من بلدة الكفور الجنوبية…هنا حطّ العيش المشترك رحالَه

مايا عدنان شعيب/ خاص وكالة أنباء آسيا

2024.02.24 - 03:47
Facebook Share
طباعة

الوجهة هذه المرّة إلى بلدةٍ تبعد ٤ كيلومتر عن مركز محافظة النبطية وتتربع على مساحة تجمع على تنوّع تضاريسها تنوعًا ثقافيًا ودينيًا، تطالعك بشائره من مدخل البلدة بمشهدٍ لطالما اعتدنا عليه في الكثير من قرى وبلدات الجنوب، ألا وهو جرس الكنيسة المجاور لمئذنة الجامع، إنها بلدة الكفور الجنوبية.

 

قصدنا هذه البلدة التي تعتبر نموذجًا في العيش المشترك، وفي طريقنا إليها وأثناء تجولنا في أحيائها لفتتنا بيوتها المتلاصقة بأحجارها الصخرية القديمة التي تشهد لتاريخٍ وزمن غابر، شاهدنا النسوة الجارات يتبادلن أطراف الحديث على عجل عند مداخل الدور، أما "برَكة البلدة" كما يعتاد الجنوبيون نعت كبار السن من رجال ونساءٍ يجلسون بأمان وهدوء على "مسطبات" الدور و"السطيحات" أي تلك المساحة المنبسطة والبسيطة أمام المنازل.

 

قصدنا منزل الحاج توفيق صفا عضو المجلس البلدي وناشط اجتماعي في بلدة الكفور، ليحدثنا عن واقع البلدة الذي لا يقلّ صفاءً عن نفوس أبنائها، استهل الحاج توفيق حديثه بالمناسبة التي صادفت وصولنا والتي شكلت نموذجًا حيًّا للتآخي وهي إحياء ذكرى الأربعين لش هيد من آل الطويل كان قد نزح ذووه منذ بدء الحرب إلى بلدة الكفور من بلدة كفركلا الجنوبية التي اشتهرت مؤخرًا بكثرة اعتداءات العدو الاسرائيلي عليها، أخبرنا بالمناسبة صفا أيضًا عن النازحين الذين يعتبرهم أهلُ وأصحابُ البيوت وليسوا ضيوفًا، فقد استقبلت الكفور النسبة الكبيرة ممّن وفَد منهم إلى محافظة النبطية بحثًا عن الأمان.

 

وعن توزيع السكان في البلدة أشار صفا أنه قبل أحداث الحرب الأهلية كان التوزيع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وحاليًا فإن المسلمين يشكلون النسبة الأكبر، لكن ذلك لم يؤثر في طبيعة العلاقات الأخوية بين الجميع ، فهم يتشاركون الأفراح والأحزان والمناسبات الاجتماعية والوطنية والدينية، فترى الكنيسة تعجّ بأبناء البلدة المسلمين في حين تكتظ الجوامع والحسينيات بالمسيحيين في مختلف المحطات والمناسبات التي يحييها المسلمون من أبناء البلدة.

 

وقد استغرب صفا في حديثه الأصوات التي نسمعها من هنا وهناك والتي تتناقض مع واقع العيش المشترك الذي ينصهر فيه اللبنانيون من شتى الطوائف والأديان، فعلى أرض الواقع لا يفرق الأهالي حتى في مناسباتهم الدينية ويروي مثالًا على ذلك أنه في حال وفاة أحد المواطنين المسيحيين يرفع القرآن في الجامع بطلب من ذوي الفقيد.

 

وينسحب ذلك على شتى الأحداث التي شهدتها البلدة في أثناء الحروب حيث يتعاون الأهل لتأمين حاجيات بعضهم البعض دون الوقوف على اختلاف طوائفهم، فالاختلاف يجمع ولا يفرق ومن يتحدث بلغة التفرقة إنما "يقذف ثمار الأشجار العالية" التي لا يؤثر بها فعله.

 

أما المحطة التالية فكانت في منزل الأستاذ أحمد كريدي الذي ينحدر من عشيرة كريدية، وهو أستاذ متقاعد من التعليم الرسمي ورئيس سابق لدائرة البلديات في محافطة النبطية وقائمقام سابق في منطقة حاصبيا، روى لنا رحلته التعليمية في مدرسة البلدة التي تلقى علومه فيها على أيدي خوري من البلدة وجمعته المقاعد الدراسية مع أبناء بلدته من الطوائف المختلفة، فلم يقرّق بين صديق شيعي او مسيحي وكانت مشاعر الانسانية والتآخي هي الطاغية و مثال ذلك حادثة لم تزل تُروى حتى الآن كمضرب مثل للانصهار بين أهل البلد، عن والده الذي أقام صلاته في الكنيسة أثناء مشاركته في عزاء هناك، كما حدثنا كريدي عن التناسب والمصاهرة بين مختلف عوائل البلدة، والانسانية التي تجمع أبناءها لتتخطى حدود الطائفة والدين وذلك انطوى على الأجيال المتعاقبة حتى يومنا هذا، ويعتبر كريدي أن الكفور نموذجًا مصغّرًا عن الجنوب الذي يحافظ أهله على العيش المشترك، ومن خلال خبرته وتنقله في الوظائف بين أقضية مرجعيون وحاصبيا، يروي لنا تشابه العادات الاجتماعية والانسانية بين النسيج السكاني في شتّى المناطق، واستذكر كريدي واقعة كربلاء وثورتها لدى عروجنا على الحرب في غزة وأثرها الذي انعكس لُحمة وترابطًا بين الجنوبيين. بمختلف انتماءاتهم.

 

واللافت في حديث صفا وكريدي أنهما تمنّيا لو أن هناك عائلة تقطن البلدة من الطائفة الدرزية الكريمة ليكتمل شمل النسيج الوطني بألوان طيفه كلّها!.

 

هذا كان الطابع الطاغي على جولة وكالة أنباء آسيا في الكفور الجنوبية، على أمل أن يعمّ هذا الانسجام والتآخي كافة أرجاء الوطن لئلّا يصير الاختلاف خلافًا، ولتظلّ اللغة الجامعة للّبنانيين هي المواطَنة والتآخي والمحبة بين أبناء الوطن، ليبقى الدين للّه والوطن للجميع. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3