غربة الفكر في المراكز الثّقافية

عادل شريفي

2020.07.08 - 11:40
Facebook Share
طباعة

 لا شكّ أن المراكز الثّقافيّة السوريّة ما زالت تكلّف الدّولة المليارات سنوياً، مراكز ثقافيّة في كلّ حيّ رئيسيّ، وبلدةٍ، وقريّة. منها ما حوّله الإرهاب في مناطق سيطرته إلى محاكم شرعيّة، أو إلى مراكز تجنيد، ومنها ما تمّ نهبه ومن ثمّ تدميره كاملاً أو جزئياً ليخرج خارج الخدمة في جميع الأحوال.

من ثمّ عادت الدّولة لتعيد تأهيل الكثير من تلك المراكز بمبالغ خياليّة في عزّ أزمتها، مجرّبةً المجرّب، ومتوقّعةً الكثير من القليل. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي جعل خطّة الدّولة في الاستثمار الثقافي فاشلة؟ وما الذي طمس معالم الثّقافة السوريّة في أقلّ من عشر سنوات؟ ومن بعد الماغوط والمدرّس وكيّالي ومينا وتامر وأدونيس وحيدر بتنا الآن نسمع أسماء لا تعطي انطباعاً محلياً حتّى، فهل أجدبت الأرض السّوريّة فكراً كما أجدبت زرعاً وضرعاً؟ ولم لم تصمد الأجيال الشّابة أمام موجات الفكر الأصولي برغم الدّعم الحكومي المهول للثّقافة على مدى عقود؟
في الحقيقة إنّ نظرة سريعة إلى جيل الخمسينات الذي أنجب أسماء سوريّة لمعت في مشارق الأرض ومغاربها، وأصبحت أيقونات إنسانيّة للإبداع العربي، تعرّفنا أنّها لم تكن بحاجة لتلك الميزانيات الضّخمة التي اعتمدتها الدّولة فيما بعد، وإنّما نشأت بميزانيات بسيطة شبه ذاتيّة، غير أن خطط الدّولة فيما بعد ربّما قضت على أجيال من المبدعين الذين لم يستطيعوا الحصول على فرصة في مراكز أعدّت خصيصاً لرعايتهم، وعلى عكس الدّور المناط بها، همّشت دور الفكر في المجتمع إن لم نقل هيأته لتقبّل فكر الإرهاب الذي انتشر كالنّار في الهشيم في الجغرافية السّورية ،التي كان من المفترض أنّها قلعة من قلاع الثقافة والتنوير! فما هي المشكلة؟
نستطيع أن نلخّص المشكلة في نقاطٍ عدّة أضعها على طاولة البحث للمهتمين:

1- لا يمكن أن ترتجي من موظّفٍ أن يكون منتجاً في مجالٍ ثقافي، فالثّقافة لا يمكن أن تكون وظيفة بأي شكلٍ من الأشكال، ويجب إعطاء سلطة القرار في المسألة الثقافية لأهل الاختصاص وحسب.

2- إفساح المجال للمبدعين الحقيقيين كي يعتلوا المنابر الثّقافية، وليس لأشباه المواهب الذين أفرزتهم طبقة من المنتفعين وعديمي الخبرة من موظّفي الفقرة الأولى.

3- إلغاء كلّ مظاهر الشلليّة الثّقافيّة التي تفشت في العقود الأخيرة والتي أدّت إلى نتائج كارثيّة على صعيد وأد الكثير من الوجوه الجديدة، واعتماد معايير الجودة والكيف وحدها في تصنيف أهل الفكر.

4- الاستعانة بالخبرات السّابقة لجيل المثقّفين الحقيقيين الذي تقاعد بأغلبيّته (مع أن الفكر لا عمر له) وهُمش وأقصي بشتّى الوسائل.
5- إفساح المجال للمبدعين السوريين الذين أثبتوا جدارتهم في بلاد الهجرة واللجوء (بغض النّظر عن توجّهاتهم السياسيّة، إذ ليس من المقبول أن نعفو عمّن حمل السّلاح، ونقصي من كان له رأي مخالف) لكي يأخذوا دورهم في العجلة الثّقافيّة السوريّة، لا أن نتخلّى عنهم ونحجب عنهم مواقعنا الثّقافيّة، أو أن نحاربهم أو نتوعّدهم.

6- تكريس الدّورات التّعليميّة والمحاضرات لذوي الخبرات، وتفعيل دورهم إلى الحدّ الأقصى وتوجيه الدّعم الحكومي كي يغطّي تلك النّفقات بسخاء، لا كما يُصرف الآن من مبالغ رمزيّة قد تكون مضحكة في أغلب الأحيان.

أخيراً، لا زال الوقت متاحاً لنا أن نتدارك ما فات، وبلدنا يمتلك من الإمكانيّات الثقافية والفكريّة ما يُبشّر بنهضة شاملة إذا تمّ تفعيل دور أصحاب الفكر كي يملؤوا الثّغرة التي فتحها الإرهاب في عقول أجيالنا، وحذارِ ثمّ حذارِ من موجة الإرهاب الثّانية.....

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1