ما بقي من معالم بيروت الأثرية مهدد بالزوال.. فمن يوقف العابثين؟

ريان فهيم _ بيروت وكالة أنباء آسيا

2020.08.19 - 07:44
Facebook Share
طباعة

 يبدو أن موضوع الأبنية التراثية يرهب البعض، وخصوصاً من هم على دراية بهذا الملف، والقابضين على المعلومات التي تؤكد الأسباب والأشخاص وراء إخفاء معالم بيروت التراثية والحضارية.

فلماذا يتهرب كل شخص معني بهذا الملف من أسئلتنا التي يحق لنا كمواطنين قبل أن نكون صحفيين، بمعرفة تفاصيلها وما يحاك ضدها في الغرف السوداء بما يؤدي إلى طمس معالم تراثية يعود عمرها إلى آلاف السنوات.

وبينما لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الأبنية التراثية، إلا أن بعض الدراسات أكدت أن في عام ١٩٩٩ وجود نحو ٥٠٠ معلم من الأبنية التراثية، لكنه تراجع في ٢٠١٠ إلى النصف ( ٢٥٠ مبنى)، إلا أن تقلص عددها ليصبح ٢٠٠ مبنى والبقية عرضة للزوال في ظلّ صفقات مشبوهة وغياب سياسة رادعة تحفظ هوية بيروت التراثية والحضارية. كل هذا إن دل على شي فإنه يدل على وجود خطة لمحو العمران التراثي من بيروت.

في هذا السياق، تؤكد العضو السابق في بلدية بيروت رولا العجوز لوكالة أنباء آسيا أن "ملف الأبنية التراثية يشوبه الفساد، نظراً لعدم تعديل الثغرات الموجودة في القانون، والذي يؤكد على ضرورة حماية هذه الأبنية لما تحمله من طابع تراثي وخصائص عمرانية مميزة، فعندما نرى أن الحكومة ومجلس النواب غير مؤهلين لتشريع أو تعديل القانون، فعلينا أن نتجه إلى اللجان التي من شأنها فتح صندوق دعم للتراث اللبناني".

وتضيف العجوز "في حال قرر المالك بيع المبنى الذي يملكه، فعلى الدولة حماية هذا المبنى من المستثمرين الذين يحوّلون المبنى التراثي إلى مشاريع تخدم مصالحهم المادية، ومع الأسف هناك مسؤولون يقومون بحماية هؤلاء، ولكن على الدولة أخذ الحيطة والحذر، لأن التراث لا يُهدم بل يحافظ عليه، وبالإمكان تحويله إلى أنشطة سياحية تخدم المصلحة العامة كمتحفٍ مثلاً".

وتشير العجوز إلى أن "البعض يلجأ، وعن قصد، بإتلاف المباني التراثية بطريقة غير مباشرة، لإبعاد التهمة عنهم بأنهم يريدون الهدم المباشر بهدف تنفيذ مصالحهم الشخصية من دون تشويش أحد، وهذا ما منعنا حصوله عندما حاول البعض هدم مبنى بركات الذي يقع في منطقة السوديكو، والذي شهد على الحرب الأهلية والمتاريس، فقمنا بشراء الأرض هناك وأعدنا تأهيله ليكون متحفاً تراثياً، وهذا ما فعلناه أيضاً بمتحف سرسق الموجود في الأشرفية، ولكن لا نستطيع دائماً الوقوف بوجه بعض المقاولين المحسوبين على بعض رجال السياسة ".

تكمن علّة قانون حماية المواقع والأبنية التراثية في لبنان، والذي تم تحويله إلى اللجان المختصة في مجلس النواب مطلع 2018 لدرسه، أنه يعفي الدولة تماماً من تحمل نفقات التعويضات، أي بمعنى آخر، القانون لا يوفر البدائل، سواء عبر دعم المالك بالأموال اللازمة للترميم، أو عبر استملاك البناء وتحويله صرحاً تراثياً. كما أن "موارد وزارة الثقافة محدودة والترميم والاستملاك يفوقان قدرتها" بحسب وزير الثقافة الأسبق غطاس خوري.

وفي نظرة سريعة على تاريخ الأبنية التراثية الموجودة في بيروت، يلفت الدكتور حسان حلاق، مؤرخ وأستاذ جامعي في جامعة بيروت العربية، في حديثه لوكالة أنباء آسيا إلى أنه "خلال فترة الاحتلال الفرنسي عام ١٩١٨ قامت فرنسا بهدم ٣٠ زاوية أثرية في مدينة بيروت، نظراً لاعتبار أن هذه المباني بنيت على أيادٍ عثمانية، حيث كان هدفها توجيه البناء إلى الطابع الفرنسي، كما قامت بهدم كل معلَم ديني أثري كالمساجد مثلاً". ويضيف الحلاق: "هناك زوايا أثرية عديدة في بيروت تحمل طابع عثماني وآخر تاريخي لم تتمكن الدولة الفرنسية من هدمها، كزاوية الإمام الأوزاعي التي تعود حقبتها إلى العهد الأموي والعباسي، والسراي الكبير الذي هو الآن سراي حكومي".

وأشار الحلاق إلى أن "الدولة اللبنانية تقوم بتسجيل كل مبنى أثري في سجل عقاراتها، وتمنع منعاً باتاً هدمه تحت طائلة المسؤولية ، كما أن المديرية العامة للآثار تملك بنداً في قانونها يحثّ على ضرورة إعادة ترميم وتأهيل المباني الأثرية؛ سواء كانت دينية أم حكومية أو غيرها".

ويضيف: "نحن نتفهم الوضع المتأزم والتقشفي في لبنان، ولكن على الدولة وضع جدول حماية الآثار من ضمن أولوياتها ". كما ولفت إلى "سماكة وصلابة البناء التراثي الذي يختلف كلياً عن البناء الحالي، وأكبر دليل على ذلك الإهراءات التي كانت موجودة في مرفأ بيروت، والتي امتصت ٣٠٪؜ من وهج الانفجار، بالإضافة الى البحر، وإلاّ كانت مدينة بيروت في خبر كان، وعدد الشهداء كان سيتخطى الآلاف ".

هناك قصصُ كثيرة خلف كل حجرٍ أقله يبلغ من العمر مئة سنة ، فمدينة بيروت شهدت الكثير من الاحتلالات والحروب والهدم، والأبنية الأثرية كنزٌ لا يفنى من الروايات والأحداث التاريخية، وعلى وزارة الثقافة إيجاد حلول مستدامة لحفظ ما تبقى من تاريخ بيروت التراثي، وتوقيف كل شخص يحاول تغيير هذا المعلم الثقافي للمدينة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4