" خطوة ما قبل المجاعة " ... انعدام الأمن الغذائي في سورية والسبب العقلية الاقتصادية

وكالة أنباء آسيا -نور ملحم

2020.12.18 - 04:43
Facebook Share
طباعة

 كل أسرتان من ثلاث أسر تُعاني نقص في الإمدادات الغذائية 

" إذا غلي اللحم، الصبر رخيص"، فهل يُجدي الصبر نفعاً مع انعدام الأمن الغذائي الذي يضع حياة أكثر من نصف الشعب على المحك بهذه الجملة بدأ العم أبو فيصل كلامه 

الرجل الذي تجاوز عمره عامين عن القرن يعد أكبر معمر في ريف حماة يقول لوكالة أنباء أسيا : مشهد المواطنين وهم يتدافعوا للحصول على ربطة الخبز أو أي سلعة آخرى تعود بذاكرتي إلى الثمانينات، حين قررت حكومة الكسم إصلاح الاقتصاد السوري من خلال رفع أسعار كل شيء بنسبة تتراوح  ما بين 100 % إلى 400% فتدهورت الحياة المعيشة للمواطنين إلى جانب إيقاف عمليات الاستيراد للكثير من المواد الأساسية بحجة الحفاظ على القطع الأجنبي، مع رفع شعار تحقيق الاكتفاء الذاتي، وقد أدى هذا القرار على الفور، إلى تنشيط عمليات التهريب من الدول المجاورة، وإلى المزيد من ارتفاع الأسعار .


يكمل العم الذي ظهرت على تجاعيد وجهه عناء الحروب التي عاشرها في حديثه، اليوم المشهد يتكرر ولكن الذي تغير هو مخرج المشهد... فالتصريحات والتبريرات والوعود والاجتماعات وكاميرات الصحافة نفسها ... ليبقى المواطن الضحية الأولى والأخيرة والدليل الكبير ما نسمعه ونشاهده من وفاة أطفال سوريين نتيجة البرد والجوع.


العم أبو فيصل كان موظف بسيط في إحدى الدوائر الحكومية عاصر العديد من الحكومات التي أصدرت القرارات الخاطئة لنصل إلى ما نحن عليه من اقتصاد شبه منعدم ... وفي الوقت الذي كانت سورية تتغنى بالاكتفاء الذاتي الغذائية، أصبحت اليوم تعيش على المساعدات والمعونات التي ترسل من قبل الدول الحليفة بحسب تعبيره. 


الوضع الغذائي متدهور ...

لم يكن أمن السوريين الغذائي بمعزل عن مجريات الحرب ، إذ شهد هذا القطاع تدهوراً كبيراً نتيجة تدمير البُنى التحتية الخاصة بالزراعة والصناعة والتصدير وإنتاج الغذاء عموماً، ما أدّى إلى اتساع شريحة السوريين “المحتاجين والفقراء" والمشكلة المتعلقة بتحديات الأمن الغذائي وتزايد فرص التهديد لجهة ما يتعلق بإمكانات الوصول إلى السلع والخدمات، لا تتعلق فقط بمستوى الإنتاج المحلي للسلع الغذائية، وذلك بحسب الدراسة التي قام بها الخبير الاقتصادي الدكتور مدين علي الذي أكد فيها أن الوضع الغذائي للسكان في سورية شهد تدهوراً كبيراً طوال سنوات الحرب، وتحديداً في السنوات 2012- 2014، جراء التراجع أو الانخفاض الكبير، الذي طال أداء القطاعات الاقتصادية ذات الصلة بإنتاج الغذاء تحديداً (الزراعة والصناعة الغذائية) هذا من جانب، وجراء التراجع في القدرة الشرائية للدخول، أو فقدان فرص العمل ومصادر الدخل من جانبٍ آخر، إذ إنَّ وسطي الأجر الشهري في الوقت الراهن لا يشكل نحو ( 50%) فقط من تكلفة الغذاء الشهري .


الأرقام تتحدث.

وبحسب “المكتب المركزي للإحصاء” فأن نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً في سورية وصلت خلال عام 2019 إلى 45% والأرقام جاءت استناداً لمسح قام به المكتب لتقييم حالة الأمن الغذائي، وبحسب النتائج فقد: "تراجعت نسبة الأسر المعرّضة لفقدان أمنها الغذائي من نحو 51% في 2017 إلى نحو 45.5% خلال 2019" 


بالمقابل فإن إحصائيات برنامج الأغذية العالمي " الفاو" تشير إلى إن ما يزيد عن عشرة ملايين سوري يعانون ظروفاً قد تعرضهم للجوع وذلك بزيادة قدرها 1.4 مليون شخص خلال الستة أشهر الماضية وحدها، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 200% في أقل من عام.


وأوضح التقرير أن “9،5 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي في أنحاء البلاد، بعد أن استنفدوا مدخراتهم ولم يعودوا قادرين على إطعام عائلاتهم أن أعلى نسبة أمن غذائي لا تتجاوز 38 % وهي في طرطوس، وأدنى نسبة أمن غذائي هي في حماة بنسبة 12%، أما المعرضون هامشيا لانعدام الأمن الغذائي فتتراوح نسبتهم فوق 40% في عموم سورية، في حين تحتل حلب النسبة العليا في انعدام الأمن الغذائي وتصل إلى 40 %.


وأجبرت معظم الأسر على اتباع أساليب تكيّف قاسية مع الظروف الحالية للبقاء على قيد الحياة، مثل تقليص عدد الوجبات، وتقليل الكميات، والاستدانة، حيث استنفدت مدخراتها وتواجه حالياً دوامة السقوط في هاوية الفقر والجوع، بحسب البرنامج.


ثلثي السوريين بحاجة مساعدات ...

بعد عشر سنوات من الحرب بات أكثر من ثلثي عدد السكان في سورية -أي نحو 13.5 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات مختلفة ويعد الأمن الغذائي أبرز الاحتياجات الأساسية للأسرة بنسبة 86% إذ لا تزال أسرتان من كل ثلاث أسر تُعاني من نقص في الإمدادات الغذائية، تليها المواد غير الغذائية بنسبة 37%، كما زادت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار الضعف عن حوالي 34% قبل الأزمة إلى 69% بحسب تحليل الخبير الاقتصادي عامر شهدا. 

مشيراً في تصريحه لوكالة أنباء آسيا، أن عدداً كبيراً من البُنى التحتية مثل مصانع الغذاء والآلات الزراعية ومعامل 

تحويل المواد الخام قد دُمّرت جراء الحرب ولم يتم إصلاحها على الرغم من ابتعاد المعارك عن تلك المناطق وذلك بسبب عدم تحرّك الحكومة بشكل صادق لإجراء أي عمليات إعادة تأهيل فعلية من جهة، فضلاً عن أن أصحاب هذه المنشآت لا يملكون الموارد الكافية لتفعيل عملهم من جهة أخرى


وبحسب شهدا فأن العقوبات الاقتصادية، لم تسبّب أي ضررٍ لأنّه يوجد البدائل من حلفائه، لافتاً إلى أن أبرز أسباب صعوبة تحصيل الغذاء هناك الغلاء الكبير لأسعار هذه السلع والبضائع نتيجة شحّ الإنتاج الزراعي والصناعي، في حين أن دخل السوريين بات متهاوياً إلى حدٍّ كبير في مقابل إنفاق المال الذي من المفترض أن يقوموا بدفعه للحصول على المواد الأساسية اللازمة. 


العقلية الراسخة السبب ...

وفي سياق متصل يشير الخبير الاقتصادي الدكتور سنان ديب في تصريحه لوكالة أنباء آسيا إلى أنه العقلية العاملة في مجال الاقتصاد لم تتغير منذ 50 عاماً فهي راسخة في عقول وأذهان القائمين على الاقتصاد السوري والتي أدت إلى انهياره بشكل شبه كامل 

 مؤكداً أنه ما زال مبدأ الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب هو المبدأ السائد في إدارات الدولة، وحتى ضمن كيانات ما يسمى المجتمع المدني مثل النقابات والجمعيات والغرف الاقتصادية ما زال الوضع على ما هو، لافتاً إلى ازدياد الفساد المالي والإداري في سورية في ظل سنوات الحرب التي تم تسخير كافة إمكانيات سورية لتغطية نفقاتها، والأمر، الطارئ أيضاً هو الفلتان الأمني الذي عاشته سورية والذي سمح بظهور جماعات لا تخضع لأي قانون لذلك فأن  الكارثة حلت بالأمن الغذائي السوري، إذ يتشظى هذا القطاع بمكونيه: الزراعي والحيواني إلى حدود “التلاشي”

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6