جمهورية الموز المتحدة الاميركية

2020.12.10 - 08:19
Facebook Share
طباعة

 لو كنت باحثا يفتش عن توثيق لسيرة حياة من لا يتعاطون بالسياسة ولا يتحدون الحكومات في واحد من بلدان العالم الثالث التي يحكمها ديكتاتور، فان ما سيصفه لك المواطنون عن الحريات لن يكون كذبا. فهم قد يصفون لك عراق صدام حسين وكأنه بلد الحريات كما الولايات المتحدة الاميركية.
ولو سألت موظفا في شركة ارامكو السعودية عن رأيه في الحريات في بلاده فهو لو كان من المكتفين بالراتب والمنح التعليمية والطبابة المجانية لقال لك في النظام السعودي ما يقوله اي اميركي مرضي عنه من السلطة في حكومة بلاده العظيمة.
لانهم يتحدثون الصدق، فان لم تتعرض لسلطة الديكتاتور ولم تطالب بحقوقك الانسانية فلن يتعرض لك الديكتاتور ابدا.
ان لم تهدد بنشاطك الحقوقي سلطات بلادك فان الشد الديكتاتوريين اجراما لن يتعرض لك ابدا.

حتى في العراق، الذي حكمه صدام حسين، لو سألت مزارعا لم يقم يوما باي نشاط سياسي ما هي مآخذه على اجهزة صدام القمعية فسوف لن يجد شيئا سيئا ليقوله.
كذلك في الولايات المتحدة الاميركية، طالما لم تتعرض لنفوذ ومصالحة النظام الحاكم فان احدا لن يتعرض لك وسترى اميركا انها بلاد الحلم والحرية.
لكن ذلك لم يكن ما رآه سبعة من نشطاء حقوق الانسان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
انها قصة الشبان المعروفة باسم " قضية سفن شيكاغو "

فقد كانت حرب فيتنام وحجم القتلى الذين سقطوا من الجيش الاميركي سببا رئيسيا لانفجار اجتماعي معارض للحرب.

وبرز من بين الاف المنظمات والقادة الشباب المعارضين للحرب في خضم تلك الأجواء مجموعة من سبعة قادة شباب شاركوا في احتجاجات ضد الحرب واستغلوا مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو للقيام بمظاهرة احتجاجية.
وفي حديقة لا تبعد كثيرا عن مكان عقد مؤتمر الحزب الديمقراطي لاختيار مرشح لانتخابات الرئاسة في اب اغسطس من العام 1968 اجتمع عشرة الاف مواطن اميركي معارض للحرب بدعوة من قادة مجموعات اغلبها لا انتماء ايديولوجي لهم سوى رفض الحرب والمطالبة بعودة الجنود الى اميركا.

وبناء على قرار مسبق من الرئيس ليندون جونسون ، فقد كلف مكتب وزير العدل احد المدعين الفيدراليين بالادعاء على القادة السبعة وضم ناشط اسود اليهم. وطلب ليندون جونسون من المدعي العام ان تتم ادانة القادة الثمانية مهما كلف الامر ليكونوا عبرة لمن يجروء على تنظيم تظاهرات ضد الحرب.

هكذا جرى اخفاء الادلة التي تؤيد ان الشرطة نصبت فخا للمتظاهرين واعتدت عليهم بالضرب وباطلاق النار. وتم تعيين قاض عنصري يميني متطرف يكره الناشطين ضد الحرب ويعاديهم.
وبعد تحضيرات استمرت لسنتين، بدأت المحاكمة بوجود محلفين سندا الى اتهامات تدين الثمانية بالتآمر العابر للولايات وهي جريمة فيدرالية وبالنشاط ضد الحرب.
والمتهمون كانوا كل من:

- "ديفيد ديلينجر", محرِّر مجلَّة Liberation, ورئيس لجنة التعبئة الوطنيَّة لإنهاء الحرب في فيتنام,
- وريني ديفيس، رئيس مركز البحوث الراديكاليَّة وزعيم الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي "SDS,
- وفيرنون جريزارد، وهو زعيم المقاومة الطلابية ضد الحرب ،
- و"توم هايدن", "أيضًا زعيم الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي
- و جيري روبين "
- , وآبي هوفمان "وكلاهما من قادة حزب الشباب الدولي المعروف اختصار بـ "YIPPIES".

- "لي وينر" مساعد باحث في جامعة نورث وسترن,

- جون فروينز أستاذاً في جامعة أوريغون,

- والى السبعة جرى ايضا ضم شخص لم يكن اصلا موجودا في التظاهرة ولم يكن له اي علاقة بها لكن كون السبعة من البيض الذي قد يجدون من يتعاطف معهم من النخبة الاميركية البيضاء فقد طلب المدعي العام الافتراء على ناشط اسود هو بوبي سيل مؤسس الفهود السود. فجرى ضمه للقضية.

هل يحدث ذلك اليوم ايضا في اميركا؟؟
ان رجالا ونساء من السود والملونيين ومن النشطاء البيض وحتى من النشطاء اليهود المناهضين للعنصرية ضد السود وضد الفلسطينيين يعانون ما عاناه هؤلاء النشطاء في اميركا اليوم. لكننا لا نرى ذلك في السينما لانها تريد ايهامنا ان السيئات التي تشوب النظام الاميركي كانت في التاريخ اما الان فكل شيء على ما يرام.
لكن الوضع ليس كذلك، والدليل ما حصل في العام 2020 من انتفاضة ضد العنصرية بعد قيام الشرطة بخنق مواطن من اصول افريقية بكل قسوة وبعد اشهر جرى اطلاق سراح القاتل بكفالة.
فماذا جرى في قضية اولئك الشبان الثمانية في المحاكمة التي تعرضوا لها ؟؟

كانت المحكمة مهزلة بكل ما للكلمة من معنى، ولولا الفضيحة التي برزت عبر ضم الناشط الاسود بوبي سيل لحكم على الاخير ظلما مع الاخرين رغم انه لم يكن موجودا وقت حصول التظاهرة ولا حين وقعت المواجهة وصدف انه قبل ليلة من الحادثة القى محاضرة في شيكاغو لساعات ثم رحل الى مدينته فورا.

لكن الضربة الكبرى التي تلقتها العدالة تمثلت في تفاصيل القضية.
فرغم شهادة عشرات الشهود من مشاهير اليسار الاميركي الا ان القاضي كان يطلب شطب شهادة اي شخص يقدم معطيات تبريء المتهمين.
كذلك جرى الضغط على عناصر الشرطة فانكروا ما كانوا من قبل قد اقروا به موثقا من ان الشرطة من اعتدت على المتظاهرين.

اما قمة المهزلة فهي حين طلب الدفاع الاستماع الى وزير العدل في وقت حصول المظاهرة في العام 1968 رمزي كلارك.
حينها رفض القاضي هوفمان ان يحضر المحلفين الجلسة، وبعدما برأ الوزير السابق كلارك المتهمين واكد ان تقارير الشرطة وتحقيقات وزارة العدل ادانت عناصر الشرطة لا المتظاهرين طلب القاضي يوليوس هوفمان حذف شهادة الوزير وطرده من المحكمة.

وسجل التاريخ اسم القاضي "يوليوس هوفمان" العنصري كأسواء قاض معترف بانه مزيف للوقائع في اميركا اذ حكم على الشبان وهم ابرياء وكان يسكتهم حتى لا يعترضوا على اكاذيب الادعاء وقبل شهادة 33 شاهدا كلهم من الشرطة ورفض ادراج شهادة شهود الدفاع الذين يمكن لما قالوه ان يبريء المتهمين.
هل انتهى الامر هنا؟؟
لا،
فقد اسست فضيحة المحاكمة وشهادة الوزير رمزي كلارك لانقسام كبير في الشارع الاميركي تداركه النظام في محاكمة ثانية في محكمة الاستئناف عام 1972 حيث تمت تبرأة المتهمين الذين كان يوليوس هوفمان قد حكم عليهم بالسجن لخمس سنوات.

هل انتهى الامر هنا؟؟
لا،
فقد لوحق الناشطون حتى استوعب النظام اغلبهم، العصا لم تنفع، فاستعمل النظام الاميركي مع الناشطين الجزرة،
هكذا اضحى احدهم شريكا في شركة آبل، واضحى الثاني عضوا في كونغرس محلي واستبدل الاخرون نضالهم بالعمل لصالح الحكومة ورعاتها من شركات مالية كبرى.
الا ابي هوفمان، رفض اغراءات السلطة الاميركية و تفرغ طوال عقدين تقريبا لفضح النظام العنصري.
هل نجى ابي هوفمان من قمع السلطة الاميركية؟؟
لا، فقد كان اشهر من ان لا يوقع الضرر بالنظام.
و كالعادة وجد مقتولا في شقته في الثاني عشر من ابريل من العام 1989 بعدما اصدر عددا من الكتب التي تحرض الشعب على الثورة ضد النظام وقيل انتحر.
النظام الاميركي هو اكثر الانظمة فهما لقدرة الكلمات على التغيير لهذا لم يحتمل ان يعارضه شاب من النخبة هو آبي هوفمان.
المصادر والمراجع

1. https://observer.com/2020/09/the-trial-of-the-chicago-7-true-story/
2. https://edition.cnn.com/ALLPOLITICS/1996/conventions/chicago/facts/chicago68/index.shtml
3. https://www.chicagotribune.com/nation-world/chi-chicagodays-seventrial-story-story.html
4. https://www.chicagotribune.com/news/chicago-8-trial-chicago-7-trial-story.html

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2