" حين يفتك المرض بالنفس"... 4 مليون سوري بحاجة للاستشفاء من الأمراض النفسية

وكالة أنباء آسيا – نور ملحم

2020.12.21 - 07:55
Facebook Share
طباعة

 70% من حالات الاكتئاب غير مشخصة ولا تخضع للعلاج

على عكس ما كان شائعًا قبل الحرب السورية، من حيث التحفظ على زيارة الأخصائيين النفسيين وعدم تقبل الناس للاعتراف بإصابتهم بأي عارض نفسي، أصبحت المجاهرة بهذا الأمر حالة شائعة ومنتشرة بين السوريين بحسب ما أكده يوشع داود مدرس لغة موسيقى في دمشق

يوشع من بين ملايين السوريين الذين ترددوا للطبيب النفسي بعد قتل زوجته وطفليه في أحداث عدرا يقول الأربعيني لوكالة أنباء آسيا، إضافة لآثار الحرب التي كانت مؤلمة على الشعب السوري بشكل كامل خصوصًا لمن بقي "حيًا" داخل البلاد أصبح لدينا الضغوطات الكبيرة التي نعاني منها بشكل يوميًا والتي تضعنا بين خانة " الاكتئاب "

رغم مرور سنين على تلك الحادثة لكنَّ يوشع لا يزال يعاني من القلق والخوف بشكل مستمر، تصف أخته سلمى قائلة لوكالة أنباء آسيا جروح النفس كانت أقسى وأشد، "فمنذ ذلك اليوم أصيب أخي بانهيار عصبي، وأمراض وضغوطات نفسية، أثَّرت على حياته بشكل سلبي، لايزال ذلك المشهد عالقاً في ذاكرته، يأبى أن يفارقه، يستيقظ من نومه، ويصرخ منادياً أطفاله الذين فارقوا الحياة.

تعصف الأمراض النفسية والعقلية بالسوريين منذ أن حلّت الحرب في ديارهم، دون أن تَسلم منها أي فئة عمرية، ويزيد في معاناة من أصيبوا بها بقائهم دون علاج، بسبب نقص الإمكانات العلاجية والكوادر المختصّة، وتتجلى تلك الأمراض والاضطرابات على صورة خوف أو قلقٍ دائم أو صدمة نفسية أو اكتئاب أو شعور بالعجز.

4 مليون يحتاج لعلاج ...

وتشير مديرية الصحة النفسية في وزارة الصحة في تقريرها الصادر والذي أطلعت وكالة أنباء آسيا عليه وجود أكثر من 4 مليون شخص يحتاجون للاستشفاء من الأمراض النفسية الشديدة ومتوسطة الشدة في سورية نتيجة الحرب 40% منهم يعانون اضطرابات القلق بأشكالها المختلفة (مخاوف مرضية، وساوس، وهن نفسي، قلق عصابي، اضطرابات جسمية المظهر) و18% يعانون الاكتئاب و42% يعانون متلازمات وأعراضاً نفسية متنوعة

بالمقابل يوجد في سورية حاليًا 90 طبيبًا أخصائيًا نفسيًا فقط بالمقابل يوجد أكثر من 500 طبيب خارج سورية

وبحسب التقرير فأن هذا العدد لا يغطي 10% من حاجة المصابين، وقدّرت مديرية الصحة حاجتها إلى 2000 طبيب نفسي لتغطية الحاجة المتزايدة خلال العام الراهن بالمقابل يوجد في سورية عمومًا 3 مشافي للأمراض النفسية: الأول مشفى ابن خلدون في حلب ويتسع لنحو 300 مريض، وقد تمت إعادة تأهيله عام 2015 بعد تعرضه للقصف والتخريب، والثاني هو مشفى ابن سينا، ويستوعب 400 مريض إضافة إلى مشفى ابن رشد وهو الأصغر، ويتسع لنحو 50 مريضًا. لكن هذه المشافي -على اختلاف إمكاناتها-لا تستطيع أن تغطي العدد الكبير من المرضى النفسيين الذين يتزايد عددهم تزايدًا كبيرًا

الضغوطات اليومية ...

العديد من الأعراض النفسية العامة التي تشيع في المجتمع هي أيضاً وليدة الضغوطات النفسية التي يعاني منها جميع السوريين، تقول الدكتورة أمينة الحج اختصاص علم النفس مدرسة في جامعة دمشق مشيرة في تصريحها لوكالة أنباء آسيا،" بتنا والكثير ممن حولنا نتخبط في اتخاذ قرارات كانت بسيطة وواضحة في وقت سابق، كأن نقع في الحيرة بين أن نسافر أو نبقى في الوطن، وبين أن ننتقل لممارسة عمل آخر أو نستمر بعملنا، وبين أن نتزوج أو لا نتزوج على الإطلاق، كما يعاني اليوم الكثير من الشباب السوري من مشاكل دراسية أو عاطفية أو عائلية ويجدون أنفسهم عاجزين عن حلها، تفسير هذا أن أدمغتنا بحاجة الى مدة كافية لتتكيف مع الظروف المتذبذبة، وتختلف هذه المدة من إنسان إلى آخر، خلال هذه المدة يعاني التفكير الواعي في أدمغتنا من عبء ليتكيف مع هذه الظروف، ويكون هذا العبء مسؤولاً عن انخفاض قدراتنا العقلية، كقدرتنا على إيجاد الحلول لمشاكلنا، وقدرتنا على اتخاذ القرار، وبالتالي مصائرنا كأفراد».

إضافة إلى أن المشكلة تكمن في قلة المشافي أو الأطباء الذين يقدمون الرعاية للمرضى”. مبينة أنه في الوقت نفسه العلاج لا يقتصر على توافر الأطباء والأدوية فحسب، فثمة جزء يتعلق بالجانب الاجتماعي، لتكتمل رحلة العلاج بصورة سليمة وناجحة بحسب وصف الدكتورة الحج.

بيع الأدوية عشوائياً ...

وفي سياق متصل يؤكد الطبيب النفسي نبيل الصافي انتشار كبير لظاهرة بيع الأدوية النفسية والمنوّمات، بشكل عشوائي، ما يهدد بازدياد وتفاقم مشكلة الإدمان التي لم تكن ترتقي في السابق إلى وصفها بمشكلة شائعة.

ويشير الطبيب الصافي في تصريحه لآسيا إلى أن حوالي 70% من حالات الاكتئاب هي حالات غير مشخصة ولا تراجع الطبيب، وتتعدد الأسباب بين عدم إدراك المريض لحالته وعدم وعيه لأهمية مراجعة الطبيب، فضلاً عن القيود الاجتماعية والفقر.

لافتاً إلى إن الأطفال والمراهقين يُعدون الفئة العمرية الأكثر عرضة للتأثر بسبب الأحداث الضاغطة وظروف الأزمة في سورية، فقد تسببت مشاهدة العنف ومعايشة الضغوط النفسية يومياً بحدوث مشكلات سلوكية ونفسية متنوعة مثل: المخاوف، والقلق، واضطرابات الشدّة بعد الصدمة النفسيّة، وصعوبة المزاج، وضعف التحصيل، وصعوبات التعلم، واضطرابات النوم، والذاكرة، إضافة إلى أعراض ذهنية واضطرابات في الشخصية قد تستمر طوال العمر إذا لم تلق العناية اللازمة، تحديداً مع بروز ظاهرة التسويف أو المماطلة.

وذكر أن مفهوم الصحة النفسية في أسوأ حالاته حاليًا، وقال: إن “أغلب الخدمات تُقدم من خلال المنظمات الدولية، وقد بذلت جهودًا كبيرة في هذا المجال.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7