المزيد من الإقفالات وصرف الموظفين: خطوة جديدة لمصرف لبنان بمفاعيل متأخرة

ربيع الويس_وكالة أنباء آسيا

2020.07.07 - 04:37
Facebook Share
طباعة

 تشير التقديرات إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت في لبنان لأكثر من 100 في المئة، بعد أن لامس سعر الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة، ما نتج عنه تسارعاً في وتيرة إفلاسات الشركات وصرف الموظفين، خصوصاً في المؤسّسات التجارية التي تعتمد بشكل مباشر على العملات الأجنبية لتمويل استيرادها.

هذا الوضع المتأزم، استدعى عقد اجتماع لخلية الأزمة التي شكلتها الحكومة اللبنانية، برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب ومشاركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم ونائب نقيب الصرافين محمود حلاوي. وقد أعلن المركزي في محاولة جديدة لوقف تدهور سعر الصرف عن البدء بإتاحة الدولار للمصارف التي ستحولها إلى الخارج لتمويل الاستيراد.

وبموجب ما تم التوصل إليه في الاجتماع، سيعمدمصرف لبنان إلى تأمين المبالغ اللازمة بالعملات الأجنبية تلبية لحاجات مستوردي ومصنّعي المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية والمستلزمات الطبية على أساس سعر صرف ثابت 3900 ليرة للدولار، على أن يقدم المستورد الطلبات للمصارف ويسدد قيمتها نقداً بالليرة اللبنانية إلى المصرف الذي سيسلمها بدوره إلى مصرف لبنان، ويحوّل هذا الأخير قيمتها بالدولار إلى حساب المصرف المعني لدى المصرف المراسل المعتمد لديه.

وستشمل السلة الغذائية المدعومة نحو 200 سلعة، من ضمنها السلع العشرون المعلن عنها سابقاً، تتوزع ما بين العدس والأرز والبرغل وغيرها من الحبوب، والسكر والشاي والقهوة والزيت ومساحيق الغسيل والمحارم الورقية، كذلك اللحوم ومشتقاتها والدجاج والحليب والفواكه والخضار.

إجراء يجده مراقبون كفيلاً بالتخفيف من الطلب المستمر لدى الصرافين، خصوصاً من جانب المستوردين الذين يسحبون من السوق يومياً كميات كبيرة من النقد الأجنبي لضمان استمرارية عملهم، ولكن في ظل حصر تأمين التمويل بالمواد الأساسية، قد لا تلقى خطوة المركزي ومن خلفه الحكومة الصدى المنشود.

فأزمة السيولة المرتبطة بفشل الحكومة حتى الآن القيام بإصلاحات حقيقية لوقف الهدر والفساد، والضغوط الدولية عليها ينذر بمزيد من التأزم.
ويرى مصرفيون أن من شأن خطوة المركزي أن تعيد إلى المصارف دورها الطبيعي، ألا وهو تمويل التجارة الخارجية التي توقفت في المرحلة الماضية بسبب أزمة السيولة وتراجع الكتلة النقدية بالعملات الأجنبية لدى المصارف.

كذلك، ينظم العمل ويخفف ولو بشكل جزئي من تداول الدولار النقدي في السوق السوداء، ولو أن السعر سيبقى متفلتاً ولن تستطيع خطوة المركزي ضبطه، بل إن الإجراءات الأخيرة لمصرف لبنان ليست كافية للحد من تراجع سعر الصرف في الأسواق الموازية والتي تؤثر في أسعار المواد الاستهلاكية في لبنان، كما يرى هؤلاء.

وكان استطلاع أجراه تطبيق"MySay" أظهر أن 67 في المئة من اللبنانيين يحمّلون الحكومة الحالية والسابقة مسؤولية الانهيار في ظل انعدام كامل للثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، ما يبرر التهافت والطلب الكبير على العملة الأميركية التي يعتبرونها ملاذاً آمناً.

وسجل مؤشر ثقة المستهلك اللبناني مع نهاية مارس - آذار أدنى مستوى منذ سبع سنوات ليستمر بالتراجع خلال أبريل – نيسان ومايو – أيار إلى مستويات قياسية متدنية لم تسجل منذ بدء احتساب المؤشر عام 2007.

وما يزيد من خطورة الوضع النقدي والمالي تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب الكباش السياسي والانقسامات الحادة بين أطراف السلطة، ما يؤشّر إلى أن شح السيولة سيزداد، وأن سعر صرف الليرة مرشح لمزيد من التراجع، على الرغم من المحاولات الخجولة لمصرف لبنان بإعادة الانتظام وتخفيف الضغوط في الأسواق.
خبراء اقتصاديون اعتبروا أن خطوة المصرف المركزي المتمثلة في إتاحة الدولارات للمستوردين عبر المصارف تحمل في طياتها إيجابيتين، ولكنها لن تحقق هدف الحكومة المنشود: الإيجابية الأولى أن هذه الخطوة ستخفف من الاقتصاد النقدي، وتعيد عمل القطاعات المصرفية التي تخضع لرقابة مشددة محلية وتنفّذ المطالب الدولية لناحية مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

أما الإيجابية الثانية فتكمن في أن هذه الخطوة تسهّل وصول المستوردين إلى حساباتهم وتحويلها إلى دولارات بسعر مدعوم وتحويلها إلى الخارج، ما يخفف من استنسابية الصرافين ويعزز الرقابة على الأموال المتاحة من مصرف لبنان.

لكن هؤلاء الخبراء يعتقدون بالتوازي أن هذه الخطوة لن تحل مشكلة انهيار الليرة واستمرار الضغوط على سعر صرفها، فالمشكلة الأساسية تكمن في حقيقة عدم دخول نقد أجنبي جديد إلى الاقتصاد اللبناني، لا بل بالعكس، النقد الأجنبي يخرج من لبنان، بالتالي من الدورة الاقتصادية، وأكثر من ذلك إن عمليات التمويل التي يتيحها المركزي للمواد الغذائية الأساسية على أهميتها هي استنزاف مستمر للاحتياطي النقدي بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان الذي بدأ استعمال الاحتياطي الإلزامي، وهو فعلياً ودائع الناس في المركزي.

ولا يبدو أن مفاعيل القرار ستكون سريعة، فوصول البضاعة المستوردة يستغرق ما بين شهر وشهر ونصف، ما يعني بحسب أحد الاقتصاديين أن قيمة السلع لن تنخفض مباشرة، بل ستبقى غالبيتها على السعر المضخم حتى تصل الدفعة المدعومة. مضيفاً أن الإشكالية الرئيسية في ما سبق أنها تأتي كـ"ترقيع" للمشكلة الرئيسية، وهي الاحتكار غير المعلن، لبضع شركات، لقطاع المواد الغذائية بحماية وغطاء رعاتها وشركائها السياسيين. وهو ما يتسبب في تثبيت الأسعار عند معدل معين أو رفعه وخفضه ساعة يشاء المحتكرون، بمعزل عن العرض والطلب. والمقدمة في ذلك كله هي إقرار قانون المنافسة، أو أقله تحديد وزارة الاقتصاد لهامش ربح التاجر عبر التحقق من أسعار هذه السلع في الخارج.

ويعيش القطاع التجاري اللبناني في أسوأ حالاته اليوم، حيث تشير التقديرات إلى أنه منذ نهاية عام 2011 حتى أكتوبر - تشرين الأول من عام 2019 انخفضت المبيعات بنسبة وسطيّة هي 40 في المئة، أما فترة ما بين أكتوبر- تشرين الأول 2019 وحتى مارس- آذار من عام 2020 فنسبة انخفاض المبيعات بلغت 70 في المئة.

وخلال النصف الأول من العام الحالي، بلغت نسبة الإقفالات النهائية 25 في المئة من المحال التجارية في بيروت والمناطق، بينما تشير التوقّعات إلى أنه حتى أواخر عام 2020، ثلث المحال فقط سيبقى مفتوحاً. يضاف إلى ذلك أنه خلال التعبئة العامة لمواجهة كورونا تراجعت نسبة المبيعات 100 في المئة، إذا استثنينا المأكولات والمشروبات والمعقّمات وأدوات التنظيف، فقد انخفضت القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، وتراجع العرض بسبب عدم قدرة التجار على تحويل الأموال إلى الموردين في الخارج في ظل الظروف المالية والمصرفية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5