محافظة دمشق تُشرد ألف عائلة بحجة "نقص في الموازنة "!

حبيب شحادة - وكالة أنباء آسيا

2020.07.06 - 05:12
Facebook Share
طباعة

 فوجئ الموظف محمد. ع (37 عاماً) بفصله من عمله كموظف موسمي في محافظة دمشق. محمد العامل منذُ عام 2014 أصبح اليوم بدون أي دخل يُعيله وأسرته المكونة من 7 أشخاص.
على وقع أزمة معيشية خانقة، وارتفاع أسعار غير مسبوق، أقدمت محافظة دمشق على فصل 1000 عامل موسمي بحجة زيادة رواتبهم الشهرية بعد الزيادة الأخيرة للرواتب بتاريخ 21/ تشرين الثاني/ 2019. والتي جعلت الحد الأدنى للأجور 47675 ليرة.
يقول محمد لوكالة "آسيا" " كنت أعمل بعقد موسمي منذُ 6 سنوات، وأتقاضى راتب بمقدار 16 ألف ليرة قبل الزيادة الأخيرة التي جعلت راتبي حوالي 46000 ليرة". ويضيف أن محافظة دمشق حرمته اليوم مصدر رزقه الوحيد، في توقيت لا يراعي الظروف التي تمر بها البلاد.
العمل الموسمي.. بالقانون
ينظم الاستخدام المؤقت في الجهات العامة الحكومية المادة 146- من القانون 50 لعام 2004 الناظم للوظيفة العامة التي تنص على " يجوز للجهة العامة، وضمن حدود الاعتمادات المرصدة في الموازنة لهذا الغرض استخدام عمال مؤقتين ـ على أعمال مؤقتة بطبيعتها ـ أو موسميين أو عرضيين".
ونص القانون أيضاً على أنه "لا ينقلب الاستخدام المؤقت أو التعاقد الجاري وفق أحكام هذا الباب، إلــى استخدام دائم ـ وذلك مهما مدد أو جدد وفقاً للمادة 148". والتي أضافت " تنتهي مفاعيل الصكوك والعقود المشار إليها في هذا الباب بانتهاء المدة المحددة فيها. ولا يجوز الاستمرار في تنفيذها بعد ذلك، إلا إذا جددت أو مددت أصولا".
وفاقم المشكلة أن الاستخدام المؤقت تحول في أغلب الجهات الحكومية إلى دائم لأكثر من ثلاثة أشهر بِفعل التجديد المستمر لتلك العقود ولسنوات طويلة. ما خلق عبئاً إدارياً على تلك الجهات تحول لعبء مالي بعد زيادة الرواتب الأخيرة في تشرين الثاني من العام الماضي.
والاستخدام المؤقت يكون عبر صك نموذجي يصدر بقرار من الجهة صاحبة الحق بالتعيين بناء على المادة 146 من القانون 50. وتعتبر تلك الجهة فريق أول والفريق الثاني هو العامل.
ألف عامل شٌرّد
بقرار واحد أقدمت محافظة دمشق على تشريد ألف عامل، عبر فصلهم من مكان عملهم في مديريات المحافظة بحجة الكلفة المالية العالية لرواتبهم. وذلك بحسب إفادة نائب المحافظ أحمد النابلسي لوسائل إعلامية محلية بقوله "كتلة الرواتب التي تحتاجها هذه العقود الآن، لا تساوي ربع الكتلة المخصصة لهم ضمن الموازنة".
وكانت الحكومة السورية أصدرت قراراً بإلغاء تلك العقود دون توفر بديل عنها، نص على وقف العمل بنظام العقود الموسمية بتاريخ 31/12/2019.
لكن محافظة دمشق لم تطبق القرار بحق هؤلاء العاملين والبالغ عددهم 1600 عامل إلا منذ يومين، حيث فصلت ألف عامل وأبقت على ال 600 الأخرين. دون وجود معايير واضحة لتقييم العاملين واختيار الأنسب منهم، فيما نفى نائب المحافظ النابلسي هذا الأمر، حين قال "حاولنا انتقاء الموظفين المميزين في كل مديرية والذين يعملون بشكل جدّي". وهنا لا نعلم ما هو مؤشر القياس للموظف المميز الذي اعتمدته المحافظة؟
وفي هذا السياق، يرى المحامي عدنان الربيع أن رئاسة الحكومة خالفت القانون 50 لعام 2004 بتمديد تلك العقود بشكل غير قانوني، وذلك من خلال استمرار أصحاب تلك العقود الموسمية بالعمل لسنوات طويلة، دون تثبيتهم كعمال دائمين وتسوية وضعهم الوظيفي، ودون إنهاء عقدهم ذو الثلاثة أشهر بعد انتهاء مدته.
العقود الموسمية.. فُرص عمل للفئات الهشة
ويقول الربيع في حديثه لوكالة "آسيا" "إنّ الخيار الأفضل هو إعادة تنظيم عقود ٣ أشهر كجزء من واجب الدولة في الاهتمام بالمواطن (فرص عمل ووسيلة معيشة) وليس فصل هؤلاء العاملين، لكن بإجراءات تضمن عدم استغلال تلك العقود من قبل البعض (كالعقود الوهمية)".
ويشير الربيع إلى أن الغاية من تلك العقود توفير فرص العمل للفئات الهشة في المجتمع، أو لطلاب الجامعات من المحتاجين إليها كي يتمكنوا من إكمال تعليمهم. وهي تدخل في إطار المسؤولية المجتمعية للدولة.
لكن تحولت تلك العقود إلى مشكلة إدارية تخلصت منها الحكومة دفعة واحدة، وذلك عبر إصدارها تعميما بإلغائها دون النظر أو التفريق بين حالة وأخرى، وهذا ما حدث مع موظفي العقود بالمحافظة وفقاً للربيع.
وهنا يشير محمد (الموظف المفصول) إلى أنه كان ملتزما بالعمل دون انقطاع، ولم يُقيّمه أحد، وبأنّ من بقي على رأس عمله من العقود الموسمية ليس أفضل منه. ويقول، اليوم "كيف أُطعم أولادي؟ كيف أتدبر أموري الحياتية، بعد فصلي دون سابق إنذار"؟
محمد ليس الأول ولا الأخير الذي قد يتعرض لفصله من العمل. حيثُ مرت شهور على القرار الحكومي المتعلق بوقف العمل بنظام العقود الموسمية، حتى طبقته محافظة دمشق، وربّما تطبقه جهات أخرى في المستقبل.
كما لا يختلف الوضع في مؤسسات حكومية أخرى عما حصل في محافظة دمشق. حيث فُصلت عقود المياومين في المؤسسة السورية للتجارة. وكذلك في وزارة العدل، وذلك بعد صدور قرار الحكومة بوقف العمل بنظام العقود الموسمية.
من جهته يرى خبير الموارد البشرية د. عبد الحميد الخليل في حديثه لوكالة "آسيا" أنّه كان هناك استغلال من ذوي النفوس الضعيفة للعقود الموسمية، حيث كان يتم التعاقد مع أشخاص لا يداومون حتى ساعة واحدة ويتقاضون رواتب دون أي مقابل (عمل) وهذه تتم لمحسوبيات معينة. وربّما هذا ما أثر على بقية العاملين من فئة العقود الموسمية الذين كانوا ملتزمين ويعملون.
ويعلّق الخليل على قرار إلغاء العقود بمحافظة دمشق بالقول " اليوم بعد الزيادة الأخيرة للرواتب وارتفاع سقف الفئة الأخيرة لحدود ال 40 ألف ليرة، أصبح هذا الأجر مُغرّي لبعض المستغلين لمثل هذه العقود، ما استدعى إلغائها، إضافة لأنها تتطلب كتلة مالية يجب على الحكومة توفيرها".
ويقترح الخليل لضبط تلك العقود القيام بإجراءات تضمن عدم تكرار الاسم أو وجوده بأكثر من جهة عامة كما كان يحدث. وضبط آلية التعيين عبر العقود بضوابط قانونية واضحة بدلاً من الاستغناء عنها خصوصاً في ظل نقص العمالة التي تعاني منه مؤسسات القطاع العام.
يُدرك محمد فداحة ما حل به جراء خسارته لوظيفته، ودخله الوحيد، في بلد يعيش حربا منذ تسع سنوات دون قدرته على تأمين فرصة عمل أخرى في ظل سوق عمالة يعاني قلة التوظيف وقلة توفر فرص العمل، وفي ظل ارتفاع أسعار قضى على مدخرات أغلب الأسر السورية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 3