مخاوف إسرائيلية من التدخل الفرنسي في منطقة شرق المتوسط

ترجمة: عبير علي حطيط

2020.08.21 - 09:30
Facebook Share
طباعة

 عبّر تقرير إسرائيلي صادر عن "مركز بيگن-السادات للدراسات الإستراتيجية" عن قلق حيال قدرة فرنسا على مواجهة التطورات الضالعة فيها في الشرق الأوسط، وبالأساس دورها في لبنان بعد الانفجار في مرفأ بيروت، والأهم من ذلك تدخلها في الصراع بين تركيا وبين اليونان وقبرص، وذلك في إطار "محاولتها لجم تراجع تأثيرها في المنطقة مقابل منافسة متصاعدة للاعبين آخرين، وفرنسا لم تنجح بعد في تغيير توازن القوى في شرق البحر المتوسط".

وأشار التقرير إلى أن فرنسا تعتبر نفسها دولة عظمى من الدرجة الأولى في المنطقة لعدة أسباب، من بينها أنها الدولة المشاطئة للبحر المتوسط الوحيدة التي لديها مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وجيشها هو الأقوى بين دول المنطقة. كما أن القوات الفرنسية منتشرة في عدة مواقع في الشرق الأوسط وتنفذ مهمات فيها، إضافة إلى استناد فرنسا إلى علاقاتها التاريخية، المعقدة، مع دول وجهات إقليمية، إضافة إلى أن الفرنسية هي لغة محكية بين شعوب المنطقة، ولفرنسا شبكة دبلوماسية وتعليمية واسعة، تستخدمها باريس كوسيلة للتأثير.

وحسب التقرير، فإن فرنسا أظهرت انعدام نجاعة معينة في استغلال الأدوات التي بحوزتها. فهي لم تنجح في إطلاق صوت مؤثر في الأمم المتحدة بشأن البحر المتوسط، وبدت مترددة في ممارسة قوتها العسكرية، والمؤسسات الفرنسية في المنطقة تعاني من شح الميزانيات. كذلك لم تنجح فرنسا بإجراء توازن بين رغبتها في العمل بالتعاون مع دول أوروبية أخرى وبين تطلعها إلى حماية حرية عملها، وخطواتها تثير انتقادات من جانب شركائها الأوروبيين.

وأضاف التقرير، أن مكانة فرنسا الإقليمية تضررت من التطورات المتعلقة بوجود روسيا والصين المتزايد، ومن ازدياد وزن دول عظمى إقليمية – تركيا ودول الخليج، وأن انعدام الاستقرار في شرق البحر المتوسط سيمس بفرنسا حتمًا. ولذلك، تستند السياسة الفرنسية في المنطقة إلى هدفين أساسيين: أولًا، فرنسا تريد الحفاظ على مكانتها في البحر المتوسط وتحسينه إذا أمكن. ثانيًا، باريس تحاول دعم لاعبين إقليميين يظهرون نجاعة في محاربة الإرهاب الإسلامي.

ورأى التقرير أن هذه السياسة انعكست في زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لبيروت، بعد يومين من الانفجار. فقد كان ماكرون أول زعيم دولي يصل إلى موقع الكارثة، وتعهد بتقديم مساعدات إلى لبنان، وتحدث مع الزعماء المحليين، وبينهم مندوب عن حزب الله. وتشكل هذه الزيارة لماكرون نجاحًا قصير الأمد، وعلى الأقل من ناحية العلاقات العامة، إذ وضع نفسه في قلب الحدث، وعبّر عن تطلع بلاده إلى القيام بدور مركزي في إعمار لبنان. لكن، ليس مؤكدا أن يستمر هذا النجاح في الأمد البعيد. وفيما نجح الرئيس الفرنسي في جمع 30 زعيم دولة، بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في لقاء عبر الانترنت، في 9 آب/أغسطس الحالي، "إلا أن غياب مندوبين عن روسيا وتركيا وإيران كان بارزاً"، حسب التقرير.

وأشار التقرير إلى أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان سيوافق اللاعبون المحليون على التعاون مع الدولة العظمى الاستعمارية القديمة، أو إذا كانت فرنسا ستقنع دولًا عظمى أخرى بمنحها مكانًا مركزيًا في إعادة إعمار لبنان. ومن الجائز أن تنشأ فجوة بين التصريحات الفرنسية وقدرة فرنسا الحقيقية على فرض حقائق تحصن مكانتها الإقليمية.

وعلى المقلب الآخر، دعم فرنسا للجنرال خليفة حفتر في ليبيا كان واضحاً، وهي الدولة الغربية الأساسية التي تدعم حفتر، بحجة أنه لاعب ضروري في محاربة جماعات جهادية، حسب التقرير. وعبّرت فرنسا عن تأييدها لليونان وقبرص ضد تركيا في النزاع في شرق البحر المتوسط. كذلك تدعم فرنسا منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا، وتندد بالأنشطة التركية في هذه المنطقة، وصعّدت وجودها العسكري بالقرب من قبرص.

وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة التركية لم تجنِ ثمارًا، وحتى أن الهزائم التي مني بها حفتر أمام حكومة الوفاق الوطني الليبية، بقيادة فايز السراج، تعتبر خسارة تكتيكية لفرنسا. وفي موازاة ذلك، فإن موقف فرنسا حيال غاز المتوسط لم يلجم النشاط التركي في المنطقة.

واعتبر التقرير أن هذه الأحداث وضعت الحكومة الفرنسية في مكان غير بسيط، خاصة مقابل أنقرة. فالموقف الفرنسي من النزاع الليبي وضعها في خط مباشر ضد تركيا، حليفة السراج. كذلك فإن الدعم الفرنسي لليونان وقبرص أدى إلى صراع مفتوح بين أنقرة وباريس.

وأضاف التقرير أنه على هذه الخلفية، برزت عزلة فرنسا. وفضل أعضاء الناتو (حلف شمال الأطلسي) التعقيب باعتدال بالغ على حادثة اعتراض سفن فرنسية لسفينة تركية في شرق المتوسط، تحسبا من نقلها أسلحة إلى ليبيا.

ورأى التقرير أن السياسة الفرنسية في شرق البحر المتوسط يمكن أن تؤثر كثيرًا على إسرائيل، وحتى لو حافظت إسرائيل على الابتعاد عن النزاع الليبي، إلا أن لائحة مؤيدي حفتر، تشمل معظم دول المنطقة التي تتقرب إسرائيل إليها في السنوات الأخيرة، أو تحافظ على علاقات حسنة معها، وهي السعودية والإمارات ومصر. وبذلك يوجد تطابق مصالح، جزئي على الأقل، بين إسرائيل وفرنسا حيال الحلبة الليبية.

وأضاف التقرير أنه يوجد تطابق مصالح بارز بين إسرائيل وفرنسا بشأن موضوع غاز المتوسط. فإسرائيل هي جزء من هذا المنتدى، وما زالت ملتزمة لفكرة بناء أنبوب إيست – ميد، وطورت علاقات وثيقة مع اليونان وقبرص، فيما علاقاتها مع تركيا في الحضيض.

وتابع التقرير أنه فيما تبنت تركيا سياسة القوة في شرق البحر المتوسط، فإن دخول لاعب هام إلى توازن القوى إلى جانب الدولتين الهيلينيتين، يمكن أن يؤثر إيجاباً على إسرائيل، رغم أنه ما زال من الصعب معرفة مدى استعداد فرنسا للذهاب بعيدًا في الدفاع عن موقفها مقابل أنقرة، وما إذا كانت ستنجح في تغيير توازن القوى الإقليمي.

وحسب التقرير، فإنه رغم تعقيدات العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، إلا أن المصالح المشتركة من شأنها أن تشكل أساسا للتقارب بينهما. وفي الوقت نفسه، فإن القدرة المحدودة لفرنسا لتغيير توازن القوى الإقليمي لصالحها، هي نبأ سيء لإسرائيل أيضًا.

واعتبر التقرير أنه بإمكان صناع القرار الإسرائيليين استخلاص عِبر من نتائج السياسة الفرنسية غير الناجعة في الشرق الأوسط. ورغم أفضلياتها النسبية، لكن تصرف فرنسا الحازم، من دون تخطيط سياسي معمق، ومن دون مثابرة، ومن دون تعاون مع حليفاتها، قادها حتى الآن إلى الفشل في دفع غاياتها في هذه المنطقة العاصفة.

besacenter.org/topics/france/

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 10