كتبَ علي باكير: المبالغات المتعلقة بمكاسب تركيا من ممر ناختشيفان

2020.12.11 - 09:42
Facebook Share
طباعة

 أعلنت الرئاسة التركية يوم الخميس الماضي أن الرئيس رجب طيب أردوغان، سيقوم بزيارة إلى أذربيجان كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وذلك في أول زيارة لرئيس دولة إليها بعيد الانتصار العسكري الذي حققته ضد أرمينيا. وتهدف الزيارة إلى تكريس الحقائق الجديدة على الأرض في جنوب القوقاز، وأهمّها عودة أجزاء واسعة من أراضي أذربيجان المحتلة إليها، وإنشاء خط مباشر يربط ناختشيفان بأذربيجان عبر الأراضي الأرمينية، وانتشار قوات مراقبة تركيّة إلى جانب القوات الروسية في المنطقة لمراقبة وقف إطلاق النار، وذلك بعد حوالي شهر ونيّف من العمليات العسكرية والقتال الضاري الذي خاضته باكو ضد يريفان لاستعادة أراضيها المحتلّة منذ حوالي ٣٠ عاماً في قره باغ وجوارها. 


الرسالة الأساسية للزيارة هي التأكيد على الدور المحوري والأساسي الذي لعبته أنقرة على المستوى السياسي والعسكري والذي أفضى في نهاية المطاف الى إنتصار أذربيجان عل أرمينيا. وبهذا المعنى، فانّ زيارة أردوغان ستكرّس حقيقة أنّها شريك لأذربيجان في الإنتصار الذي تحقّق وأنّها مستعدّة لاستكمال ترجمة هذه الشراكة من خلال تعميق التعاون على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري أيضاً بما يحقّق المنفعة المشتركة للدولتين والشعبين معاً.


خلال الأيام القليلة الماضية، ركّزت الصحافة في عناوينها الرئيسية على المكاسب الاستراتيجية التي ستجنيها أنقرة من إنشاء خط ناتشيفان ـ باكو عبر الأراضي الأرمينية. ناختشيفان الأذربيجانية التي تتمتع بحكم ذاتي تضم حوالي نصف مليون نسمة وتقع في خاصرة أرمينيا الجنوبية الغربية على الحدود مع إيران وتشترك مع تركيا بممر صغير جداً يتراوح طوله بين ٨ و١٧ كلم على أبعد تقدير. 


ربما تكون إيران الخاسر الأكبر في كل ما جرى في جنوب القوقاز حتى هذه اللحظة. من الواضح أنّها غير قادرة على فعل الكثير مؤخراً هناك وفي بلاد الشام وفي الخليج كذلك وذلك بسبب الضغط الهائل لسياسة ترامب، وحرمانها من عوائد النفط، والمشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية الداخلية التي تعاني منها.

 

وتفصل أرمينيا تقليدياً بين هذا الإقليم وبين دولة أذربيجان في الشرق بشكل يمنع تركيا من التواصل الجغرافي مع العالم التركي الذي يضم مجموعة من الدول الناطقة باللغة التركية انخرط بعضها في "المجلس التركي" او مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، والذي يضم الآن كلّاً من تركيا وأذربيجان وكازخستان وقرغيزستان وأوزبكستان، وهو أوّل تحالف طوعي للدول التركيّة على الإطلاق.


ممر ناختشيفان ـ أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية سيتيح لأنقرة التواصل جغرافياً مع العالم التركي، ولا شك أنّ هذا التواصل سيفتح آفاقاً جديدة على الصعيد السياسي، وعلى صعيد التجارة والاستثمار والاقتصاد، وعلى صعيد البنية التحتية والطاقة، وأخيراً على الصعيد التعاون العسكري والدفاعي والعلاقات الاجتماعية. ومع أنّ الجميع متّفق على هذه المكاسب، إلاّ أنّه لا يجب المبالغة في حجم ما يمكن تحقيقه لاسيما على المستوى القصير وربما المتوسط أيضاً، وذلك انطلاقاً من عدّة معطيات، لعل اهمّها:


أولاً: لم يتم ترسيخ نتائج الانتصار العسكري الأذربيجاني بشكل دائم ومستقر بعد، ولا يزال هناك لائحة طويلة من المتضررّين الذين يسعون إلى تخريب الاتفاق أو ربما تعطيله أو تأخير تنفيذ عناصره لأنّهم لم يستطيعوا أن يكونوا جزءاً من الاتفاق أو أن يفرضوا ما يريدونه. وهؤلاء ليسوا أطرافاً هامشية على المستوى الدولي، كالولايات المتّحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وتجمعهم عداوة متزايدة مع دور تركيا الصاعد في المنطقة.

 

ممر ناختشيفان ـ أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية سيتيح لأنقرة التواصل جغرافياً مع العالم التركي، ولا شك أنّ هذا التواصل سيفتح آفاقاً جديدة على الصعيد السياسي، وعلى صعيد التجارة والاستثمار والاقتصاد، وعلى صعيد البنية التحتية والطاقة، وأخيراً على الصعيد التعاون العسكري والدفاعي والعلاقات الاجتماعية.

 

ثانياً: بالرغم من أنّ روسيا لم تتدخّل بشكل مباشر إلى جانب أرمينيا في المعركة بالشكل الذي كانت أرمينيا تنتظره، وذلك بسبب حقائق جيوبوليتيكية، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ موسكو سعيدة بالدور التركي المتصاعد في حديقتها الخلفيّة التاريخية. موسكو لا تريد الاصطدام مع تركيا في هذه المرحلة، لكنّها تبحث عن أدوات لإبطاء الصعود التركي في المنطقة وربما إفشاله تماماً كما حصل في العقد الأخير من القرن الماضي.


ثالثاً: ربما تكون إيران الخاسر الأكبر في كل ما جرى في جنوب القوقاز حتى هذه اللحظة. من الواضح أنّها غير قادرة على فعل الكثير مؤخراً هناك وفي بلاد الشام وفي الخليج كذلك وذلك بسبب الضغط الهائل لسياسة ترامب، وحرمانها من عوائد النفط، والمشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية الداخلية التي تعاني منها. لكن هذا الوضع قد يتغيّر إذا ما توصّلت إدارة بايدن إلى اتفاق مع إيران، حيث من المتوقع أن يحرّر ذلك قدراتها المالية والعسكرية والجيو-سياسية. وبما أنّ إيران تشعر بالخطر من دور تركيا المتصاعد في محيطها، فمن المنطقي توقّع بحثها عن فرص لتقويض التواجد التركي هناك.


أخيراً، وهو ما أشدّد عليه دوماً في مقالاتي في الآونة الأخيرة، أنه ما لم يتم ضبط الوضع الاقتصادي التركي، فإنّ التطورات الاقتصادية الداخلية مصحوبة بالحالة غير المستقرة لعلاقات تركيا مع القوى الكبرى، ستقوّض من قدرات أنقرة على استغلال الفرص المتاحة في القوقاز والشرق الأوسط، وبالتالي فإنّ الحديث عن مكاسب استراتيجية حينها سيكون مبالغاً فيه، سيما أنّ هناك تجربة سابقة لتركيا لبناء نفوذ في العالم التركي بُعيد انهيار الاتحاد السوفييتي وقد تم ّتقويضها حينها بسبب وضع أنقرة الاقتصادي وتعاون روسيا وإيران على إفشال المشروع التركي هناك، ومن الممكن لهذا السيناريو أن يتكرر مجدداً ما لم يتم أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار عند إجراء المقاربة الاستراتيجية جنوب القوقاز.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 1