وقائع عن خلفيات العدوان الاسرائيلي الجديد على غزة

إعداد بلال بلبيسي – رام الله المحتلة

2023.05.13 - 06:20
Facebook Share
طباعة

 على الرغم من وضعه السياسي المريح بعد توقع سقوطه إثر الانتفاضة الشعبية ضده، الا أن نتنياهو لا يتعايش مع الأزمات بل يحاول قلب الطاولة للخروج منها. والعدوان الأخير على غزة ورقة من الأوراق التي يستعملها بنيامين نتنياهو الان لقلب الطاولة على خصومه الداخليين والخارجيين متوقعا فوزا كبيرا يطيح الحالة الاسرائيلية الشعبية الرافضة له وإسكات خصومه السياسيين بانجاز عسكري سريع وحاسم.

في السياق، نتنياهو يعرف انه يتعرض لحصار أميركي على شخصه/ فهو اول شخص في

رئاسة الحكومة لم يوجه إليه الدعوة لزيارة البيت الأبيض على جاري عادة العلاقة بين البلدين والقيادتين، وفي ذلك مؤشر على تردي العلاقة، بالإضافة الى الموقف الأمريكي الذي أعرب عنه بايدن علنا في رفض التعديلات القضائية التي يقترحها نتنياهو. اما العلاقة مع الاتحاد الأوروبي فليست بأفضل منها مع أمريكا، اذ ان الاتحاد الأوروبي بدأ يُعبّر عن نفاذ صبره من ممارسات الحكومة اليمينية المتطرفة في قمع الشعب الفلسطيني وفي سياسة الاستيطان الى درجة ان قيادة الاتحاد ألغت احتفالا كان مقررا في تل ابيب أمس الأول بسبب إصرار الحكومة على ارسال وزير الامن ايتمار بن عفير لتمثيلها وهو شخصية غير مرغوب بها أوروبيا.

اما الطامة الكبرى إقليميا ودوليا  بالنسبة لنتنياهو فهي الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وهو الإتفاق الذي شكّل ضربة قاسية لكل سياسات التطبيع التي كانت تراهن عليها القيادة الصهيونية، وبالمعنى الاستراتيجي للموضوع فان هذا الاتفاق ضرب الفكرة التي عملت عليها “إسرائيل” برعاية أمريكية على مدى يزيد عن عقد ونصف العقد من الزمن وهي ان العدو الرئيسي للعرب عموما ودول الخليج خصوصاً هو إيران وما يندرج في خانة “اذرعتها” في المنطقة، من حزب الله في لبنان الى حركات المقاومة في فلسطين مروراً بالحوثيين في اليمن. وما زاد من شعور القيادة الصهيونية بالحصار هي الخطوات المتسارعة لتنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني على امتداد بؤر الصراع من اليمن الى العراق وسوريا وربما لبنان، بحسب وسائل الاعلام العبرية. وفوق كل ذلك خروج الرئيس بشار الأسد، منتصرا مما يمكن تسميتها “الحرب الكونية” التي شُنّت على بلاده منذ أكثر من عقد من الزمن. امام هذه الخريطة الاستراتيجية قد يبدو للقيادة السياسية للعدو ان “خيار شمشوم” هو المخرج الوحيد لها لإعادة توحيد الوضع الداخلي لديها ولخلط الأوراق في المنطقة عبر حرب تكون سريعة بحسب تقديراتها، غير ان قرار الحرب من حيث الشكل يتخذ في الحكومة الصهيونية المصغرة لكنه في المضمون يحتاج الى موافقة القيادات العسكرية أولا وموافقة الإدارة الامريكية ما قبل أولا، حتى لا نقول ثانيا. وهنا من الواضح ان هذين العنصرين لا يمكن ان يوافقا على هكذا قرار في الأوضاع الراهنة.

فالقيادة العسكرية الصهيونية تعاني من الارباك الناجم عن التظاهرات الداخلية بسبب انحياز اعداد من عسكرها الى طرف المتظاهرين بالإضافة الى تقديراتها انها غير قادرة على تحقيق انتصار بائن في اية حرب تخوضها ضد المقاومة في لبنان فكيف إذا كانت تلك الحرب ستشمل جبهات أخرى من غزة الى سوريا. وقد كانت “البروفه” التي قدمتها قوى المقاومة في المنطقة في الشهر الماضي نوعا من الدرس والرسالة للقيادة الصهيونية عندما انطلقت الصواريخ من غزة وجنوب لبنان والجولان كما من غور الأردن بالإضافة الى عثور الجيش المصري على راجمة صواريخ في شبه جزيرة سيناء موجهة الى المستوطنات الصهيونية. وفوق كل ذلك هناك النفوذ الامريكي داخل المؤسسة العسكرية نفسها والذي لا يستهان به ابدا، اذ من غير الوارد على هذه القيادة اتخاذ قرار الحرب من دون الاستناد الى دعم امريكي واضح سياسيا وعسكريا.

اما عن الموقف الأمريكي فان انشغال أمريكا في حرب أوكرانيا (فتح كل مستودعات السلاح الأمريكية في إسرائيل والأردن وغيرهما لمصلحة دعم الجيش الأوكراني) وفي المواجهة الفاترة مع الصين في جنوب شرق اسيا وبحر الصين وعلى مقربة من تايوان بالإضافة الى علاقتها السيئة مع نتنياهو يجعلها غير متحمسة ابدا لفتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط. من هنا فان “خيار شمشوم” قد لا يكون متاحا ايضا لنتنياهو. هل يعني ذلك ان المقاومة ستكتفي برد صاروخي على اغتيال قادتها؟ المسألة تتجاوز واقعة بعينها وصولاً إلى محاولة رسم قواعد إشتباك جديدة قوامها إلتزام “إسرائيلي” للمصريين بالتوقف عن الإغتيالات مقابل توقف هذه الجولة التي أظهرت فيها قوى المقاومة مجتمعة قدرة على الفاعلية بدليل مئات الصواريخ التي إنطلقت وأصابت العمق “الإسرائيلي” (تل أبيب)، وما تزال عملية “ثأر الأحرار” التي أطلقها المقاومون مستمرة لليوم الثاني على التوالي، وسط ذهول قادة الكيان. هل يمكن أن يتحرج الموقف أكثر؟ ليس مستبعداً الانجرار الى حرب صغيرة ستكون أولى مفاعيلها الإطاحة بحكومة نتنياهو اليمينية، لان الإدارة الامريكية الراهنة من مصلحتها اغراق نتنياهو للتخلص منه. بمعزل عن كل هذه الأمور فقد اثبتت المقاومة في كل من فلسطين ولبنان انها باتت تتمتع بغرفة عمليات عسكرية مشتركة وبتنسيق دقيق في كل التفاصيل وبقيادة حكيمة تجعلها تتخذ القرار الصائب لمواجهة الحالة الاستثنائية التي نعيشها والتي يبدو فيها ان الكيان دخل النفق الذي يؤدي الى الذوبان ان كان حربا او عبر تسوية ستكون شروطها اقسى عليه مما يتصور.

أعد الكاتب النص سنداً الى عدة تقارير عبرية وعربية لخبراء في الشأن الاسرائيلي

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3