العراق المثقل وبوادر الحرب المرتقبة

فراس إلياس

2020.04.09 - 03:09
Facebook Share
طباعة

 شهد مطلع العام الحالي بداية تصاعد الأحداث على الساحة العراقية بطريقة غير مسبوقة، كان عنوانها الرئيس، اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني رفقة العديد من القادة، ما أدخل بدوره الصراع المسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى، إلى بعد جديد من أبعاد الصراع على الساحة العراقية، بحيث شهدت بعد عملية الاغتيال هذه موجة من ردود الأفعال، والأفعال المضادة بين الطرفين، الأمر الذي انعكس بدوره على المشهد السياسي العام في العراق، الذي يعاني من أزمات كبيرة أهمها؛ استمرار الحركة الاحتجاجية، بدون تلبيةً لمطالبها، وعجز الطبقة السياسية العراقية عن إنتاج حكومة عراقية مستقلة، تلبي طموحات الشعب العراقي في تحقيق التنمية الشاملة.
لا يخفى على أحد أن العراق يشكل نقطة مركزية في الشرق الأوسط، فإيران تنظر إليه على إنه فراغ لابد من ملئه سياسياً وأمنياً، ليشكل نموذجا استرشاديا لحلفائها في المنطقة، فالدعم المتواصل الذي تقدمه لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي، مرده إنتاج تجربة سياسية عراقية، تكون نموذجا يحتذى في الصعود السياسي لحلفاء إيران، وتحديداً في اليمن والبحرين ولبنان، ورغم أن الإنتلجنيسيا الشيعية، تحاول البعد عن الصبغة التي تريد إيران رسمها في العراق، إلا إن سطوة الدور الإيراني تبدو أكثر قوة وتأثيراً من إمكانية بلورة نموذج سياسي شيعي عراقي، بعيد عن الأهواء الإيرانية، وفشل البيت السياسي الشيعي في بلورة حكومة عراقية حتى هذه اللحظة، خير مثال على ذلك.
ومن جهة أخرى تنظر الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، على أنه النموذج الذي خلفته آلة الحرب الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن ثم لابد أن تظهر التزاماً سياسياً بإخراج العراق من أزماته المتراكمة منذ عام 2003، ناهيك من أهمية العراق السياسية والاقتصادية والأمنية للنظام العالمي، إلى جانب أهميته في استراتيجية التمدد الإيرانية، ومن هنا فإن الإدارة الأمريكية تدرك جيداً أن ضرب النفوذ الإيراني في العراق، سيشكل البداية العملية لانهيار الإمبراطورية الإيرانية في الشرق الأوسط، خصوصاً أن العراق اليوم يعد الشريان الرئيس الذي يغذي أطراف هذه الامبراطورية، اقتصادياً ولوجستياً، ولعل سلسلة العقوبات المستمرة التي فرضتها وتفرضها الإدارة الأمريكية، منذ مطلع العام الحالي، على العديد من المؤسسات والبنوك والشخصيات العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، دليل على مدى إدراك الإدارة الأمريكية لأهمية العراق في الاستراتيجية الإيرانية.
شكلت طبيعة الصراع بين الطرفين على الساحة العراقية حالة معقدة، فإلى جانب التداعيات الأمنية والسياسية، التي أفرزتها هذه الصراعات المسلحة، أصبحت الدولة العراقية اليوم عاجزةً عن مواجهة تداعيات هذه الصراعات، ما أفرز حالة من التشرذم السياسي، بخصوص المواقف السياسية العراقية من ضرورة بقاء، أو عدم بقاء القوات الأمريكية في العراق، فالهجمات المتكررة على معسكرات القوات الأمريكية، أظهرت حالة عجز كبيرة تمر بها المؤسسة العسكرية العراقية، في كبح جماح الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، ورغم التحول الكبير الذي شهدته بنية الحشد الشعبي في بداية الشهر الحالي، من خلال إعلان العديد من الفصائل المسلحة (فصال المرجعية الدينية في النجف)، عن تحويل ملاكها من هيئة الحشد الشعبي إلى وزارة الدفاع العراقية، إلا إن القوة العسكرية الضاربة تكمن في الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، والحديث هنا عن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وكتائب الإمام علي، التي بدورها تتبنى خيار إخراج القوات الأمريكية من العراق.
شكّلت الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني للعراق بداية الشهر الحالي، حالة معقدة، وبدأت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تنظر لأهداف الزيارة الحقيقية بريبة وحذر، وعلى الرغم من إن الإطار العام لهذه الزيارة تبلور في إطار سياسي، بغية دفع الأحزاب الشيعية لتشكيل الحكومة العراقية، بأقرب وقت ممكن، وهو ما تبلور في عملية تشكيل اللجنة السباعية المكلفة باختيار رئيس الوزراء، إلا إن الهدف الرئيس لهذه الزيارة كان لإطلاع الفصائل المسلحة القريبة من إيران، على الاستراتيجية الجديدة، التي ينبغي عليها تبنيها لإخراج القوات الأمريكية من العراق، جاء العنوان الرئيس لهذه الاستراتيجية (استنزاف الولايات المتحدة الأمريكية حتى الانسحاب)، ما شكّل ترجمة حقيقية للقرار الذي اتخذه مجلس النواب العراقي في اليوم التالي لاغتيال سليماني، القاضي بإلزام الحكومة العراقية الإسراع بإخراج القوات الأجنبية من العراق، بتفعيل الهجمات المسلحة على المعسكرات التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، والتعويل على ردود أفعال أمريكية تستثير السيادة العراقية.
شكلت التقارير الصحافية الأمريكية التي أصدرتها صحيفتا «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست»، حول وجود نية إيرانية بدفع بعض الفصائل المسلحة القريبة منها، لشن هجمات مسلحة على بعض المواقع العسكرية للقوات الأمريكية بالعراق في الأيام المقبلة، معرفة أمريكية واضحة بحقيقة الرغبة الإيرانية، ورغم إن هذه الصحف مررت معلومات استخباراتية، ولم تكشف عنها، فإن الهدف الرئيس من وراء الحديث عن هذا الموضوع، هو إيصال رسالة واضحة للسلطات في إيران، بأن هناك جهوزية أمريكية واضحة لأي أفعال إيرانية، ويبدو أن هذه الجهوزية الأمريكية تصاعدت بعد الزيارة السرية التي قام بها السفير الإيراني السابق في العراق حسن دنائي فر، إلى بغداد الأسبوع الماضي، التي ترافقت مع إدخال العديد من الأسلحة الثقيلة وصواريخ متنوعة وطائرات مسيرة من قبل كتائب حزب الله إلى مناطق غرب العراق. ويبدو أن الجدية الإيرانية أكثر حماسة هذه المرة، فلم يتوقف الأمر على تزويد الفصائل القريبة منها بالأسلحة والمعدات، بل إن الأمر امتد لإجراء مناورات عسكرية في مناطق غرب العراق، التي حملت إسم (صيد الغربان)، استخدمت فيها مختلف الأسلحة، وتطبيق محاكاة مهاجمة الأهداف المدنية والعسكرية في بيئة عسكرية مفتوحة، فضلاً عن عمليات الاقتحام وإفشال عمليات الإنزال الجوي والتعرض العسكري الاستنزافي، في إعمال واضح لاستراتيجيات الحروب الهجينة اللامتماثلة.
شكلت عملية إعادة الانتشار والتمركز الأمريكية من بعض المواقع العسكرية في القيارة والقائم وكي 1، نحو قواعد عسكرية أكثر تحصيناً كقاعدة عين الأسد والتاجي وبلد، استعداداً أمريكياً واضحاً للنوايا الإيرانية، التي تبدو اليوم عازمة على إلحاق مزيد من الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تئن تحت وطأة انتشار فيروس كورونا في العديد من الولايات الأمريكية، فضلاً عن تنويع أوراق التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإلى جانب ورقة السجناء الأمريكيين في السجون الإيرانية، هناك ورقة الفصائل المسلحة، التي تسعى من خلالها لإرهاق الإدارة الأمريكية عبر استراتيجية التمدد المرن، وصولاً للانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، وجعل الرئيس ترامب يدخل سباق الانتخابات مثقلاً بالأعباء، ما قد يزيد من فرص المرشح الديمقراطي المنافس للفوز بالسباق الرئاسي، فإيران أذكى بكثير من أن تتوجه نحو الإدارة الأمريكية مباشرةً.
شكّلت التهديدات والتهديدات المتقابلة بين الطرفين الأمريكي والإيراني عبر السفارة السويسرية في طهران، أحد منافذ التمهيد للصراع المقبل، والأكثر من ذلك، وجد التحرك الأمريكي، عبر ما أشار إليه وزير الدفاع مارك أسبر، من إنه تلقى أمر تنفيذياً من الرئيس ترامب لمواجهة الفصائل المسلحة في العراق، رد فعل سريع من قائد الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي، الذي أشار بدوره، إلى أن على الولايات المتحدة إنقاذ شعبها من ويلات فيروس كورونا، بدل التفكير بسيناريوهات هوليوودية في العراق، والأكثر من ذلك في سؤال قمت بتوجيهه لباحث إيراني حول حقيقة النوايا الإيرانية بمهاجمة القوات الأمريكية في العراق، أشار إلى أن هناك تهيئة في الشارع الإيراني لما قد يحصل في العراق قريباً.
إن أفق الصراع المسلح بين الطرفين على الساحة العراقية يبدو إنها لن تهداً خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن مفاعيل هذا الصراع بدت مهيأة أكثر من أي وقت سابق، فالولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها مضطرة للبحث عن حرب خارجية، تعيد ضخ دماء جديدة في هيبتها، التي تحطمت تحت أقدام فيروس كورونا، وفي المقابل النظام السياسي في إيران يواجه هو الآخر نقمة شعبية متصاعدة بسبب سياساته الفاشلة على الصعد كافة، ولكن المهم هنا؛ إن أي نصر سيتحقق سيكون بفاتورة عراقية خالصة، فالأرض ستكون عراقية والدماء هي عراقية بالمحصلة. والأكثر من ذلك، فإن بيئة الصراع تبدو مفتوحة أكثر من السابق، فهناك الكثير من الخيارات المطروحة اليوم أمام صانع القرار في إيران، فالجهوزية الأمريكية في العراق، قد تدفع بالقيادة الإيرانية لتحريك جبهات أخرى أقل كلفة، والحديث هنا عن الجبهة اليمنية، التي يبدو إنها مهيأة هي الأخرى، فالصواريخ الثلاثة التي أطلقتها جماعة الحوثي صبيحة يوم الأحد الماضي نحو الأراضي السعودية، قد تشكل بدورها أقصر الطرق لجر الولايات المتحدة الأمريكية نحو حرب محدودة تريدها إيران في الزمان والمكان المناسبين.

 

المقال يعبر عن راي كاتبه فقط وليس بالضرورة رأي وكالة أنباء آسيا

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9