كيف نتخلص من السموم الرقمية أو ما يعرف بdigital detox ؟

مايا عدنان شعيب / خاص وكالة أنباء آسيا

2024.02.28 - 08:12
Facebook Share
طباعة

إجتاحت التكنولوجيا الرقمية الحياة البشرية بشكل مخيف حتى غفل الإنسان عمّا يحيط به من فسحات في الطبيعة وحياته الاجتماعية، واستعاض عن علاقاته الإنسانية الواقعية بعلاقات تحكمها الأجهزة ووسائل التواصل إلى حدّ كاد الإنترنت يطيح بروابط الأسرة والتواصل بين الأقارب والأصدقاء، فهل تسممت الحياة الاجتماعية بسبب التخمة من التكنولوجيا الرقمية وآن أوان التخلص من سمومها؟

يشير مفهوم الـdigital detox أو التخلّص من السموم الرقمية، إلى فترة زمنية يمتنع فيها الشخص عن استخدام الأجهزة التقنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية ومواقع التواصل الاجتماعي. فقد وجدت إحدى الدراسات التي أجراها باحثون في السويد أن الاستخدام المكثف للتكنولوجيا بين الشباب كان مرتبطاً بمشاكل النوم وأعراض الاكتئاب وزيادة مستويات التوتر، بحسب موقع very well mind.

لماذا علينا التخلّص من السموم الرقمية؟
هناك العديد من الأسباب. فقد ترغب في الاستمتاع بوقتك مع نفسك. وفي حالات أخرى، قد تشعر بأن استخدام جهازك يضيف الكثير من التوتر إلى حياتك. وفي بعض المواقف، قد تشعر كأنك مدمن على أجهزتك، فيما يعتقد العديد من الخبراء أنّ الإفراط في استخدام التكنولوجيا والأجهزة يمثل إدماناً سلوكياً حقيقياً يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جسدية ونفسية واجتماعية.

التكنولوجيا مرهقة!

الاتصال الرقمي الدائم والحاجة المستمرة لمواصلة التحقّق من رسائل البريد الإلكتروني والنصوص ووسائل التواصل الاجتماعي هي التي تمثل غالبية الضغط التكنولوجي والتوتّر.

ترى الاختصاصية في علم النفس والإرشاد التربوي صايرين غندور في حديثها لوكالة أنباء آسيا أنّه بقدر ما يقوم المرء بتحفيز الدماغ عبر تعرّضه للشاشات الرقمية، ترتفع نسبة القلق والتوتر واضطرابات النوم لديه. فالدماغ بحاجة لأن يرتاح، وعندما تُعرَض أمامه محفزات ضوئية أو مرئية أو مكتوبة، في هذه الحالة لا يرتاح ويكون في حالة تعب متواصل.


وتلاحظ غندور في العيادة، أنّ أطفالاً كثيرين يعانون من نقص في التركيز واضطرابات حركية، فهم لا ينفّسون الطاقة التي لديهم بل يتسمّرون أمام الشاشات ويكونون فقط متلقين ويفقدون تركيزهم لأنّ أدمغتهم تكون في حالة تحفيز.

أمّا لناحية المراهقين، فنتحدّث عن حالة إدمان خصوصاً أنّ أدمغتهم في هذه المرحلة تنمو بسرعة كبيرة، لذلك يعانون من تعب وإرهاق وعدم تركيز. ونحن نتحدّث عن مفهوم إدمان الشاشات. فالمراهقون يعانون من حالات اكتئاب إذ لا يمارسون أيّ رياضة أو نشاط كشفي بسبب تشبّثهم بهواتفهم. فلدى الإنسان جهاز بيولوجي إن لم يتحرك، يؤثر على الجهاز النفسي.

وقد يرتبط الاستخدام المكثّف للأجهزة بمخاوف تتعلق بالصحة العقلية، فالاستخدام اليومي المكثف للتكنولوجيا ارتبط بزيادة خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية بين المراهقين. وارتبط قضاء المزيد من الوقت في استخدام التقنيات الرقمية بزيادة أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واضطراب السلوك، فضلاً عن سوء التنظيم الذاتي.

الأجهزة الرقمية وأثرها في اضطراب النوم او ما يعرف ب"الأرق"
تشير غندور إلى أن الاستخدام المكثّف للأجهزة، خصوصاً قبل النوم، يمكن أن يتداخل مع جودة النوم وكميته، فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عندما تكون في السرير ليلاً يزيد من احتمالية القلق والأرق وقصر مدة النوم. ووجد الباحثون أيضاً أنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية داخل السرير له آثار ضارة على النوم والمزاج.
وفي ما يتعلّق بتأثير تعرّضنا لهذه الشاشات على جودة نومنا، تشرح غندور أنّه نتيجة كثرة المحفزات في الدماغ، يُجبر لأن يقلق ليلاً وألّا يهدأ، ويبدأ بالانتقال من فكرة إلى فكرة ومن مشهد إلى آخر وهنا يتعب الدماغ. فشرط النوم العميق والجيد هو وجود عادات تريح الدماغ وتجهّزه للنوم، وعادات يكتسبها الإنسان ليهدئ دماغه ليتمكّن من النوم، بالتالي، إن لم يهدأ نشاط الدماغ فلن ينام. لذلك، لنوم جيّد، تقول شاهين، علينا إطفاء هواتفنا أو وضعها بعيداً قبل النوم أو سماع موسيقى هادئة أو قراءة كتاب.

المقارنة الاجتماعية التي تسببها الأجهزة الرقمية السبب الأساسي في "عدم الرضا" بالواقع

إن قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي، يجعل المرء في موضع المقارنة حيث يقارن حياته بأصدقائه وعائلته والمشاهير. وقد يفكر في أن باقي أفراد المجتمع يعيشون حياة أكمل وأفضل بناءً على اللمحة الصغيرة المنسّقة التي يراها على منشوراتهم على Instagram أو Facebook وغيرها من المواقع..

الخوف من تفويت شيء ما، والمعروف بمصطلح FOMO، هو الخوف من فقدان التجارب التي يمر بها أي شخص آخر. والاتصال المستمر يغذي هذا الخوف. ففي كل مرة ترى فيها صورة منسّقة أو منشوراً عن حياة شخص آخر، قد يجعلك ذلك تشعر كما لو أن حياتك أقل إثارة من حياته. قد تجد نفسك ملتزماً بإفراط بالمناسبات الاجتماعية خوفاً من أن تتخلف عن الركب. ويمكن لـFOMO أن يجعلك تفحص جهازك باستمرار خوفاً من أن تفوتك رسالة نصّية أو رسالة مباشرة أو منشور مهم، وهنا نتحدّث عن ضغط المقارنة.


كيف تتخلّص من السموم الرقمية؟

المفتاح في وضع حدود لذلك بطريقة لا تجعلك تشعر بالعزلة عما يحدث في عالمك الرقمي. ويمكن أن يفيد الانفصال عن أجهزتك صحتك العقلية، لكن التخلص من السموم الرقمية لا يجب أن يفصلك تماماً عن هاتفك والاتصالات التقنية الأخرى.

- كن واقعياً
بالنسبة لكثير من الأشخاص، قد لا يكون التخلّي تماماً عن جميع أشكال الاتصال الرقمي أمراً ممكناً، خاصة إن كنت تعتمد حقاً على البقاء على اتصال للعمل أو المدرسة أو التزامات أخرى. لذا، حاول القيام بعملية بسيطة للتخلص من السموم في نهاية يوم العمل عبر اختيار وقت تريد فيه إيقاف تشغيل أجهزتك، ثم ركز على قضاء أمسية خالية تماماً من أشياء مثل وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت وغيرها من عوامل التشتيت الإلكترونية.

- ضع الحدود
على سبيل المثال، قد ترغب في استخدام هاتفك لتشغيل قائمة تشغيل Spotify أو Apple Music أثناء ممارسة التمارين الرياضية، ولكن ضبطها على وضع الطائرة سيضمن عدم تشتيت انتباهك عن طريق المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية أو الرسائل الأخرى أو التطبيقات أو الإخطارات أثناء التمرين.

ويمكنك القيام بهذه الخطوة في الأوقات الأخرى التي قد ترغب فيها في الحد من استخدام جهازك الرقمي، مثلاً:

- عند تناول وجبات الطعام، وخاصة مع أشخاص آخرين
- عندما تستيقظ أو تذهب إلى السرير
- عندما تعمل على مشروع أو هواية
- عندما تقضي وقتاً مع الأصدقاء أو العائلة
- قبل أن تذهب إلى النوم كل ليلة

وتشير الأبحاث إلى أنّ الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 30 دقيقة تقريباً يومياً يمكن أن يحسّن كثيراً من الرفاهية، ويقلّل من أعراض الوحدة والاكتئاب.

وعليك تخطي الاستلقاء على السرير واللعب على هاتفك. وبدلاً من ذلك حاول قراءة كتاب أو مجلة لبضع دقائق قبل النوم.

-إزالة الإشعارات
ويمكنك إيقاف تشغيل الإشعارات على هاتفك. ترسل العديد من تطبيقات الوسائط الاجتماعية والمواقع الإخبارية، تنبيهات في كل مرة تتلقى فيها رسالة أو إشارة أو منشوراً جديداً.

بدلاً من التحقق من تطبيقات أو مواقع ويب معينة في كل مرة تظهر فيها قصة أو منشور جديد، خصّص وقتاً محدداً كل يوم لتتحقق فيه من رسائلك أو إشاراتك. ثم خصّص قدراً معيّناً من الوقت، حوالي 20 أو 30 دقيقة، لتكريسه لمتابعة وإرسال الردود.

ووجدت الدراسات أن مجرد وجود جهاز محمول، حتى لو لم تكن تستخدمه استخداماً نشطاً، يقلّل من مستويات التعاطف ويقلّل من جودة المحادثة عند التفاعل مع أشخاص آخرين، وهي ظاهرة أطلق عليها الباحثون اسم "تأثير" iPhone.


بعض الأفكار التي قد تساعدك!

- الصيام الرقمي: حاول التخلّي عن جميع الأجهزة الرقمية لفترة قصيرة من الوقت، مثل يوم أو ما يصل إلى أسبوع.
- الامتناع عن استخدام الأجهزة الرقمية بشكل متكرر: اختر يوماً واحداً من أيام الأسبوع للتخلّص من استخدام الأجهزة.

- التخلّص من السموم بشكل محدَّد: إن كان تطبيق ما أو موقع أو لعبة أو أداة رقمية واحدة تستهلك الكثير من وقتك، فركز على تقييد استخدامك لهذا العنصر.

- التخلّص من سموم وسائل التواصل الاجتماعي: ركز على تقييد استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي أو حتى التخلّص منه تماماً لفترة زمنية محددة.

- دع أصدقاءك وعائلتك على معرفة أنك في مرحلة التخلص من السموم الرقمية واطلب مساعدتهم ودعمهم.

- ابحث عن طرق للبقاء مشتتاً والاحتفاظ بالأنشطة الأخرى في متناول يدك.

- احذف تطبيقات الوسائط الاجتماعية من هاتفك لتقليل الإغراءات وسهولة الوصول إليها.

- حاول الخروج من المنزل، واذهب لتناول العشاء مع الأصدقاء أو في نزهة على الأقدام عندما تميل إلى استخدام جهازك.

- احتفظ بمذكّرة لتتبع تقدّمك واكتب أفكارك حول التجربة.

خلاصة القول: كما يحتاج الجسد في كل فترة إلى تنظيفه من السموم فإنّ مشاعر الإنسان وحالته النفسية تحتاج لذلك في سبيل استعادة عافيتها وسلامتها والعودة إلى التوازن الفطري الذي لا يكتمل إلا بتحقيق التفاعل الصحي مع مختلف عناصر الوجود التي تشكل دورة منتظمة وخلاقة سواء في الطبيعة أو المجتمع أو التواصل الفكري والروحي الذي لا يُستغنى عنه في بناء الإنسان المتوازن قولًا وفعلًا. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5