ظريف، "المحنّك المبتسم" في مواجهة "المتشددين"

سامي شحرور

2020.07.06 - 07:12
Facebook Share
طباعة

 
 
 
كتب محمد جواد ظريف في مذكراته المنشورة عام 2013 بعنوان "السيد السفير” يقول "في الدبلوماسية، عليك أن تبتسم دائما.. ولكن لا تنس أبدا أنك تتحدث مع عدو".
ظريف المبتسم، استخدم كياسته ومعرفته بالغرب للمساعدة في التوصل إلى الاتفاق النووي التاريخي مع القوى العالمية عام 2015، وهو الاتفاق الذي استشرست إسرائيل في محاربته والتأليب عليه، فكان لها ما أرادت مع وصول دوناد ترامب إلى البيت الأبيض.
إذاً، هل يمكن أن تستنفر إسرائيل كل قواها وجهودها لإسقاط هذا الاتفاق لو كان ضد مصلحة إيران؟
بالطبع لا، فظريف الهادئ يبتسم في وجه عدوه، لكنه لا يتنازل أبداً عندما يتعلق الأمر بمصلحة إيران العليا وأمنها وقوتها وكذلك مصلحة أصدقائها وحلفائها.. هكذا يقول عارفوه وأصدقاؤه كما أعداؤه.
لكن شخصية ظريف الجذابة لم تكن كافية قط لتحييد رجال الدين المحافظين الذين اتهموه حينها ببيع القضية الإيرانية. وهددوه بالإيذاء الجسدي عند توقيع الاتفاق في أعقاب سنوات من المفاوضات المضنية، لكن الأمر مضى وانقضى وتم توقيع الاتفاق، إلى أن جاءت الانتخابات الأمريكية بالرجل الأكثر جنوناً في تاريخ أمريكا، دونالد ترامب.
مع ذلك يصرمحمد جواد ظريف على صوابية موقف إيران وتوقيعها على الاتفاق النووي فيقول لمنتقديه: الاتفاق النووي فُرض على أمريكا.. والتاريخ سيؤكد أنه وثيقة فخر لإيران".
هجوم "محافظ" ..
اليوم يواجه ظريف هجوماً آخر من المحافظين أنفسهم تحت قبة البرلمان، وهذه المرة اتهموه ببيع سيادة إيران لبلد آخر لطالما عرف بأنه صديق لإيران، حيث وصف نواب إيرانيون وزير خارجية بلادهم محمد جواد ظريف أثناء حديثه داخل البرلمان بأنه "كاذب".
وقال نواب متشددون لظريف "أنت كاذب"، وذلك ردا على ما وصلت إليه حال البلاد من انتكاسات سواء اقتصادية أو سياسية بسبب العقوبات والاتفاق النووي أم بسبب جائحة كورونا.
وقال عضو البرلمان جواد كريمي قدوسي ومعه عدد من النواب "الموت للكذاب".
وكان ظريف يقول وسط صيحات استهجان إن إيران تبحث مع الصين اتفاقية شراكة استراتيجية لفترة طويلة وهذا "ليس سرا" وأضاف "بثقة واقتناع نتفاوض مع الصين بشأن اتفاق استراتيجي لـ 25 سنة" يتعلق باستثمارات في قطاعات مختلفة.
وأضاف ظريف إن "الدبلوماسية في إيران تصب في خدمة المقاومة"، داعياً إلى إبعاد وزارة الخارجية عن الصراعات والخلافات السياسية داخل إيران.
وبيّن ظريف "العدو لا يفرق بين التيارات في إيران بين إصلاحي ومحافظ، فهو عدو للجميع، وإن الولايات المتحدة تريد نزع الشرعية من النظام وخلق فجوة بينه وبين الشعب الإيراني".
ونفى ظريف وجود أسرار وخفافيا في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين والتي تمتد لنحو 25 عاماً، مبيناً "كنت ألتقي قائد فيلق القدس الشهيد الجنرال قاسم سليماني كل أسبوع لتنسيق التعاون في المنطقة وكل ما فعلناه كان مشتركًا".
وتعرض ظريف لموجة انتقادات داخل البرلمان الإيراني وسط شعارات رفعت ضده، فيما حاول ظريف مغادرة البرلمان إلا إنه واصل كلمته بطلب من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد حذّر مؤخراً من "اتفاقية سرية" قال إنه "يتم التفاوض عليها بعيدا عن أعين الشعب الإيراني" لمدة 25 عاما مع دولة أجنبية".
وأفاد موقع "دولت بهار" التابع لأنصار أحمدي نجاد، في تقرير أن الرئيس الإيراني السابق أكد أن "أي اتفاقية سرية ودون الرجوع إلى إرادة الشعب الإيراني مع أطراف أجنبية يتعارض مع مصالح الدولة والأمة، تعتبر غير شرعية ولن تعترف بها الأمة الإيرانية".
وجاءت انتقادات أحمدي نجاد خلال كلمة له في مقاطعة جيلان، شمال البلاد، حيث قال: "لقد سمعت أنهم يتفاوضون ويريدون توقيع اتفاقية جديدة لمدة 25 عامًا مع دولة أجنبية دون علم أحد".
ماهي بنود الاتفاقية؟
تسعى الحكومة الإيرانية وعلى رأسها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته إلى الاستفادة من الضغط الأميركي لتنويع الخيارات، بغية فتح منافذ جديدة للاقتصاد الرازح تحت سياسة العقوبات. وهو ما ترجمته بكين وطهران أخيراً باتفاقية تعاون استراتيجي لمدّة 25 عاماً، يتوقّع خبراء إيرانيون أنها ستجعل من بلادهم الحليف الأوّل للصين في المنطقة
ووافقت الحكومة الإيرانية على مسودة خطة التعاون مع الصين يوم 21 يونيو/حزيران، وذلك بحضور الرئيس الإيراني، حيث تم بموجبها تكليف وزارة الخارجية بالتوصل إلى اتفاق مع الجانب الصيني بشأن تفاصيل الخطة وإعداد النص الأصلي للتوقيع بين البلدين. و بدأ الحديث الجدّي حولها مطلع العام الماضي، عندما زار وفد إيراني الصين، مكوّن من رئيس البرلمان، ووزراء الخارجية والنفط والاقتصاد والمالية، ورئيس البنك المركزي.
مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، وبعد مباحثات أجراها ظريف في بكين أواخر آب/ أغسطس، أوردت مجلة «بتروليم إيكونومست» معلومات عن اعتزام الصين استثمار 280 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية. ونقلت المجلة المتخصصة في شؤون الطاقة عن مصدر رفيع على صلة بوزارة النفط الإيرانية قوله إن هذا الاتفاق تم تأكيده خلال الزيارة المذكورة لظريف. كما أفادت المجلة بأن الصين تعهّدت باستثمار آخر قوامه 120 مليار دولار في قطاع النفط والبنى التحتية الصناعية في إيران. كذلك، تناولت وكالة «تسنيم» الإيرانية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، الاتفاقية، موضحة أنه سيتم تنفيذ مشروع لمدّ خط سكة حديدية بطول 900 كلم بين طهران ومشهد، وإقامة قطار فائق السرعة بين طهران وقم وأصفهان، إلى جانب تطوير شبكة السكك الحديدية في البلاد.
يشرح مصدر إيراني مطلع على ملفّ العلاقات مع الصين أن الهدف من الاتفاقية هو "تطمين الصينيين أن إيران ستستمر بالتعاون معهم حتى لو حلّت خلافاتها مع الدول الغربية، وأنها تستطيع أن تحسب الصين حليفة لها". ويوضح أن أقل ثمار هذه الاتفاقية هو أنه بمجرد أن يبدأ تنفيذها ستقوم الصين بشراء كميات أكبر من النفط الإيراني، ويتم الدفع على نحو: ثلثي الثمن نقداً والثلث الآخر بشكل سلع و بضائع وخدمات. ويضيف المصدر: ستبدأ الصين بتنفيذ مشاريع اقتصادية أو الاستثمار بمشاريع بنى تحتية من شأنها فتح مجال لعمل الملايين من الإيرانيين، وستصبح إيران مركزاً لمصانع صينية كبرى توزّع بضائعها في الشرق الأوسط و غرب وشمال غرب آسيا، بدلاً من أن يتم إرسال البضائع من الصين". أمّا أهم الأبعاد الاستراتيجية للاتفاقية، فهي، بحسب المصدر، أن إيران "ستصبح محطة أساسية لطريق الحرير الجديد الصيني".
لا يبدو أن مكاسب إيران من هذا التعاون مقتصرة على الجانب الاقتصادي، فالموقف الصيني الذي اصطفّ إلى جانب إيران في اجتماع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لم يكن، منفصلاً عن المحادثات الثنائية التي جرت قبل اجتماع مجلس حكّام الوكالة قبل أسبوعين. بالبناء على هذا الموقف من قبل الصين، يُرجّح بحسب مراقبين أن تستخدم بكين حق النقض الفيتو في مجلس الأمن إذا ما حاولت واشنطن إمرار قرار أممي بتمديد حظر التسلح الدولي المفروض على طهران والمقرّر انتهاؤه وفق القرار 2231 في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل.
ورغم كل ما سبق، لا يبدو المحافظون في سبيلهم لتسهيل تمرير هذه الاتفاقية، فأحمدي نجاد شبّه هذه الاتفاقية بنص الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية في مجلس الأمن، معتبراً أن الاتفاقية مع الصين تتعارض هي الأخرى مع مصالح الدولة والأمة، وتعتبر غير شرعية ولن تعترف بها الأمة الإيرانية".
إلا أن ظريف الذي يوصف بالفارس المبتسم والديبلوماسي الماهر، سيجد كما يرى مراقبون الطريقة لإنفاذ هذه الاتفاقية التاريخية مع الصين، والتي ستنقل إيران إلى مستوى أقوى في مواجهة أمريكا وعقوباتها وحصارها.
فالرجل المحنك ديبلوماسياً هو أيضاً بارع في مواجهة خصومه كما في حماية مصالح إيران . ويبدو أن كلماته المتحدّية في البرلمان تؤكد على ذلك، حين قال لمنتقديه "الدبلوماسية في إيران تصب في خدمة المقاومة".
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1