مشافي ضمن المنازل وصيدليات على هيئة بقاليات في ريف دير الزور

فاروق المضحي - خاص آسيا

2020.07.17 - 06:02
Facebook Share
طباعة

 أصبح على المريض في ريف دير الزور أن يحسب ألف حساب قبل أن يفكر بالتوجه إلى المشفى، فزيارة الطبيب أو المشفى أصبحت مشكلة تجلب الألم أكثر من المرض بحد ذاته، وبات يخافها الكثير من الأهالي في ريف دير الزور نتيجة الأخطاء الطبية المتكررة، إضافة إلى عدم وجود كوادر طبية في المنطقة التي فقدت بنيتها التحتية خلال سنوات الحرب، بعد أن عمل التحالف الدولي بقيادة أمريكا على تدمير كافة المشافي والمستوصفات والنقاط الطبية في ريف دير الزور الذي كان يخضع لسيطرة "د ا ع ش" قبل أن تأتي "قوات سورية الديمقراطية" وتفرض السيطرة على المنطقة .
مشافي خاصة بالجملة وغياب دعم "قسد"
تردي الأوضاع الطبية في المنطقة دفع الكثير من أبنائها إلى استثمار هذه النقطة وبناء منازل غير مطابقة لمواصفات المشافي، والتعاقد مع طبيب وافتتاح مشفى دون حسيب أو رقيب، حتى وصلت عدد المشافي والمجمعات الطبية الموجودة في المنطقة إلى أكثر من ٥٠ وهو رقم قياسي، وخصوصا أن الإجراءات والموافقات التي تفرضها "قسد" سهلت أعمال المشافي الخاصة في المنطقة، في ظل ضعف الإمكانات المتاحة، في حين أن عدد المشافي التي افتتحها "قسد" لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أما المراكز الصحية المفتتحة في المنطقة فأغلبها لمعالجة الجروح الطفيفة أو للقيام بحملات اللقاح الدورية .
ويقول (م ش) وهو موظف في أحد مشافي منطقة البصيرة لـ "وكالة أنباء آسيا" إن "جميع المشافي الموجودة في المنطقة تفتقر إلى الكثير من المقومات والمعدات الطبية، فهي أشبه بالمشافي الميدانية، وبعيدة عن الشروط الصحية، مما يجعل المريض بين نارين، القبول بالوضع أو تحمل المزيد من الألم، حيث تجد أن أغلب العمليات التي تقام في هذه المشافي هي أما ولادة قيصرية أو زائدة دودية أو إخراج رصاصة من جسد مصاب، مع غياب للعمليات الجراحية الكبرى، كالقلب أو تركيب الشبكة، نتيجة عدم توافر الأجهزة والأطباء، إضافة إلى عدم انطباق الشروط الطبية والصحية على غرف العمليات الجراحية المتواجدة في هذه المشافي.
المشافي الحكومية بديل للمرضى
من جهتها تقول (حسنة ف) وهي من أبناء مدينة الشحيل :" أعاني من مرض القلب، وقد بحثت طويلا عن العلاج في مناطق ريف دير الزور والحسكة، ولم يتمكن أي طبيب من تشخيص المرض بدقة، كما أنني كنت أحتاج إلى عملية، وبعد رحلة البحث الطويلة قررت التوجه نحو مناطق الدولة السورية لتلقي العلاج في مشفى الأسد الحكومي في دير الزور، وهذا ليس حالي فقط، فهناك العشرات من الحالات المرضية التي تتوجه إلى مشافي دير الزور أو دمشق نتيجة عدم وجود أطباء مختصين في المنطقة، فهناك الكثير من الأطباء ممن تخرجوا حديثا ووجدوا في مناطق "قسد" بديلا لهم عن التوجه لخدمة العلم، لذلك لا تجد الخبرة الكافية لديهم، وهناك أطباء لم يكملوا دراستهم يمارسون المهنة نتيجة غياب الرقابة الحقيقية عنهم .
المنظمات تتدخل وتسهم في العلاج
تعاقدت العديد من المنظمات الدولية التي تنشط في المنطقة مع بعض المشافي الخاصة لتخفيف الأعباء المادية عن الأهالي، عبر تقديم العلاج والمعاينة، وتقدم بعض العمليات مجانا، ويقول (مؤيد ع) أن زوجته أجرت عملا جراحياً وهو ولادة قيصرية في مشفى الشحيل التي تتعاقد معه المنظمة التي تكفلت بكافة الأمور المادية، كما تقوم المنظمات بتقديم اللقاحات للأطفال دون سن خمس سنوات مجانا، وذلك بالتعاون مع المراكز الصحية المتواجدة في المنطقة والتي تشرف عليها "قسد".
ولكن على الرغم مما تقدمه هذه المنظمات، إلا أن عملها مازال خجولا في المنطقة حيث تعمل القيادات الكردية في المنطقة إلى سحب كافة الدعم المقدم من المنظمات باتجاه مدينة الحسكة وريفها، مع إهمال واضح لمناطق ريف دير الزور التي باتت بحاجة إلى بناء مشافي حقيقة تكون قادرة على استقبال كافة الحالات المرضية مع ازدياد الكثافة السكانية فيها .
من صيدليات إلى بقاليات
يعاني الأهالي في المنطقة من ارتفاع أسعار الدواء بشكل مخيف، إضافة إلى عدم توفر معظم الأدوية في المنطقة، مما يضطر الأهالي إلى البحث عن وصفاتهم الطبية في محافظات أخرى لتأمين الدواء، ويقول (حميدي ج )وهو من أبناء منطقة هجين أن معظم الصيدليات تقوم بربط سعر الدواء بارتفاع الدولار، مما حولها إلى محلات سمانة، كما أن مناطق الريف تعاني من انتشار الأدوية المهدئة والتي لا تصرف إلا بموجب وصفة طبية بين شباب المنطقة، مثل ( ترامدول، سيدفين، زولام ) وغيرها الكثير من هذه الأدوية الممنوعة التي يجد فيها الصيدلي نوعاً مربحاً دون النظر إلى العواقب التي يمكن أن تلحق من يتناول هذه الأنواع من الأدوية، وكل هذه الممارسات أفقدت الصيدلية هدفها السامي في تلبية مطالب المرضى وحولتها إلى بقالية .
أما )علي خ) من أبناء منطقة الكسرة فيقول إنه "نتيجة الوضع المادي السيء وعدم القدرة على الذهاب إلى الطبيب يتجه معظم الأهالي إلى الصيدليات، وأنا أحدهم، ففي فصل الشتاء قمت بإحضار طفلي إلى الصيدلية، وبعد تلقي العلاج الذي وصفه الصيدلي بدأت حالة الطفل تسوء مما اضطرنا إلى السفر لدمشق، وتلقي العلاج المناسب في أحد المشافي الحكومية حيث تبين بعد الفحوص الطبية أنه تلقى جرعة دوائية خاطئة لا تتناسب مع جسده، ولعل حالة طفلي تلخص الوضع الطبي في المنطقة سواء صيدليات أو أطباء فالجميع بنفس المستوى.
مقارنة بسيطة بين ضفتي النهر
الوضع الطبي بشكل عام في مدينة دير الزور مازال دون مستوى الطموح سواء في مناطق "قسد" أو المناطق الحكومية، ولكن المشافي الحكومية وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات إلا أنها تلبي طموح المواطنين في الريف والمدينة، رغم وجود منغصات بأعداد الأطباء المختصين، وغياب بعض أنواع الأجهزة الطبية، إلى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للقطاع الصحي في المدينة، مما جعل القطاع الصحي يتراجع، إلا أنه وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمر بها يعتبر أفضل من الوضع الصحي في مناطق ريف دير الزور الشرقي الواقعة تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" بحسب تعبير عدد من أبناء المنطقة .
ومازال أهالي دير الزور يدفعون ضريبة الواقع الطبي المتردي، وفاتورة الأخطاء الطبية، وغياب البنى التحتية، والكوادر الصحية، ريثما يتم إعادة بناء وتأهيل وترميم ما دمرته الحرب.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1