لماذا يموت أطباء سوريا أو .. لماذا يموت السوريون؟

كتب علي حسون

2020.08.19 - 07:10
Facebook Share
طباعة

 يقول أحد الأطباء عن الكارثة التي تواجهها البلاد عبر استنزاف طاقمها الطبي "في سورية، كل أنواع الأمن هي في أعلى جاهزيتها، إلا الأمن المهني. لذلك يموت أطباؤنا، فيما المجتمع بأمس الحاجة إليهم. يموتون ويتركون فراغاً يصعب ملؤه. وشعوراً لدى السوريين بالخوف من القادم".
وحتى الآن، تم تسجيل وفاة 61 طبيباً في سورية، معظمهم من خيرة الأطباء السوريين. فيما إحصائيات وزارة الصحة "الغائبة عن الوعي" ما زالت تصر على أن مجموع من توفوا في سوريا هو 73 شخصاً!

واليوم، أعلنت جامعة دمشق عن وفاة 13 أستاذاً من كوادرها التدريسية، ما يعني أن عدد المتوفين بكورونا من الأطباء وأساتذة الجامعات وصل لوحده إلى 74طبيب وأكاديمي!.

كيف يمكن تفسير هذا الرقم، مقارنةً مع الأرقام الرسمية، والأهم؛ كيف يمكن تفسير وقوع هذا العدد من الوفيات في الجسم الطبي لوحده؟
لا بد من القول أولاً، إن السوريين لا يكترثون إلى بيانات أي جهة رسمية، ومنها وزارة الصحة، فيما هم يرون بأم العين، المئات من الضحايا الذين يتابعون نعواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حاراتهم وأماكن عملهم، فهم جيرانهم وأقرباؤهم وزملاؤهم في العمل، وبالتالي لا جدوى من الجدال حول الكذب الذي أصبح ملح المسؤولين السوريين؛ ليس فيما يخص كورونا فقط، بل وكل الشؤون الأخرى التي تحولت إلى سلسلة طويلة من الكذب، قرفها المواطن إلى حد الملل .

فيما يخص الوفيات بين الأطباء، ثمّة تفسيران أو "نظريتان": النظرية الأولى تفترض أن عدد الوفيات في سورية تجاوز الألف وفاة، وبالتالي فإن نسبة الأطباء المتوفين هي نسبة مقاربة للمعدل العالمي، أو أكثر بقليل، فالمعدل العالمي لوفيات الأطباء من العدد الكلي للوفيات هو 5% ، وفي الحالة السورية يبلغ 6% ، حسب ما يقول مؤيدو هذه النظرية.

أما التفسير، أو النظرية الثانية، فتقول إن عدد الوفيات بين الأطباء هي نسبة مرتفعة عما شهده العالم في معظم دوله، حتى لو كانت أرقام وزارة الصحة كاذبة - وهي كذلك-، والسبب برأي هؤلاء، هو أن الأطباء السوريين، وخاصةً أولئك الذين يقع على عاتقهم معالجة المرضى المصابين بالفيروس في المستشفيات الحكومية، متروكون بلا أي حماية فعالة، فلا أدوات وقاية توزع عليهم، ولا البيئة التي يعملون فيها محمية أو صالحة لحمايتهم، وليقوموا بعملهم كما يجب، حتى لو قاموا هم بحماية أنفسهم.

والدليل على ذلك، أحاديث العديد من هؤلاء الأطباء الذين أكدوا بأنهم يشترون من جيوبهم أدوات الحماية (الرداء الواقي والنظارات والكمامات)، ياللعار!، وهي ليست من النوعيات الأجود التي تقي تماماً من التعرض للفيروس، فيما يبدو أن أدوات الوقاية التي تتبجح الحكومة وممثلوها بتوفيرها، تذهب في اتجاهات أخرى ومسارب الفساد إياها، والتي تنخر أكبر وأصغر مؤسسة كما يعلم القاصي والداني في هذه البلاد.
فضلاً عن ذلك، يمكن إضافة سبب آخر - كما يقول أتباع هذه النظرية- وهو العدد الكبير من المرضى مقابل عدد متواضع من الأطباء، ما يعني أن الأطباء يتعرضون لهجمات أكبر من الفيروس، ما يضاعف احتمالات موتهم.

إذاً، - يقول أحد الأطباء - النتيجة هي أننا نموت من الفساد والإهمال، و لا يختلف الأمر كثيراً عما حصل في بيروت، مع فارق حجم المصيبة وهالتها، ففي لبنان سقط في دقيقة واحدة مئات القتلى وآلاف الجرحى، وتهدمت نصف مساحة العاصمة بسبب انفجار المرفأ الناتج عن تراكم الفساد لدى الطبقة السياسية في هذا البلد.
أما في سورية، فالموت هنا يأتي بالتدريج، وبدون جلبة، ولكن ضحاياه يسقطون كل يوم بكورونا وبغيره، وبأعداد تفوق ضحايا انفجار بيروت، والسبب أيضاً فساد لم يترك شيئاً لم ينخر فيه، فيما تغيب الخطط لاحتواء المرض، ويجد المواطن السوري نفسه عاجزاً عن توفير مستلزمات سدّ الرمق، وليس من سبيلٍ أمامه لأن يحصّن حياته، لأن وقته وجهده ودخله مرصودة كلها لخوض معارك الازدحام والانتظار والتصاق الأجساد وتراكبها، كما "شوالات" السلع من أجل الحصول على ربطة الخبز وفق بطاقة خبيثة.
ويحدثونك عن التباعد الاجتماعي، العناية بالنظافة والتعقيم، الاهتمام بالصحة وتعزيز المناعة بالغذاء الصحي، وكأنهم يسكنون كوكباً آخر، فأي جنون هذا؟

كيف تطالبون الناس بأن يتباعدوا، فيما كل قراراتكم مفصّلة لجمعهم كما شوالات السكر والرز "المدعوم" التي يتزاحمون بالمئات والآلاف للفوز بكيلو منها .

واليوم، وفي خضم حفلة الجنون المستمرة منذ تسع سنوات، لا تتعجبوا إذا ما علمتم بأن هؤلاء السوريين قرروا عدم التباعد، نكايةً بقراراتكم، ولا تصيبنكم الدهشة إذا ما عرفتم أنهم يتلاحمون ويتلاصقون قصداً، ولسان حالهم يقول "تعبنا من التباعد طيلة تسع سنوات، اتركونا نتلاحم ونتعاضد، على الأقل في الموت، ودعكم أنتم منا، تابعوا صفقاتكم وسياساتكم التي خربت هذه البلاد، ودعونا نحمل عبء الوباء مع بعضنا البعض"..

لن يكون خيالاً أن يمد السوريون رؤوسهم من قاع اليأس ليعلنوا: " اتركونا لمصيرنا .. أكتر من القرد ما مسخ الله".

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 7