوم السيسي بملاحقة التيار محليا ودوليا، ويناصب تركيا العداء لاستضافتها الكثير من الإسلاميين الهاربين. وكذلك ملف غاز المتوسط، الذي تتقارب فيه مصر مع اليونان ضد تركيا، مع أن الاتفاق مع اليونانيين يضر بمصالح مصر لا ينفعها، ولكن هذا ما ترغب فيه الإمارات التي تحاول التصدي لمد نفوذ تركيا، مع أنها تتحرك دائما بغطاء شرعي، فالحاصل أن السيسي يمثل عصا إماراتية لمواجهة الأتراك، في مقابل حصوله على الدعم الإعلامي والتمويل من الإمارات، بما يثبت أركان نظامه ويمنع سقوطه.


الأمر الثاني: هو كون السيسي أحد أهم الأعمدة التي ترتكز عليها أمريكا والكيان الإسرائيلي في المنطقة في إنفاذ صفقة القرن، وحماية الأمن القومي الإسرائيلي، وهذا هو أكبر ضامن للسيسي من استمراره في منصبه، رغم فشله الإداري وتبنيه سياسة قمعية إقصائية، سوّدت ملفه الحقوقي، ومن هذا ينطلق السيسي في سياساته العدائية تجاه النظام التركي، الذي ينتهج سياسات متوازنة، تجنبه الوقوع في عزلة دولية، وفي الوقت نفسه ينأى عن التبعية للقوى العالمية، خاصة البيت الأبيض الذي تدار منه الصفقة المشؤومة، مع الأخذ في الحسبان أن استقلالية القرار التركي، تتيح للنظام دعم القضية الفلسطينية والتشويش على التطبيع مع الكيان الصهيوني.


هناك إرهاصات لتغيرات سياسية في المنطقة مع فوز بايدن برئاسة البيت الأبيض، وأعني خطوات التقارب النوعية، التي اتخذتها السعودية تجاه تركيا، أو تفاهماتها حول إنهاء الحصار على قطر، نتيجة قلق سعودي من اعتزام بايدن إعادة تقييم علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية، وما تبعه من حرص ولي العهد السعودي على محاولة تصفية النزاعات، لتحسين وجه السعودية أمام بايدن

وفي هذه الحالة، قد نشهد تفككا نوعيا في معسكر القوى العربية المناوئة لتركيا، وفي تقديري الشخصي سيظل السيسي متخندقا مع الممول الإماراتي، الذي لا يعاني من أزمات مع الولايات المتحدة كحال السعودية، لذلك سيبقى زعيم الانقلاب يتعامل مع تركيا بدفة إماراتية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 9