الأزمة الاقتصادية ترفع نسبة الطلاق.. والعائلة اللبنانية في مهب العاصفة

وكالة أنباء آسيا - غنوة طعمة

2020.07.20 - 12:50
Facebook Share
طباعة

 
أقدمت السيدة سارة الحلاق، على طلب الطلاق من زوجها بعد تدهور الأحوال الاقتصادية، إذ لم يعد بالإمكان - حسب رأيها - الاستمرار في علاقة انعدم فيها الاحترام بسبب الخلافات اليومية حول كيفية تأمين لقمة العيش، فباتت لا تسمع من زوجها إلا كلمة: "أنا مش قادر وإذا مش عاجبك روحي عند أهلك".
وتؤكد سارة التي لم تنجب أولادا بعد، أن القدرة المادية واحدة من أهم أسباب الخلاف والنزاع في الحياة الزوجية، والحلول باتت مستحيلة في هذه الأيام الصعبة، وهي تتساءل عن وضعها في حال وجود أطفال، وبالتالي أخذت قرار الانفصال كي لا تزيد الأمور تعقيدا دون جدوى.
وحالة سارة هي مثال عن حالات عديدة، ساهم الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، في زيادتها حيث يمكن ملاحظة ارتفاع في نسبة الخلافات الزوجية، ووصول العديد منها إلى رفع قضايا طلاق أمام المحاكم، إذ وجدت غالبية العائلات اللبنانية نفسها في خضم أزمة مالية خانقة، أصبح تماسكها على المحك وباتت أمام تحد كبير لم ينجح في تخطيه العديد من العائلات.
وبعد ارتفاع الأسعار، وتدني الرواتب، وتدابير الحجر الصحي التي فرضتها التعبئة العامة بسبب فيروس كورونا وصولا إلى أزمة الدولار، التي أرخت بظلالها الثقيلة على كل المجتمع والأسر اللبنانية، بات الزوج لا يستطيع تلبية احتياجات عائلته الأساسية ناهيك عن الاحتياجات الكمالية أو شبه الكمالية، الأمر الذي أدى إلى نزاعات وخلافات بين الزوجين وصل العديد منها إلى طريق مسدود وبالتالي إلى اتخاذ القرار بالانفصال.
و يؤكد السيد مصطفى دوغان، وبعد أن توقف عن العمل بسبب الأزمة المالية، أنه لم يترك طريقة إلا ولجأ إليها لإيجاد حلول تمنع من وصول العائلة إلى التفكك، إلا أن الظروف كانت أقوى فوجد أن الحل الأنسب هو الطلاق إذ لم يعد بإمكانه تأمين الحد الأدنى من احتياجات عائلته الأمر الذي انعكس سلباً على علاقته بزوجته التي لم تتفهم الوضع وأصبحت تفتعل المشاكل يوميا مما أغرق المنزل في جو من المشاحنات وعدم الراحة والاستقرار.
وتبين الأرقام أن العديد من القضايا تصل إلى المحاكم الشرعية التي تنظر حاليا بمئات من دعاوى التفريق للشقاق والنزاع، ويقول الشيخ في المحكمة الشرعية السنية في شحيم أحمد علاء الدين، لـ "وكالة أنباء آسيا" إنه بحسب قضايا الطلاق التي ترفع في المحاكم الشرعية كل يوم، فإن أهم أسباب الطلاق خلال هذه الفترة الصعبة التي يمر فيها لبنان، تتركز على ضيق الوضع المادي، وسوء التعامل بين الزوجين، أحياناً من جهة الزوج وأحياناً من جهة الزوجة وأحياناً من الطرفين.
ولفت الشيخ علاء الدين إلى أن الأزواج في لبنان يعانون من ضغوطات كبيرة غير مسبوقة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وأزمة كورونا وتداعياتها، فالوضع المالي المتردي في لبنان، والارتفاع الجنوني في أسعار السلع، والارتفاع في معدلات البطالة جعلت الكارثة مضاعفة.
وحول معدلات الطلاق في لبنان، أكد علاء الدين أن نسبة الطلاق في لبنان هي أصلاً مرتفعة إذ بلغت ٢٠٪ مع نهاية العام ٢٠١٩، وهناك تخوف كبير لدى المحاكم حول مصير العائلات بعد ازدياد نسبة الطلاق بشكل كبير في ظل الظروف التي يمر بها البلد، إذ تقدم عشرات الدعاوى يومياً أمام المحاكم.
وفي هذا الإطار، أكد المحامي والناشط الحقوقي سامر حمدان، لـ "وكالة أنباء آسيا" أن ظاهرة الطلاق تزداد سنة بعد سنة، وذلك للعديد من الأسباب، لافتا إلى أنه من الطبيعي أن تختلط الأمور في أوقات الأزمات، ويزداد الضغط النفسي بسبب قلة الموارد والضيق المادي، الأمر الذي يؤدي في معظم الأحيان الى ارتفاع في نسبة الطلاق أو على الأقل إلى ازدياد في نسبة الخلافات والنزاعات بين الزوج وزوجته، وأضاف حمدان أن الأزمة الاقتصادية المستجدة التي يمر بها لبنان كانت السبب الأساس في الإقبال الملحوظ نحو دعاوى التفريق للشقاق والنزاع.
ويستطرد قائلا إن خطورة الطلاق في هذه الظروف تكمن في عدم امكانية المرأة تحصيل حقوقها باعتبار أن الرجل عاجز ماليا في ظل الأزمة المالية، خاصة إن كانت الزوجة غير عاملة وتطالب بحقوق شرعية ناتجة عن طلاق.
وللوقوف على الرأي النفسي والاجتماعي لهذه المشكلة، يرى الخبير النفسي محمد موسى أن الضيق المادي ينعكس بشكل سلبي على العلاقة بين الزوجين، فالأزواج عندما يتشاجرون حول إنفاق المال فهم لا يناقشون أمرا في متناول اليد، مثل المصروف العائلي كل شهر، بل إنهم بذلك يعبرون عن أحاسيس القلق اللاواعي المجهول بالنسبة لهم، وقد تكون هذه الأحاسيس لها علاقة وثيقة بحالة فقر عاشها أحد الشريكين خلال مرحلة ما من حياتهما، يسهم في جعله يكره إنفاق المال مثلًا أو يخاف أن يفقد المال لأي سبب من الأسباب.
ويؤكد الخبير النفسي موسى، أن نسبة الطلاق تتزايد حاليا بين الأزواج غير المتعلمين، والعكس صحيح حيث يحسن الأزواج المتعلمون إدارة الموارد الاقتصادية داخل الأسرة، ويشير إلى أن الزوجات اللواتي ينتمين إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة يقبلن أكثر على الطلاق من نظيراتهن اللواتي ينتمين إلى الطبق الثرية والمترفة، حيث يساهمن بشكل كبير في مصروف المنزل، الأمر الذي يجعلهن لا يخفن طلب الطلاق إذا لزم الأمر نظرا لاعتمادهن على أنفسهن.
وعلق قائلا أن على الجهات المعنية التحرك السريع لأن نسبة الطلاق تزداد بسبب الأزمة الاقتصادية، وبالتالي علينا التفكير بجدية في إيجاد حلول واقعية تؤدي إلى انخفاض نسبة الطلاق بين جيل الشباب على وجه الخصوص، لأن التجاهل أو التغافل عن هذه المشكلة الجوهرية في مجتمعنا اللبناني سيورثان تداعيات سلبية وانعكاسات خطيرة على المجتمع لا تحمد عقباهما.
ويعتبر موسى أن العامل المادي أساسي لوجود أسرة مستقرة وغيابه له انعكاسات نفسية خطيرة أولها على الأولاد، حيث سيعانون من إحساس بالظلم وعدم الاستقرار والحرمان وتصبح الحياة الأسرية صعبة ونتائجها مدمرة على الشخص والمجتمع لما قد يظهر عنها من سلوكيات خطرة".
ومع هذا الحال يحضر السؤال عن مصير العلاقات الاجتماعية، ومستقبل تماسك العائلة اللبنانية والمجتمع بشكل عام، مع استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان والتي لا تزال آفاق حلولها غامضة حتى الآن.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7