لبنان وتعقيدات المرحلة المقبلة

زهراء احمد -وكالة أنباء آسيا

2020.08.20 - 02:33
Facebook Share
طباعة

 لم يكن اتفاق الطائف عام (1989) في لبنان حاكمًا على المستوى السياسي فقط، من خلال مبدأ تقاسم السلطة بين الطوائف وزعمائها، وإنما كان حاكمًا أيضًا على المستوى الاقتصادي، منذ مرحلة الوجود السوري وإعادة الإعمار. فإتفاق الطائف الذي وضع حدًّا للحرب الأهلية اللبنانية، أعطى سوريا حق الوصاية على لبنان، كما جعلها أيضًا المشرف والحامي لعملية إعادة الإعمار ، والتي كان للمملكة العربية السعودية دور بارز فيها عن طريق الدعم الاقتصادي والاستثمارات الطائلة التي قامت بها، من خلال الثقة التي أولتها لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الذي استقبل غالبية الشعب اللبناني خبر تعيينه بحفاوة. واذا تكلمنا بلغة الأرقام سنجد أن هناك نسبة انتعاش اقتصادي ملحوظ في فترة ولايته الأولى .
في عام 2000 إلى 2004 تولى رئاسة ثانية وفي تلك الفترة شهد لبنان الكثير من المشكلات الاقتصادية مما أدى إلى زيادة الضغط من صندوق النقد الدولي. وبعد الخلافات التي نشبت بينه وبين الرئيس إميل لحود استقال الرئيس الحريري عام 2004، وتولى عمر كرامي رئاسة الحكومة بعده،
ولم يلبث أن استقال بعد جريمة اغتيال الحريري وهنا شهد لبنان تحولاً جديداً وتحركاً شعبياً هو الأوسع بعد اتفاق الطائف، الذي اهتز على أرض الواقع بعد هذه الجريمة.
هنا بدأت الأزمات والاغتيالات تتوالى لتشمل عدة شخصيات مناهضة لدمشق، وكان أشدها عام 2005 حيث اغتيل 《جورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير》 وغيرهم واخذ شكل الوفاق الوطني المتعارف عليه شكلاً جديداً واصطف شركاء الأمس بتكتل "14 اذار و 8 اذار" . ومنذ ذلك اليوم لم يستقر لبنان سياسياً ولا اقتصادياً، ودخل في دهاليز الانقسامات والخلافات والصراع على المكاسب، وتدويل الأزمات الداخلية من خلال طلب تحقيق ومحكمة دولية لاغتيال الحريري. وبعد حرب تموز 2006، سعت قوى 14 اذار إلى تفعيل وتنفيذ القرار 1701 الذي كان موجهاً ضد غريمها السياسي. واستمر مسلسل الأزمات من ارتفاع سعر الصرف وأزمة المصارف إلى حركات الاحتجاج واستقالة حكومة سعد الحريري، إلى ان انتهى الأمر بانفجار بيروت الذي قصم ظهر الطبقة السياسية وأدى الى استقالة الحكومة .
يبدو أن الإنفجار الذي وصل صداه إلى أوروبا، دق ناقوس الخطر على زعماء لبنان، وجذب انتباه العالم الغربي لخطورة الوضع فيه، وتوالت الزيارات والاتصالات لزعماء العالم، ودخل لبنان في معادلة جديدة، طلب من خلالها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد لقائه بالفرقاء عدة أمور أهمها إجراء إصلاحات سياسية، واقتصادية، وإدارية، والمباشرة بوضع آليات تفكيك شبكات الفساد والكتل التي احتكرت كل شيء .
تشكيل الحكومة اليوم أصبح أمراً معقداً بعد النطق بحكم المحكمة وإدانة 《سليم عياش》 وطلب الحريري بأن يقوم حزب الله بالتضحية في سبيل لبنان في إشارة منه لتسليم المطلوب للعدالة. فهل سيكون هذا شرطاً يقدمه الحريري قبل الجلوس على طاولة الحوار، علماً بأنه أوصل رسالة عبر المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم أنه لا يرغب بفتنة سنية - شيعية، حتى انه طلب من أنصاره عدم الخروج إلى الشارع وقطع الطرقات.
الأمر الذي قد يجعل مهمة الرئيس بري صعبة بجمع الفرقاء تمهيدا" لتولي الحريري صاحب الحظ الأكبر باعتباره شخصية توافقية وذات تمثيل شعبي واسع.
وفي المقابل، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أبلغ وكيل وزارة الخارجية الاميركية ديفيد هيل أن مرشحه هو 《سعد الحريري》، وأنه يعمل على تأمين عودة آمنة له مع باقي القوى، علماً بأن الدافع الرئيسي وراء استقالة حكومة حسان دياب تمثل في تصميم بري على محاسبة الوزراء عقب انفجار المرفأ رداً على طرح دياب مسألة الانتخابات النيابية المبكرة.
لكن الرئيس بري بنى معطياته يومذاك على زيارة الرئيس الفرنسي 《ايمانويل ماكرون》 ودفعه «الأقطاب الثمانية» الى تأليف حكومة وحدة وطنية، ليعود ويتراجع بعد أيام متذرعاً بسوء ترجمة ما نقل عنه، نتيجة دخول الولايات المتحدة على خط التفاوض المباشر ورفضها، خلافاً لماكرون، أي مشاركة لحزب الله في أي حكومة مقبلة. لذلك جاء الردّ سريعاً على لسان أمينه العام بتحديد سقف المفاوضات ورفضه لما يسمى «حكومة حيادية»، مشدداً على ضرورة تأليف حكومة تضم أوسع تمثيل وطني وشعبي.
هكذا، عادت النقاشات الى نقطة الصفر في انتظار ما ستؤول اليه الأوضاع الأمنية في اليومين المقبلين، فيما بدأ الوقت المحدد من الرئيس الفرنسي لتوافق القوى السياسية ينفد، قبيل عودته الى لبنان في 《الأول من أيلول》وهذا ما بدا جلياً في التحول الواسع والحماسة التي أبداها الرئيس بري في تنفيذ بنود المبادرة الفرنسية المصرية المغطاة امريكياً، بما فيها اقرار "الكابيتال كونترول" و التدقيق الجنائي وصولاً للإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإقرار قانون انتخابات مجلس النواب في فترة لا تتجاوز الستة أشهر على أبعد تقدير.
لكن؛ يظل التحدي الجوهري للحراك الشعبي هو تحرير الدولة من قبضة الطبقة السياسية-الطائفية التي عطَّلت، باعتقاده، فعالية الدولة وكانت السبب الرئيسي للفساد السياسي والمالي المنتج للأزمات، والمعيق لمبادرات الإصلاح منذ اتفاق الطائف. هذا فضلًا عن تشكيك الحراك أصلًا بقدرة واستقلالية حكومة الحريري التي قد تقود المرحلة المقبلة، لكونها سوف تتشكل من نفس طبقة الأحزاب الحاكمة .
الزعماء يغردون من خارج السرب الشعبي الذي يعتبرهم السبب الرئيسي لكل مآسي الشعب ومشاكله، وكل طرف يفاوض بالاعتماد على جمهوره وقاعدته، ومؤسساته الإعلامية المروجة له، التي تحاول تبرئته من الفساد والفشل، وإلقاء اللوم دائماً على الخصوم، متناسين كل مصائب الشعب اللبناني الذي لم تجف دموعه، ولم تسكن آلامه على ما حصل مؤخراً في انفجار بيروت.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 2