أوهام مردود القنب: تحشيشة "أرقام" توازي سلسلة الرتب والـ 900 ألف وظيفة

عامر ملاعب

2020.04.24 - 08:48
Facebook Share
طباعة

 لا يتوقف هذا "اللبنان" عن الدوران في الفراغ، ولا تغيب عن كل تفصيل في يومياته أفعال المافيات والعصابات المنظمة، وآخرها يوم أمس إقرار المجلس النيابي لتشريع يسمح بزراعة القنب الهندي في منطقة البقاع الشمالي وايهام الناس بالمنّ والسلوى.
منذ نحو ثلاثة أعوام خرج "موظف" بصفة خبير اقتصادي بتصريح عجيب "تشريع زراعة القنب الهندي "الحشيشة" يعطينا مردود بحدود مليارين ونصف مليار دولار وبالتالي يساهم في إطفاء الدين المتراكم...". هذا التصريح لأحد رجالات النظام اللبناني، وربيب حاكم المصرف وشلة المصارف وأذرعه الاقتصادية، يلخص حال الجمهورية المهترئة التي تتعامل مع الأرقام بالارتجال والنزق وتغيب الدقة عن مشاريعها كي تهرب الى الأمام ضمن سلسلة زراعة الوهم والغش الموصوف، الا ما يتعلق بمصالحها ونهبها.
أولاً ومن حيث المبدأ كان من واجبات هذه الدولة تشريع وقوننة زراعة القنب منذ مطلع الاستقلال، وهي النبتة التي بدأت زراعتها منذ عام 1920، وهي لا تزال تُزرع وتُباع وتُصدّر، في غياب القوانين المشرّعة، وتصل عقوبة الاتجار فيها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
ومن حيث المبدأ سنمتنع عن سؤال لماذا الحماسة الآن وهنا وفي البقاع الشمالي بالتحديد بعد نهاية، او شبه نهاية الحرب السورية وبيئة حزب الله الحاضنة وغيرها من التساؤلات العشوائية والمنظمة، بل سنتجه ناحية الشك بكل ما يخرج عن السلطة الحاكمة في لبنان حتى وان كان من قبيل النية الصادقة.
وتصريح الخبير شكل اشارة الانطلاق من العام 2017 ومن ثم جاء تقرير "ماكنزي" الذي نصح ووجه لضرورة تشريع هذه الزراعة، وأرفقت بحملة توهيم وترقيم عن الخلاص القادم للبلد من وادي "شيحين" الهرملاوية "الحشيشة ستطفئ ارتفاع الدين العام".
وبناءً على ذلك تشير دراسات جدية وواقعية قامت بها اكثر من جهة الى أن الارقام المعممة عن المليارين دولار تشبه ما أشيع عن تكلفة سلسلة الرتب والرواتب والتي قفزت من 750 مليون دولار في السنة الى قرابة المليارين، وكأن في كل هذه الدولة لا يوجد محاسب او "مسك دفاتر" او حسابات "دكنجي" بسيط. كما وتذكرنا بخطابات شيخ المنابر والفكر حين دبت الحماسة بأعصابه قبل الانتخابات النيابية ووعد اللبنانيين بأكثر من 900 الف وظيفة وحتى الآن لم يُحاسب؟
وبلغة الأرقام تشير الإحصاءات الى أن مردود الدونم الواحد للحشيشة يبلغ نحو 10 آلاف دولار أميركي في حدّه الأقصى، (اذا ما تأمنت له مياه الريّ يتراوح انتاجه من القنطارين الى ثلاثة، وكل قنطار يعطي من "هقّتين" إلى ثلاث و"الهقّة" تساوي 1200 غرام وسعرها يتراوح بحدود 250 دولار أميركي).
وبناءً عليه، اذا كانت مساحة المنطقة المرخصة للزرع تبلغ نحو 600 الف كلم مربع لا يمكن زراعة أكثر من نصفها، يعني ما بين 250 الى 300 الف كلم مربع بالحد الأقصى، واذا ما بقيت الأسعار عاليه بعد التشريع، واذا ما كانت العوامل الطبيعية ملائمة في السنوات المقبلة واذا توافرت كل عوامل النجاح، فإن الانتاج الصافي لهذا المشروع لن يتجاوز الـ 450 مليون دولار سنوياً. فمن أين جاءت تلك الأوهام ولماذا؟ وهل يخبئ لنا هؤلاء مشاريع مصانع الادوية مثلاً في البقاع الى جانب الحقول ويدخلون أرباحها ضمن الصفقة؟ لماذا تكبير الوعود بهذا الشكل في منطقة منكوبة تاريخياً ولا تعرف من الدولة الا عسكرها والاستنابات القضائية والتشويه الاعلامي بحق مجتمعها؟. وما هذا المشروع الا مشروع "ريجي" آخر ومردوده يساوي مردود مزارعي التبغ في الجنوب وليس اكثر.
من حسنات إفلاس جمهورية الطائف أنها دفعت اللبنانيين الى طرح الأسئلة الأساسية: الى متى سيبقى وهم هذه السلطة مسيطراً على العقول وان امكانية النهوض من جديد ممكنة، ولكن على ما يبدو ان السقوط لا يمكن وقفه وأكبر دليل الجلسة الهزلية لمجلس النواب في الأونيسكو وكيف بدأت وكيف أختتمت، وكيف أقرت المشاريع التي تخدمها (تمويل الستشفيات الخاصة) وأسقطت المشاريع التي تخدم الناس (مشروع مساعدة العائلات الفقيرة والمعوزة) ولم يقارب العفو العام الضروري والانساني.
النظام القديم تهاوى، فكيف سيتصرف من انتصر من مارون الراس الى شرق الفرات مع الواقع الجديد؟ وهل سيحمي تجربة حسان دياب من حرتقات الأقرباء والحلفاء؟.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6