كتب الفضل شلق: العقل البشري بين البقاء والدمار في ظل الرأسمالية

2020.12.18 - 11:35
Facebook Share
طباعة

 العقل الثوري يعتقد أن الثورة تحدث بتخطيط بشري مسبق. هذا مناف للتاريخ. الثورة تحدث وحسب. ينفجر المجتمع تحت وطأة تراكم تطورات صارت تتناقض مع أسباب وجود النظام. ليست أسباب بقاء أي نظام إلا استمرار الوجود البشري. يتناقض النظام الاجتماعي مع نفسه عندما يصير تطوره منافياً للوجود البشري. مع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومنها السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي، الخ…، أصبح الخطر على الوجود البشري شاملاً. التطوّر البشري صار خطراً على نفسه. ما يهدد البشرية، ما يهدد بقاءها، هو ما يهدد تطورها. لا يجوز اعتبار الفاشية والنازية والأصولية الدينية إلا من جملة أسلحة الدمار الشامل. وُجِدَ الدين كي لا يكون أصولياً. كل أصولية مسمار في نعش النظام الاجتماعي، بل في نعش الوجود البشري.

أن يكون المال ذروة التطوّر الاجتماعي، وأن يصير هدفاً بحد ذاته، وأن يصير الوجود ذا تقييم يستند الى المال، وأن يصير الوجود البشري فاقد المعنى والصيرورة دون المال، وأن يصير المال أساساً وهدفاً للوجود البشري، كل ذلك معناه أن القيمة لم تعد في الوجود، بل هي في أمر خارجه. القيم لم تعد انسانية، بل فوق انسانية، مالية وإلهية. المأل كأنه إله جديد. يعلو على الوجود البشري. ولا يكون وسيلة لبقاء واستمرار هذا الوجود. ما عاد المال وسيلة، صار غاية. ما عاد يخضع لضرورات الوجود البشري. صار هذا الوجود يخضع لضرورات المال وتراكم الثروة. لم يعد المال هدفاً لنفسه وحسب؛ وكان وسيلة، صار هدفا بذاته ولذاته؛ هدفاً ووسيلة خارج الوجود البشري. خارج الاقتصاد والإنتاج والتبادل. المال يولّد المال. يعني أن المال وجود مستقل بذاته. من له يُعطى ويُزاد. تتراكم ثروات الأغنياء: حتى في أيام الكورونا؛ ثروات عدد أشخاص يعدون على الأصابع في العالم توازي ما يملكه كل البشر الآخرون. الهوة في المداخيل وفي تراكم الثروات بين من “له” ومن “ليس له” بلغت حداً غير مسبوق. لم يعد المال وسيلة تبادل أو تخزين وحسب، بل صار وسيلة إفقار للكثرة الغالبة من البشرية. مهما علت أسعار الحاجيات فإنها ستؤثر سلباً على القدرة الشرائية لدى ذوي الدخل المحدود. أثرها على أصل الثروات سيكون محدوداً، أو يمكن تجاهله.  التضخّم وازدياد الثروات وتفاقم الهوة في المداخيل أمر له وجه آخر، وهو إفقار متعمّد لبقية البشرية. للفقر وجود منذ القديم. تعاقب أنماط الإنتاج والتبادل كان مصحوباً دائماً بشكل جديد من الإفقار، القائم أصلاً على اقتطاع القيمة الزائدة، الفائض الاقتصادي، أو نتاج العاملين بما يفوق ضرورات البقاء. كان على الطبقات الدنيا أن تبقى كي تستهلك. تتقاضى الحد الأدنى من الأجور في العمل الصناعي، أو حصة من المحصول الزراعي كي تبقى وكي تتناسل. بقاء ضروري لكل من أنظمة الإنتاج المتعاقبة، لأن الإنتاج يعتمد على بقاء البشر، وما تنتجه هو ضرورات عيشها مضافاً إليها ما يقتطعه أبناء الطبقة العليا، الذين يستولون على القيمة الفائضة بالعنف والقسر. كانت مهمة الدولة هي دعم الطبقة العليا في الاستيلاء على ما ينتجه الآخرون؛ الآخرون هم من صناع وفلاحين. هم الذين ينتجون كل الثروات لكن حصتهم منها كانت هي ما يقرب من حد الفقر. ما يفوق ذلك يُقتطع بالقوة لصالح أسياد الأرض وأسياد النظام الاقتصادي. في النظام الرأسمالي يُسمى ما يتقاضاه العامل أجراً. ويسمى العامل حراً. هو حر في أن يعمل أو لا يعمل. إذا قبل العمل، فما يتقاضاه ليس قيمة عمله بل قيمة ما يستهلكه كي يبقى على قيد الحياة. ويُقال أن العامل حر في الاختيار بين أن يعمل أو لا يعمل. ذلك وهم لأن الخيار بين البقاء والفناء ليس حرية. ليس عدلاً مبادلة الأجر بما ينتجه العامل. العامل ينتج كل شيء. ينتج القيمة. ما يتقاضاه لقاء العمل أقل من القيمة. الفرق بين القيمة الفعلية والأجر هو الفائض، فائض القيمة، أي ما يزيد على ضرورات بقاء العامل. وذلك ليس مقايضة بين قيم متساوية، بين العمل والأجر. المقايضة بين قيم متساوية لم توجد عبر التاريخ وفي كل التشكيلات الاجتماعية المتعاقبة. حتى التجار في الأنظمة القديمة، لم يقايضوا في أي تبادل قيماً متساوية بين ما يشترون وما يبيعون، وإلا لما كانت هناك أرباح. افترض منظرو الرأسمالية نظام المقايضة القديم. افترضوا وجوده قديماً لإدخاله في النظام الرأسمالي للوصول الى اعتبار أن المقايضة بين الأجر والعمل أمر طبيعي. الحقيقة هي أن المقايضة بين قيم متساوية لم يكن موجوداً في أي نظام اجتماعي عبر التاريخ. المقايضة العادلة حقيقية افتراضية لتبرير عدم مساواة حقيقية؛ وانعدام العدالة مطلقاً.

النظام الرأسمالي حتى في الصناعة والزراعة هو نظام ريعي. أرباح الصناعة والزراعة نوع من الريّع مثل الفائدة، أو اقتطاعات أسياد الأرض في نظام الاقتطاع والفيدرالية. الربح والفائدة ريع. النظام الرأسمالي كله قائم على الريع. الاحتجاج على النظام الاجتماعي في لبنان مثلا، على أنه ريعي، يجب أن يكون احتجاجاً على كل النظام الرأسمالي. كل الثروات في هذا النظام ريعية. معنى ذلك أنها لا تنتج عن عمل أصحاب المؤسسات العمل الاقتصادي بل عن عمل العاملين فيها. ما يقتطعه أصحابها هو ريع تحت مسمى الربح.  ينطبق الأمر على الفائدة كذلك.

يتسارع تنامي الثروات لدى القلة من البشرية، التي تقل عن واحد بالمئة من السكان حول العالم. في نفس الوقت تتسارع البطالة بسبب الكورونا، ولكن أيضاً بسبب تناقضات الرأسمالية الداخلية، إذ أن الحاجة الى العمل اليدوي تتناقض مع ازدياد واستخدام الروبوت. مع البطالة يخف مستوى الاستهلاك رغم ازدياد الإنتاج. الرأسمالية تنتج لغيرها من الطبقات. هي تستهلك القليل من الإنتاج، سوى ما يتعلّق بالمواد التي تحتاجها الرفاهية المفرطة. تنحدر الطبقة الوسطى الى ما يوازي البروليتاريا. وتنحدر البروليتاريا الى ما يوازي البروليتاريا الرثة. الجميع تقريباً يقتربون من خط الفقر. يزداد الفقر. يحتاج النظام الى توزيع مواد عينية، بما في ذلك أكواب الحساء للذين ليس لديهم ما يقتاتون به. يأتي الوباء ليفاقم المشكلة الموجودة أصلاً، التي هي في صلب التناقض الرئيسي الداخلي للرأسمالية. هؤلاء الفقراء مهددون دائما بالموت جوعاً. سوف تعم المجاعات بالتأكيد. وسوف تهب أذرع النظام للمساعدة “بالإحسان”، وسوف يصفق الناس للأعمال الانسانية؛ وسوف ينال المحسنون الكبار جوائز نوبل. وهم ذاتهم الذين أنتجوا الفقر. لا يحصل الفقر من تلقاء نفسه. الفقر تنتجه الرأسمالية.

نحن نشهد تهديدا لمصير البشرية بفعل تناقضات النظام الرأسمالي (يُسمى عادة أزمات النظام)، وهو بمثابة سلاح دمار شامل. يضاف الى ذلك التهديد لمصير البشرية عن طريق تدمير الطبيعة وحيازة السلاح النووي، حتى ولو كان تدليساً لأغراض سلمية. لا يمكن تصنيف تدمير الطبيعة والسلاح النووي إلا كاحتمالات حروب الإبادة ضد البشرية. على كل حال الحروب الأهلية الناتجة عن هذا النظام كفيلة باستجلاب التدمير. الخطر قائم ولا بد من أخذه بالاعتبار. ما هو محتمل الآن يصير واقعاً في مستقبل ليس بالبعيد.

تدمير الطبيعة هو أيضاً سلاح دمار شامل. يفعلونه من أجل الربح (الريع)، لكنه أيضاً في صلب النظام الرأسمالي. انبعاث الغازات المضرة، وأحياناً السامة، يتزايد ويكاد يقضي على إمكانات العيش على الكرة الأرضية. إذا كان تدمير الطبيعة خطراً غير مباشر، فإن السلاح النووي وزمرة الأسلحة المشابهة لناحية الدمار الشامل، هي أخطار مباشرة. هل هي صدفة أن تنتشر الأسلحة النووية في بلدان ذات حدود مشتركة، ونزاعات على الحدود في الوقت ذاته؟

تكاثرت أسلحة الدمار الشامل على الكرة الأرضية. الرأسمال المالي، تدمير البيئة، والتغيير المناخي، الأسلحة النووية، الأسلحة البيولوجية والكيماوية، والآلة الذكية، والوباء الجارف، الخ… جاء الوباء ليؤجج تناقضات وصراعات داخل الرأسمالية؛ تناقضات بين الطبقات، وتناقضات بين الشعوب. تناقضات بين النظام العالمي والجماعات السكانية. تكاثرها وصل الى حد يعني أن الخطر داهم. ليس ضد شعب أو منطقة وحسب، بل ضد العالم بسكانه أجمعين. الخطر هو خطر بقاء الجنس البشري. سلاح الدمار الشامل يحمل معناه داخله. هو يعني البشر برمتهم. هو لا يعني فقط خطر حضارة ما على نفسها عندما تبلغ الحد الأقصى من التوسّع والتقدّم، بل الخطر على البشرية كلها، وقد وصلت درجة التوسّع والتقدم وتفاقم الفقر الى الذروة. هي ليست مسألة نظام اجتماعي-اقتصادي في منطقة من العالم. هي مسألة نظام اجتماعي اقتصادي تحكمه سياسة لا تبالي إلا بالربح. نظام ريعي لا يعنيه إلا تراكم الثروات في أيدي طبقة عالمية تشكل نزراً يسيراً من البشر (أقل من 1%)، وهو في الأساس صراع طبقي. لم يعد صراع من أجل رفع الأجور وتحسين شروط الحياة والتناسل. هو صراع بين البشرية وبين نظامها الذي يحكمه رأس المال المالي. هو صراع من أجل البقاء؛ بقاء البشرية. مع زوال الطبقة الوسطى التي كانت تُرمى إليها حصة من مكاسب النظام قبل أن تتلاشى وتنضم الى صفوف الطبقات الأدنى. ما كان يصح على شعار “يا عمال العالم اتحدوا”، صار بفعل تطوّر العولمة “يا بشر العالم اتحدوا”.

لن يتحد البشر في وقت تزرع فيهم الراسمالية المالية بذور الفتنة: صراعات القوميات والدول والإثنيات داخل كل دولة. صراع فاشيات منتشرة حول العالم. الحرب العالمية الأخيرة لن تكون بين بورجوازيات، تنتصر بعضها على بعض؛ حيث يبقى النظام العالمي ويعاد بعدها الإعمار. ويكون مشروع مارشال نموذجاً لذلك. هذه ستكون حرب إبادة، لسبب واضح هو أن السلاح المزمع استخدامه، أو الذي يستخدم حالياً، تتعدد فيه أسلحة الدمار الشامل، ومنها السلاح النووي، الذي سبق واستخدم في اليابان، والذي كاد أن يستخدم في كوبا، والذي يمكن أن يستخدم في حال شعرت الطبقة العليا بالخطر. إفقار معظم البشرية يقابله امتلاك الطبقة العالمية العليا سلاح تدمير هذه الكثرة الغالبة من البشرية، التي إذا ناضلت، وهي تناضل، ضد النظام سوف تلقى عقابها.

الصراع كما يبدو هو في الظاهر صراع أديان وأصوليات وفاشيات وقيم ثقافية مختلفة. لكنه في الأساس صراع طبقي؛ بين طبقة معظم البشرية ونظامها. صراع البشر ضد نظامهم الذي يهددهم بحروب الإبادة. كل الصراعات الأخرى الإقليمية والحروب الأهلية مظاهر لهذا الصراع الأساسي: الطبقي. حتى الوباء الجارف هو نتيجة لهذا النظام. سوف تتسابق الدول لأجل اللقاح والدواء. لكن الأكثر حظاً في تلقيهما هم الأكثر ثروة؛ أرباب النظام.

طبيعي أن يدافع الناس عن ثقافاتهم ولغاتهم وما يسمى تراثهم. لكن الضروري أكثر هو دفاع البشرية المتحدة من أجل البقاء ضد نظام دمارها الشامل. الوباء شامل بأمميته، والسلاح شامل بأممية دماره، والرأسمال المالي شامل بأممية دماره. وكلها احتمالات لنهاية واحدة.

وأحياناً السامة، يتزايد ويكاد يقضي على إمكانات العيش على الكرة الأرضية. إذا كان تدمير الطبيعة خطراً غير مباشر، فإن السلاح النووي وزمرة الأسلحة المشابهة لناحية الدمار الشامل، هي أخطار مباشرة. هل هي صدفة أن تنتشر الأسلحة النووية في بلدان ذات حدود مشتركة، ونزاعات على الحدود في الوقت ذاته؟

تكاثرت أسلحة الدمار الشامل على الكرة الأرضية. الرأسمال المالي، تدمير البيئة، والتغيير المناخي، الأسلحة النووية، الأسلحة البيولوجية والكيماوية، والآلة الذكية، والوباء الجارف، الخ… جاء الوباء ليؤجج تناقضات وصراعات داخل الرأسمالية؛ تناقضات بين الطبقات، وتناقضات بين الشعوب. تناقضات بين النظام العالمي والجماعات السكانية. تكاثرها وصل الى حد يعني أن الخطر داهم. ليس ضد شعب أو منطقة وحسب، بل ضد العالم بسكانه أجمعين. الخطر هو خطر بقاء الجنس البشري. سلاح الدمار الشامل يحمل معناه داخله. هو يعني البشر برمتهم. هو لا يعني فقط خطر حضارة ما على نفسها عندما تبلغ الحد الأقصى من التوسّع والتقدّم، بل الخطر على البشرية كلها، وقد وصلت درجة التوسّع والتقدم وتفاقم الفقر الى الذروة. هي ليست مسألة نظام اجتماعي-اقتصادي في منطقة من العالم. هي مسألة نظام اجتماعي اقتصادي تحكمه سياسة لا تبالي إلا بالربح. نظام ريعي لا يعنيه إلا تراكم الثروات في أيدي طبقة عالمية تشكل نزراً يسيراً من البشر (أقل من 1%)، وهو في الأساس صراع طبقي. لم يعد صراع من أجل رفع الأجور وتحسين شروط الحياة والتناسل. هو صراع بين البشرية وبين نظامها الذي يحكمه رأس المال المالي. هو صراع من أجل البقاء؛ بقاء البشرية. مع زوال الطبقة الوسطى التي كانت تُرمى إليها حصة من مكاسب النظام قبل أن تتلاشى وتنضم الى صفوف الطبقات الأدنى. ما كان يصح على شعار “يا عمال العالم اتحدوا”، صار بفعل تطوّر العولمة “يا بشر العالم اتحدوا”.

لن يتحد البشر في وقت تزرع فيهم الراسمالية المالية بذور الفتنة: صراعات القوميات والدول والإثنيات داخل كل دولة. صراع فاشيات منتشرة حول العالم. الحرب العالمية الأخيرة لن تكون بين بورجوازيات، تنتصر بعضها على بعض؛ حيث يبقى النظام العالمي ويعاد بعدها الإعمار. ويكون مشروع مارشال نموذجاً لذلك. هذه ستكون حرب إبادة، لسبب واضح هو أن السلاح المزمع استخدامه، أو الذي يستخدم حالياً، تتعدد فيه أسلحة الدمار الشامل، ومنها السلاح النووي، الذي سبق واستخدم في اليابان، والذي كاد أن يستخدم في كوبا، والذي يمكن أن يستخدم في حال شعرت الطبقة العليا بالخطر. إفقار معظم البشرية يقابله امتلاك الطبقة العالمية العليا سلاح تدمير هذه الكثرة الغالبة من البشرية، التي إذا ناضلت، وهي تناضل، ضد النظام سوف تلقى عقابها.

الصراع كما يبدو هو في الظاهر صراع أديان وأصوليات وفاشيات وقيم ثقافية مختلفة. لكنه في الأساس صراع طبقي؛ بين طبقة معظم البشرية ونظامها. صراع البشر ضد نظامهم الذي يهددهم بحروب الإبادة. كل الصراعات الأخرى الإقليمية والحروب الأهلية مظاهر لهذا الصراع الأساسي: الطبقي. حتى الوباء الجارف هو نتيجة لهذا النظام. سوف تتسابق الدول لأجل اللقاح والدواء. لكن الأكثر حظاً في تلقيهما هم الأكثر ثروة؛ أرباب النظام.

طبيعي أن يدافع الناس عن ثقافاتهم ولغاتهم وما يسمى تراثهم. لكن الضروري أكثر هو دفاع البشرية المتحدة من أجل البقاء ضد نظام دمارها الشامل. الوباء شامل بأمميته، والسلاح شامل بأممية دماره، والرأسمال المالي شامل بأممية دماره. وكلها احتمالات لنهاية واحدة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 2