لماذا وجه الرئيس السوري رسالة مكتوبة لحزبه؟وما اثرها على الليرة؟

2020.06.16 - 07:15
Facebook Share
طباعة

 لا نعرف الأسباب التي دفعت بالرئيس السوري بشار الأسد عن العدول عن القاء خطاب مباشر، مثلما اشارت بعض التسريبات، يخاطب فيه الشعب السوري لتبديد العديد من الشائعات وفضح الحرب النفسية التي تتعرض لها بلاده مع قرب تطبيق قانون قيصر، وساهمت في تفاقم الازمة الاقتصادية، والاكتفاء بتوجيه رسالة مكتوبة الى كوادر حزب البعث قبيل انتخابات مجلس الشعب يوم 19 تموز (يوليو) المقبل

 
ولكن ما نعرفه، او نستطيع استخلاصه، من بين سطور هذه الرسالة ان هناك توجها يطل برأسه بقوة نحو التغيير في النهج والأسلوب نأمل ان يكون مستداما وجذريا، واكثر عمقا من كل الوعود السابقة في هذا المضمار.
 
الرئيس الأسد مارس نوعا “نادرا” من “النقد الذاتي” عندما اعترف في رسالته المكتوبة هذه “بارتكاب حزب البعث الحاكم أخطاء خلال مسيرته مما ادى الى تراجع دوره في بعض المراحل”، وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما وضع اصبعه على الجرح بقوله “ان هذه الأخطاء تسببت في تغييب الكوادر ذات الكفاءة عن ممارسة حقها وواجبها في الترشح والانتخاب والمشاركة في إيصال القيادات في مؤسسات الدولة الوطنية المنتخبة”.
 
اللافت ان هذا النقد الذاتي جاء بعد بضعة أيام من عزل السيد عادل خميس، رئيس الوزراء من منصبه كرد على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتعيين حسين عرنوس وزير المالية مكانه، وقرب البدء في تطبيق قانون قيصر وكأن الرئيس الأسد يريد ان يقول ان هذا التغيير هو بداية التحول الجديد الذي سيكون عنوان المرحلة المقبلة وكل تحدياتها.
 
***
 
ربما يجادل البعض بأن تقدم “السحيجة” والمنافقين، والفاسدين الى الصفوف الامامية، سواء في الحزب او في مؤسسات الدولة، هو الذي أدى الى حدوث الأخطاء المذكورة آنفا وابرزها تقدم هؤلاء على حساب الكفاءات، واحتلالهم المواقع الرئيسية، ولعل انشقاق بعض هؤلاء في بداية الازمة، ونقلهم البندقية من كتف الدولة الى كتف “المعارضة” في انتهازية واضحة، وطمعا بالعشب الأكثر اخضرارا في الناحية الأخرى، مثلما يقول المثل الإنكليزي، احد ابرز الأمثلة في هذا الصدد، فلم يكن مفاجئا ان من بين هؤلاء المنشقين رؤساء وزارات ووزراء، وسفراء، وقادة كبار في المؤسستين الأمنية والعسكرية، واقارب من “عظمة” رقبة النظام، حصل بعضهم على ثمن انشقاقهم مقدما.
 
“ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي ابدا”، والاعتراف بالخطأ فضيلة، فالدولة السورية تواجه اكبر تحديين في تاريخها، الأول: فيروس كورونا، والثاني الازمة الاقتصادية التي يعود تفاقمها الى أسباب عديدة ابرزها القانون الأمريكي (قيصر)، وعقوباته التي تريد عرقلة عملية إعادة الاعمار، وتجويع الشعب السوري، بالإضافة الى التحدي الاكبر المستمر منذ تسع سنوات، وهو المؤامرة التفتيتية للوحدتين الترابية والشعبية السورية.
 
ولعل نجاح الحكومة السورية في تطويقها السريع لازمة تراجع أسعار صرف الليرة السورية بسبب المضاربات الداخلية والمؤامرة الخارجية، وتحسنها من 3000 ليرة الى حوالي 2000 ليرة مقابل الدولار هو مؤشر اولي على تعاف اقتصادي، يأمل الكثيرون في الداخل السوري ان يتطور في الايام والاسابيع القليلة القادمة.
 
استخدام سياسة القبضة الحديدة ضد المضاربين، وبعض رجال الاعمال المحسوبين غاليا على النظام، ومصادرة مئات الملايين من الدولارات، لعب دورا كبيرا في الاستقرار النسبي الذي تعيشه العملة الوطنية السورية في الأيام القليلة الماضية، ولكن المأمول ان لا يتم استبدال رجال الاعمال المتهمين بالفساد وجرى قصقصة اجنحتهم، بآخرين من الصنف نفسه، وربما اكثر سوءا فسادا، فهذه ظاهرة يجب ان يتم إقتلاعها من جذورها كشرط أساسي اي تقدم وتعاف في سوريا، والمسؤولون السوريون يعرفون جيدا ماذا، ومن نقصد.
 
الغالبية من رجال الاعمال في سوريا كونوا ثرواتهم الضخمة بسبب الفساد، وحماية الدولة، او بعض رجالها، وتفشي المحسوبية، ومعايير الولاء الزائف، وحان الوقت لإعادة هؤلاء الملايين من الدولارات التي جرى نهبها الى خزينة الدولة وعرق الشعب، والوقوف بالتالي في خندق الدولة السورية، خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تتعاظم فيه المؤامرة، ويصبح اكثر من 80 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.
 
الشعب السوري الذي تحمل الكثير من المعاناة طوال السنوات الماضية، يحتاج أيضا الى التفاتة من حكومته وقيادته، خاصة انه اثبت اعلى درجات الولاء والانتماء والحفاظ على وحدة بلاده الوطنية، وهذا الشعب يملك العديد من الكفاءات “غير الحزبية” التي تستحق ان تكون في الصفوف الامامية أيضا، لانه كان يقدم كل هذه التضحيات انطلاقا من واعز وطني مجانا ودون أي مقابل.
 
***
 
نحن على ثقة بأن الدولة السورية التي صمدت وقيادتها وجيشها العربي طوال السنوات التسع الماضية في وجه مؤامرة التقسيم والتفتيت التي تقف خلفها قوى عظمى، عالمية وإقليمية، مدعومة بمئات المليارات من الدولارات، وطابور خامس داخلي وخارجي، ستتجاوز هذه المحنة شريطة ان يستمر الإصلاح الداخلي والمراجعات النقدية الذاتية ومحاسبة الفاسدين وما اكثرهم، والاعتراف بالأخطاء وتكريس روح التسامح والتعايش والمساواة باعتبارها كلها، مجتمعة او متفرقة، اقصر الطرق للإصلاح الحقيقي المنشود.
 
سوريا ستنتصر على قانون قيصر، وستهزم كل الذين يقفون خلفه، لانها ليست لوحدها، وتستند الى محور مقاومة صلب، كسر كل الحصارات والعقوبات المماثلة، وابطل مفعولها، ووظفها في تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصاديا وعسكريا، وحقق التوازن والردع الاستراتيجيين، والدرع الدفاعي، عبر ترسانة من الأسلحة المتقدمة والدقيقة.. جميع الغزاة وعلى مدى 8000 عام اندحروا مهزومين، ومهانين، وبقيت سوريا شامخة.. والأيام بيننا.
 
العالم
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4