"واشنطن بوست": هل فَقَدت فرنسا تأثيرها على الشرق الأوسط؟

ترجمة: عبير علي حطيط

2020.09.02 - 05:55
Facebook Share
طباعة

 علّقت صحيفة "واشنطن بوست" على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية إلى لبنان، وتحدثت عن محدودية تأثيره على البلد. حيث قالت في تقريرها إن الرمزية واضحة في زيارة ماكرون التي لم يفصل بينها والأولى سوى أسابيع، وتزامنت مع مرور 100 عام على نشوء دولة لبنان الكبير، وزرع ماكرون شجرة أرز تمثل ولادة جديدة، فيما حلّقت المقاتلات الفرنسية في الأجواء وخلفت وراءها دخانًا أحمر وأخضر.

ورغم تخلي فرنسا عن دورها الاستعماري عام 1943، إلا أنها لا تزال تحتفظ بتأثير كبير في البلد، والذي كان واضحًا عندما وصل ماكرون إلى بيروت بعد الانفجار الهائل الذي ضرب العاصمة بيروت.

ولا تزال العاصمة تترنح تحت وطأة انفجار 2750 طنًا من نترات الأمونيوم. فالأحياء مدمرة وسكانها مشردون ومرفأ المدينة أصبح حطام. وتُقدّر الأضرار بحوالي 4.6 مليارات دولار في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وفقر، وزيادة في حالات الإصابة بفيروس كورونا.

وفي زيارته الأولى أحاطت به الجموع والناس العاديون الغاضبون على نخبة البلاد السياسية. وتعهد ماكرون بمساعدة لبنان في الوقوف على قدميه، والدفع باتجاه اتفاق سياسي يعيد تشكيل الحكومة وتطبيق الإصلاحات الضرورية. وقبل وصوله هذا الأسبوع اتفقت الأطراف السياسية القوية على ترشيح رئيس جديد للوزراء هو مصطفى أديب، وهو دبلوماسي يعمل كسفير للبنان في برلين. وسيتولى مهمة عبثية، وإدارة ثالث حكومة لبنانية في أقل من عام.

كما أورد التقرير تعليقاً مفاده أن الاحتجاجات الشديدة يوم الثلاثاء، عبّرت عن مشاعر اللبنانيين تجاه أديب الذي لا تعرفه إلا قلة من اللبنانيين. وهو تكنوقراط ضعيف دفعته النخبة القوية المتحصنة إلى الواجهة.

ويبدو ماكرون عازمًا على الضغط وتنفيذ وعيده، خاصةً أنه طلب من الأطراف السياسية التوافق على حكومة لبنانية جديدة في غضون أسبوعين ليس أكثر. وقال إن الدعم الدولي للبنان سيكون مشروطًا بالطريقة التي تتصرف فيها الطبقة السياسية، وتطبيق الإصلاحات المنشودة. وفي حال لم يحدث هذا، فالعقوبات والإجراءات العقابية ستفعّل.

وسيعود ماكرون مرة ثالثة إلى لبنان في كانون الأول/ ديسمبر. وقال في تصريحات لمجلة "بوليتكو يوروب "إن هذه هي الفرصة الأخيرة للنظام. أنا واعٍ لهذا وأضع الشيء الوحيد على الطاولة وهو رأسمالي السياسي".

لكن الرأسمال السياسي هذا له محدوديته، وبحسب تمارا قبلاوي من شبكة سي إن إن فإنه في عام 2020 يُطلق على الحكومة اللبنانية بأنها حكومة السفير الفرنسي ببيروت، ومركز سلطة المعتمدين السابقين، إلا أن قدرة ماكرون على التأثير ليست مثل قوة المبعوثين الاستعماريين قبل قرن من الزمان.

ويقول إميل هوكايم، المحلل السياسي اللبناني: "فهمت الطبقة السياسية في لبنان أن ماكرون سيأتي بتوقعات وجود حكومة لبنانية ورئيس وزراء ولهذا استبقوه. ولكنهم قاموا بتعيين مصطفى أديب كأمر واقع بحيث لا يمكن لماكرون الاعتراض عليه وإلا كان هذا سيُعد على أنه تدخلًا في دولة ذات سيادة".

وكما كتبت رندا سليم من معهد الشرق الأوسط: "في الوقت الذي قدم فيه الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والأمين العام لحزب الله كلامًا متملقًا لمقترح ماكرون، إلا أنه من المشكوك به أن يتم تطبيقه، بحيث يقود إلى تغيير في النظام السياسي المتجذر، كما في حالة اللجنة الدستورية السورية التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي ستوافق على تعديلات ستغير من سلوك النظام السوري. وفي كلتا الحالتين أثبت النظام السياسي أنه قادر على تحمل الضغوط الخارجية للتغيير".

وقالت مجلة "إيكونوميست" إن الدبلوماسيين الفرنسيين يعرفون أن نفوذهم محدود، و"من هنا يأمل ماكرون دفع قادة لبنان بالحسنى إلى دعم التغيير وبمنظور وصول الدعم لو التزموا".

وأضافت المجلة أن التاريخ يقول إنهم لن يلتزموا، كما أن دعوة الرئيس الفرنسي لانتخابات جديدة لن تجلب التغيير أيضًا. فلم تنشئ منظمات المجتمع المدني أحزابًا سياسية قوية، ولم يتم تغيير قانون الانتخابات الذي يوزع الحصص البرلمانية بناء على الطوائف، مما يعقّد دخول وجوه جديدة إلى السلطة.

وفي مقابلته مع "بوليتيكو" بدا ماكرون متفهمًا لمحدودية قوته. وتجاهل الدعوات بما فيها من واشنطن لمعاقبة حزب الله، الذي يعتبر واحدًا من أقوى الفصائل في لبنان: "الطلب من فرنسا شن حرب على قوة سياسية لبنانية سيكون أمراً غريباً وجنونيًا".

وأعاد ماكرون صياغة كلمات للمفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي: "الجديد يواجه صعوبة في الظهور أما القديم فهو عنيد". وأضاف أنه علينا أن نجد طريقة من خلال هذا، وهو ما أقوم بعمله.

وجهود الرئيس الفرنسي لا تقتصر على لبنان، ففي عهد ماكرون اتسمت السياسة الخارجية بالحزم، وغطّت مناطق كانت ضمن التأثير الفرنسي، لكن أجندته تعاني من مشاكل. ويبدو أن فرنسا ماكرون وضعت في معظم الأحيان رهاناتها في الجانب الخطأ، كما فعلت في ليبيا، وأدخل ماكرون بلاده في مواجهة مع تركيا في شرق المتوسط، مما أضاف توترات أخرى إلى حلف الناتو. كما أن محاولات ماكرون تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي لم تكتمل. وفي اليوم الذي زار فيه بيروت، أكدت قوات الأمن الفرنسية مقتل مدني فرنسي في مالي، في واحدة من عملياتها ضد الجهاديين.

ويشير الخبراء إلى تراجع أهمية بيروت في باريس. وقال روبرت زارتسكي أنه "لا يوجد لفرنسا صلات اقتصادية مهمة مع لبنان - فهي في المرتبة السادسة بين الدول المصدرة له - ولكن لبنان، وبعد وضع الملف الفلسطيني على الرف، لم يعد يمثل تلك الأهمية لفرنسا كما كان في الماضي. وفي الوقت الحالي الفرنسيون أقل حماسًا لماكرون من حماسة اللبنانيين، وقبل زيارته (الأولى) عبرت نسبة 39% فقط من الفرنسيين عن ثقتهم بماكرون.[https://www.washingtonpost.com/world/2020/09/02/macron-beirut-visit-lebanon-influence/](https://www.washingtonpost.com/world/2020/09/02/macron-beirut-visit-lebanon-influence/

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1