عن العلاقة الملتبسة و.."القدرّية": إذا عطس لبنان أُصيبت سوريا بالزكام .. والعكس

علي حسون _ وكالة أنباء آسيا

2020.08.08 - 08:58
Facebook Share
طباعة

 لا ينفكّ القدر "التاريخي والجغرافي" يقدم الدليل تلو الآخر على أن لا فكاك بين لبنان وسوريا، حتى ليصحّ القول إنه إذا ما عطس لبنان أُصيبت سوريا بالزكام، والعكس صحيح .

لا داعي ربما للتذكير بكل المحطات التاريخية التي تؤكد على هذا المسار المتلازم (بعيداً عن لغة الشعارات والخطابات المحنّطة)، فمنذ ما قبل قيام دولة لبنان الكبير في عشرينيات القرن الماضي، وما بعده، تزاحمت الأحداث العسكرية والسياسية والاقتصادية، الكوارث والأوبئة والحروب الأهلية والخارجية، لتؤكد أن هذين الشقيقين اللدودين إنما هما في قلبها معاً، سواء أرادا ذلك أم لا، وسواء كان نظام الحكم فيهما على اتفاق أو خصام، وأن ما يحدث في لبنان سيؤثر على الشقيقة الكبرى، وبالمثل، ما يحدث في سوريا سيجد صداه في لبنان.

أحدث الأمثلة، هي الكارثة التي ألمّت ببيروت قبل أيام، حيث حصد انفجار ضخم في مرفأ بيروت عشرات الضحايا وآلاف الجرحى، وتدميراً شبه كامل للعاصمة.

وفي الشق الأكثر مأساوية من هذه الكارثة، وهو عدد الضحايا، ظهر أن ثلث الضحايا هم من السوريين، كما أعلنت السفارة السورية في بيروت، متحدثةً عن مصرع 43 سورياً في الانفجار "في حصيلة غير نهائية".

وهذا الرقم لابد سينحو بنا باتجاه السبب الكامن وراء هذا العدد الكبير من السوريين ضمن الضحايا، وهو ما يجد جوابه في العدد الكبير من اللاجئين السوريين في هذا البلد، هذا العدد الذي يخضع هو الآخر للعبة الشد والجذب في كواليس السياسة (إذ تقدره الأمم المتحدة بمليون لاجئ، فيما تصر جهات لبنانية على أنه يصل إلى 1,5 مليون وأكثر.)

ومع بدء انقشاع رماد الدمار في بيروت، سارعت أطراف لبنانية إلى إعادة فتح ملف النازحين السوريين في لبنان سواء بالعودة إلى تحميلهم جزءاً من مسؤولية الأزمات اللبنانية أو باستخدامهم كـ"ورقة تفاوضية" مع دول غربية عبر التلويح بفتح الأبواب أمامهم للجوء إلى أوروبا في حال تفاقم الانهيار اللبناني. وكان في هذا، سعي إلى تجاهل أن السوريين هم تماماُ كاللبنانيين ضحايا وجرحى ومفجوعون، وأن السوريين في لبنان وعلى رأسهم العمال سارعوا إلى رفع أنقاض الدمار كغيرهم من المتأثرين بالانفجار.

ويبدو أن الاستثمار في الحدث المفجع لا يقتصر على طرف دون الآخر، فمع تعرض مرفأ بيروت للدمار، يتحدث البعض في سوريا عن أن مرفأ اللاذقية قد يكون البديل الأفضل لمرفأ بيروت المدمّر، وهذا الحديث ليس في إطار الرغبات فقط، حتى مع وجود بدائل أخرى وإن لم تكن بنفس القوة ، فمرفأ طرابلس يمكن أن يتحمل جزءاً من مهمة التعويض؛ وإن لم يكن قادراً على تغطية كل الاحتياجات والإمكانيات التي امتلكها مرفأ بيروت قبل الانفجار.

لكن الجديد في هذا السياق هو العرض التركي في وضع مرفأ مرسين جنوب تركيا في تصرف لبنان، كما أعلن نائب الرئيس التركي اليوم من بيروت.

ومع ذلك، تشير المعلومات إلى أن ثمة رهان في دمشق وموسكو على أن يؤدي الدمار الذي لحق برئة لبنان، إلى أن يقع الخيار على مرفأ اللاذقية، ليكون بوابة لإيصال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والاقتصادية إلى سوريا ولبنان.

وتأتي المساعدات إلى سوريا حالياً عبر منفذين؛ الأول، باب الهوى على حدود تركيا، حيث بات المعبر الوحيد لنقل المساعدات عبر الحدود بعد ضغط روسيا في مجلس الأمن لإغلاق المعابر مع الأردن والعراق وتركيا، والثاني، مرفأ بيروت، حيث كانت تصل إليه المساعدات قبل نقلها براً إلى دمشق.

وقالت الأمم المتحدة إن دمار مرفأ بيروت سيؤثر سلباً على إغاثة سوريا. ويجري التفكير في حلول بديلة، وهناك من يدفع بأن يكون البديل مرفأ اللاذقية.

ويرى مراقبون أن موسكو تدفع في اتجاه استعمال مرفأ سوري لفتح كوّة في جدار العزلة. معتبرين أن هذا الخيار يعقّد مهمة دول غربية، تريد دعم لبنان بعد الكارثة، من دون التطبيع مع بيروت ودمشق، في وقت يسعى بعضها إلى زيادة الضغوط.

وبغض النظر عن إمكانية تحقيق هذا الهدف، في ظل هذه الضغوط الدولية على الحكومتين السورية واللبنانية، فإن كل الاحتمالات قد تبدو واردة ولكن كجزء من حل شامل في المنطقة، فهذا الملف هو مجرد تفصيل في كتلة ضخمة من الملفات الشائكة، والتي سيكون على القوى العالمية والإقليمية حلحلتها، وهو ما يعتقد مراقبون أنه غير ممكن في المدى المنظور، ولتبقى لعبة الشد والجذب هي السائدة، والاستثمار في الفاجعة مستمر ، فيما الخاسر الأكبر هو شعب البلدين في سوريا كما في لبنان.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4