كتب علي باكير: كيف نقرأ الاتفاق الثلاثي التركي ـ السويدي ـ الفنلندي؟

2022.07.04 - 05:38
Facebook Share
طباعة

 في 28 حزيران (يونيو) الماضي، عقد الرئيس التركي إلى جانب نظيريه السويدي والفنلندي اجتماعاً تمّ التحضير له في الوقت بدل الضائع كما يقال في وقت كانت فيه الوفود الرسمية لدول الناتو تتحضّر لانعقاد القمّة التاريخية التي تستضيفها إسبانيا. عندما بدأ اللقاء، كان الفيتو التركي على طلب انضمام الدولتين إلى حلف شمال الأطلسي لا يزال قائماً. استمرت المحادثات قرابة الأربع ساعات، وانتهت بمفاجأة لم تكن متوقعة لناحية التوقيت.. إذ وافقت كل من فنلندا والسويد على المطالب التركية مقابل رفع أنقرة الفيتو الخاص بها.


وبرعاية أمين عام حلف شمال الأطلسي، تمّ تقديم مذكرة التفاهم والتوقيع عليها من قبل وزراء خارجية تركيا والسويد وفنلندا بحضور رؤساء الجمهوريات الثلاث والوفود المشاركة في عملية التفاوض. تبع ذلك مؤتمر صحفي مشترك للإعلان عن الاتفاق التاريخي، وقرار الناتو قبول البحث في طلبات انضمام فنلندا والسويد عقب الموافقة التركية.  

تنطوي مذكرة التفاهم الثلاثية على 10 نقاط أساسية تنص على التزام فنلندا والسويد بمبادئ وقيم الناتو ومبادئ الدفاع الجماعي ووحدة الأمن لجميع الأعضاء، والتضامن والتعاون مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، ودعم تركيا الكامل ضد التهديدات التي تعرَض أمنها القومي للخطر، والتعهد بعدم تقدم أي دعم للـ(واي بي جي)، والجماعة المعروفة في تركيا باسم "فتّو".

كما تؤكّد مذكرة التفاهم على إقرار فنلندا والسويد بأنّ حزب العمال الكردستاني حزب إرهابي ومنع نشاطاته وأي مجموعات إرهابية أخرى وامتداداتها وأي أفراد مرتبطين أو متأثرين بهذه الجماعات، ورفع الحظر المفروض على تصدير السلاح إلى تركيا والعمل مستقبلاً وفق ما تمليه قواعد التضامن في حلف شمال الأطلسي، وإنشاء آلية مشتركة للتعاون بين المؤسسات الرئيسية للبلدان المعنية لاسيما الخارجية والداخلية والعدل والاستخبارات والأمن، ودعم انضمام تركيا إلى مبادرات السياسة الدفاعية والأمنية المشتركة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وغيرها من النقاط.

فور إعلان البيان أثير جدل من قبل بين مؤيدي الفريقين. إذ اعتبر أنصار الحكومة التركية أنّ ما جرى هو انتصار للجانب التركي بقياة أردوغان والفريق المفاوض، وأنّ أنقرة حصلت في نهاية المطاف على ما تريد، وأكّدت أنّ الطريقة الوحيدة للتعامل مع الغرب هو الندّية وليس الإنحناء والخضوع. لكنّ شريحة من هؤلاء أبدت تحفظها على اعتبار أنّه لا يمكن الوثوق بالدول الغربية التي غالباً ما يشير تاريخها إلى عدم الالتزام بما تمّ الاتفاق عليه أو نقض العهد أو التملّص من الالتزامات.

أمّا المعسكر الرافض للاعتراف بالنصر الذي حققته الحكومة التركية من المحلّلين الغربيين، فقد أشار إلى أنّ ما جرى هو مجرّد بروبغندا إعلامية ودعاية عامة وليس انتصاراً لتركيا، وذلك على اعتبار أنّ فنلندا والسويد لم تقدما تنازلات حقيقيّة في هذا الاتفاق، وأنّ بعض ما تمّ تقدميه، كان قد قيل سابقاً من قبلهما، ولذلك ليس داعي لإحداث أي جلبة. البعض شكك بمدى إلزامية الغتفاق للجانب الفنلندي والسويدي، مشيراً إلى أنّ الاتفاق غير ملزم للبلدين، وأنّه حتى لو كان كذلك، فبالإمكان التملّص من الإلتزامات لاسيما تلك التي تتطلب تدخل القضاء في الموضوع للبت في الأمر. البعض الآخر قلّل كلياً من شأن الإتفاقية مشيراً إلى أنّها ليست ذات أهمية أو معنى وأنّ الجانب التركي كان يقصد من وراء كل تلك الضجة تأمين لقاء مع الرئيس بايدن ليس أكثر.

وبين هذه القراءة وتلك، لا بد من الإشارة إلى أنّ ما جرى هو انتصار سياسي بالفعل، حيث تضمنت الإتفاقية العديد من النقاط والإلتزامات التي ما كان لها أن تتم لولا أنّ الجانب التركي كان قد استغّل بشكل ممتاز الموقف الحرج وحاجة فنلندا والسويد إلى الإنضمام للحلف لحماية أنفسهم من العدوانية الروسية المتزايدة بعد الحرب التي شنّتها موسكو ضد كييف. إدراج حزب العمال الكردستاني وميليشيا "واي بي جي" وفتّو" في وثيقة واحدة برعاية حلف شمال الأطلسي هو إنجاز غير مسبوق بالفعل. 

لكن الصحيح أيضاً أنّ مثل هذه الاتفاقات تحتوي على مساحة محتملة من الحركة قد تمكّن الى حدّ ما الطرف الآخر من التملص من بعض ما ورد فيها، أو المماطلة، أو التسويف، أو حتى عدم التنفيذ. لكن من الصعب القول أنّ ذلك ينطبق على كل النقاط الواردة في الاتفاق. هناك أمور سيتم القطع بشأنها فعلاً.

وعلى كل حال، وللرد على المشكّكين، فإنّ الرئيس التركي كان قد حذّر مؤخراً بأنّ الاتفاق الذي تم توقيعه مع فنلندا والسويد والذي أتاح رفع "الفيتو" التركي بشأن مساعي الدولتين للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" ليس نهاية المطاف، أنّ الاتفاق يلزم الدولتين بالوفاء بوعودها، لكن إن قرّرتا عدم فعل ذلك، فلن يصادق البرلمان التركي على إنضمام الدولتين للحلف مما سيؤدي في نهاية المطاف الى تعطيل العملية برمّتها.

بمعنى آخر، فإنّ المرحلة المقبلة ستكون بمثابة اختبار لنوايا الدولتين الحقيقية، علماً بأنّ هناك طرقاً عديدة لهذا الاختبار سواء من خلال إطلاق عملية عسكرية جديدة في سوريا، أو من خلال المطالبة بتسليم متّهمين، أو من خلال غير ذلك من العناصر التي يمكن أن تكشف رد فعل الطرف الآخر. وعلى افتراض أنّ هذه الدول لم تلتزم، فسيتيح ذلك أيضا لتركيا توظيف الوضع للتأكيد على أنّه لا يمكن الوثوق بالحلفاء الغربيين وأنّ على أنقرة أن تواصل مسارها المستقل الذي يركّز على تحقيق مصالحها أوّلاً وأخيراً. 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3