في زمن الشغور: إستقلال لبنان الـ79 "يتيماً".. لا إحتفال ولا من يحتفلون

زينة أرزوني - بيروت

2022.11.21 - 03:32
Facebook Share
طباعة

 لا إحتفال مركزي ولا من يحتفلون، فشبح الفراغ بدأ يتمدد الى كامل مفاصل الدولة ويومياتها، وسيمر غداً العيد التاسع والسبعين لإستقلال لبنان مرور "الغريب"، بغياب رئيس الجمهورية والحكومة الأصيلة، فلا عرض عسكري تقليدي في وسط بيروت، ولا استقبالات تهنئة في قصر بعبدا المهجور منذ 21 يوماً، بفعل عدم اختيار رئيس جديد للبلاد، وجرى الاكتفاء بوضع أكاليل الزهور على أضرحة رجالات الاستقلال.
عدد الأكاليل التي وضعت على أضرحة رجالات الاستقلال هي 25 ، أما تكليف من يمثل الدولة اللبنانية بوضعها فلا يخضع للتوزيع الطائفي على خلاف العادة المتبعة في كل الإجراءات في لبنان بل يتم الاختيار بما يتناسب مع المناطق والوظائف، بحسب المنظمين والقائمين على مراسم الاحتفال بعيد الاستقلال.
صحيح انه يمكن التساؤل عن معنى الاحتفال بالاستقلال في ظل فراغ رئاسي مجهول الأفق، وازمات متواصلة تعصف بالبلد، إلان انه حتى غياب مظاهر الاحتفال، تجعل الاستقلال "يتيماً"، بحسب الاوساط السياسية، التي اشارت الى انه إحتفالات استقلال كثيرة مرّت على لبنان رافقتها أحداث وحروب وصراعات بين الأحزاب ومناكفات بين الرؤساء، إلا انه رغم كل الإنقسامات ظلّ الاحتفال بعيد الاستقلال يحمل رمزية وطنية جامعة، الى أن بلغ لبنان مراحل لم يبلغها حتى في أسوأ أيامه تجلّت في الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي المتكرّر.
وإن كان الاحتفال بالاستقلال لا يزال يحافظ على أصوله البروتوكولية، فكيف سيكون هذا البروتوكول في ظل الشغور الرئاسي؟.
ورغم انه لا يوجد نصّ محدد في هذا الشأن، إلا انه وبحسب مدير عام المراسم في القصر الجمهوري د. نبيل شديد، لا يقام احتفال مركزي لذكرى الاستقلال في غياب رئيس الجمهورية، موضحاً ان الاحتفال يُنظّم من قبل مدير عام المراسم في رئاسة الجمهورية وتحت إشراف رئاسة الجمهورية وينفّذ من قبل قيادة الجيش. وينقسم الاحتفال الى جزءين، الأول يقضي بوضع أكاليل على أضرحة رجال الاستقلال، أما الثاني فهو العرض العسكري المركزي الذي يقام بحضور الرؤساء الثلاثة.
ليست احتفالات الذكرى الـ79 للاستقلال في ظلّ الفراغ الرئاسي الحكومي، حالة فريدة في تاريخ لبنان، بل نموذج صارخ لصراعات الداخل تجعل الفراغ الرئاسي والحكومي هو القاعدة، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية هو الاستثناء، بحسب الاوساط السياسية.
ففي عام 2005، لم تجرِ مراسم احتفالات الاستقلال، لسببين: الأول اعتبار فريق سياسي انذاك أن حكومة فؤاد السنيورة غير ميثاقية بعد خروج الوزراء الشيعة منها، والثاني مقاطعة فريق "14 آذار" لرئيس الجمهورية إميل لحود في ذلك الوقت.
وللأسباب نفسها، تكرر ذلك في عام 2007، وغادر لحود القصر الجمهوري في 22 تشرين الثاني أثر انتهاء ولايته الممدّدة، ودخل لبنان في فراغ رئاسي استمرّ حتى 25 أيار 2008، إذ انتخب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وبعد فراغ رئاسي تلى عهد الرئيس ميشال سليمان ودام سنتي 2014 و2015 عاد لبنان ليحتفل بعيد استقلاله في عرض عسكري مركزي مع انتخاب الرئيس ميشال عون على رأس الجمهورية.
اما في العام 2019، فالاحتفال بعيد الاستقلال لم يكن طبيعياً فالدولة التي قامت فيها انتفاضة 17 تشرين والتي كانت تعاني فراغاً حكومياً بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، لم تر مناسباً إجراء احتفال مركزي فاقتصر إحياء الذكرى على احتفال رمزي أقيم في وزارة الدفاع.
في المقابل، نظمت الفئات الناشطة في ثورة 17 تشرين احتفالاُ شعبياُ كبيراً، حيث أقيم عرض شعبي في وسط بيروت شاركت فيه قطاعات مهنية وإنسانية مختلفة.
أما في العام 2020 فقد غاب الاحتفال المركزي نتيجة جائحة كورونا وعلى إثر انفجار المرفأ وتفاقم الأزمتين المالية والسياسية في لبنان.
الأمر نفسه انسحب على الذكرى 78 للإستقلال، حيث أقيم الاحتفال في وزارة الدفاع اللبنانية وجرى عرض عسكري رمزي حضره الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، فيما اقتصر الحضور الوزاري على وزيري الدفاع والداخلية.
"ما حلّ بوطننا ليس قضاءً ولا قدراً، بل هو نتيجة لسياق داخلي عقيم أتى على كل شيء، حتى صار لبنان بحاجة إلى بطاقة تعريف جديدة عن دوره ووظيفته في الداخل وفي محيطه الاقرب والبعيد"، بحسب المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي توجه الى العسكريين بمناسبة العيد التاسع والسبعين للاستقلال بالقول: "بعدما كان لبنان مُصدّراً للحرف وللحضارة الانسانية التي ترتكز على الحرية والتعدد الثقافي والديني، صار مرتعاً للطائفية والمذهبية والمناطقية، وساحة للاستزلام الغريزي اللذين ضربا مفاصل الدولة بكل مؤسساتها. وطالما ان هناك مسؤولين يدعون انهم ضمانة الدولة، فلن يكون لنا وطن، لأن الدول لا تقوم على ضمانات أشخاص، بل المؤسسات الدستورية والالتزام بتطبيق القوانين هما وحدهما اللذان يبنيان الدول ويحميان مستقبل الأجيال".
اما قائد الجيش العماد جوزاف عون فقد توجه إلى العسكريين بالقول: "إنّ الجيوشَ تُبنى للأوقاتِ العصيبة، قوةُ لبنانَ ووَحْدَتُهُ مِنْ قوّتِكم"، مشيراً الى انه "مع دخولِ البلادِ مرحلةَ الشغورِ الرئاسيّ وارتفاعِ سقفِ التجاذباتِ السياسية، يبقى حِفظُ الأمنِ والاستقرارِ على رأسِ أولويّاتنا"، مؤكداً انه لن يسمحَ بأيِّ مسٍّ بالسلمِ الأهليّ ولا بزعزعةِ الوضعِ لأيّ أهداف.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1