عقود العبودية للتمريض اللبناني" الوجه الآخر من الهجرة"

2022.06.01 - 10:00
Facebook Share
طباعة

 على مدار السنوات الماضية لجأت الطواقم الطبية في لبنان إلى الهجرة للبحث عن فرص عمل أفضل خارج لبنان، لكن يبدو أن الهجرة مثلما تحمل أحلام تحمل الآلام.

فعلى مدار اليومين الماضيين فجرت شبكة الراديو والتلفزيون البلجيكية الناطقة بالفرنسية (إر تيه بيه إف) تحقيقا صحفيا كشف عن فضيحة تدور أحداثها ما بين لبنان وبلجيكا.

وعلى مدى أربعة أشهر، عمل فريق من برنامج "إنفستيغاسيون" (تحقيق) على أزمة الممرّضات والممرّضين في بلجيكا، حيث يُقدَّر النقص بنحو 20 ألفاً. الأمر الذي دفع المستشفيات البلجيكية في سد الفجوة من الخارج، لا سيّما لبنان.

وأتى ذلك من خلال وكالات مشبوهة. إذ يُشار إلى عمليات احتيال وممارسات غير نظاميّة وعقود استغلالية مسيئة وصفت بـ" العبودية" والاتجار بالممرضين/ات اللبنانيين- بحسب التحقيق.

ومنذ سنوات تحاول المستشفيات البلجيكية تعويض النقص لديها بواسطة ممرّضات وممرّضين أجانب. ومع بداية أزمة كورونا الوبائيّة، تزايد الاحتياج إلى توظيف ممرضين وممرضات فقد وظّفت المستشفيات الكبرى الكثير من طاقم التمريض غير البلجيكيين.

وبموازاة ذلك، اشتدت الأزمة الاقتصادية في البلاد وساءت الأوضاع، إلى جانب أنّ راتب الممرّضة في لبنان، منذ بداية الأزمة، تراجع 10 مرّات ليصل بالكاد إلى نحو 100 دولار أميركي في الشهر، الأمر الذي دفع الكثير من الممرضين والممرضات للهجرة إلى خارج البلاد.

ويُعَدّ الوضع مأساوياً، وتستفيد منه ليس بلجيكا فقط إنّما أيضاً فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. وتفيد منظمة الصحة العالمية، في هذا الإطار، بأنّ ثلث الممرّضين تركوا بلادهم في خلال عامَين، الأمر الذي يوصف بأنّه "هجرة أدمغة تصنّفها المنظمة مثيرة للقلق".

وإذ تصف نقيبة الممرّضات والممرّضين في لبنان ريما ساسين قازان الوضع في لبنان بالكارثي، تقول: "هذه فضيحة! كلّ تلك البلدان تستفيد (منّا) لأنّها تعلم أنّ نظامنا ينهار. هي تقدّم ظروفاً أفضل، ونحن للأسف غير قادرين على التصرّف في وجه ذلك. هذا أمر فاضح جداً".

وبحسب فريق التحقيقات البلجيكي فأنّ استقطاب الممرّضات والممرّضين إلى الخارج، تدفع ثمنه باهظاً مستشفيات لبنان.

وعلى سبيل المثال، في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس"، الذي يُعَدّ أحد أكبر وأبرز مستشفيات البلاد، 133 ممرّضة من أصل 500 توجّهنَ إلى الخارج. أمّا النتيجة المباشرة فهي خروج نحو 100 سرير من الخدمة.

ويكشف مدير المستشفى نسيب نصر للفريق البلجيكي أنّ قسم إعادة إنعاش الأطفال تعطّل كلياً، موضحاً أنّه في هذا القسم يُعالج الصغار الذين يحتاجون إلى عناية مركّزة. ويقول نصر: "نجد أنفسنا مضطرّين إلى صدّ الأهالي الذين يحضرون مع أولادهم، لأنّ لا ممرّضات لدينا. هذا وضع مأساوي وكارثي. بعبارات أخرى، الأطفال يموتون لأنّه من غير الممكن توفير العناية لهم".

ويبدو أنّ بلجيكا تعوّض نقصها من خلال التسبّب في نزيف بلبنان، بحسب ما يوصّف فريق التحقيقات البلجيكي الوضع. ولا تتردّد مستشفياتها في توظيف لبنانيات ولبنانيين من خلال وكالات مشكوك في ممارساتها، "إنترناشونال نورسينغ نتوورك" (آي إن إن)، واحدة منها، وقد وظّفت نحو 200 ممرّضة لبنانية في خلال عامَين، سواء في مستشفيات عامة أو خاصة- بحسب التحقيق.

وكشف التحقيق أنه للاستفادة من خدمات هذه الوكالة، يتوجّب على المستشفيات دفع 10 آلاف يورو (نحو 10 آلاف و800 دولار أميركي)، عن كلّ ممرّضة أو ممرّض، بحسب ما يوضح فريق التحقيقات، وهو مبلغ ضخم من المفترض أن يغطّي مصاريف المعاملات من قبيل تعديل الشهادة وما إليها.

لكن ممرضات لبنانيات لجأن إلى خدمات هذه الوكالة، ليكشفن أنّ الشركة المذكورة "آي إن إن" لا تكتفي بذلك، لكنهم طالبوهم بسداد 2500 يورو (نحو 2700 دولار)، في مقابل معادلة شهادتهم، علماً أنّ كلفة ذلك في الواقع لا تتخطّى 200 يورو (نحو 215 دولاراً).

وكشفوا في شهادتهم أنه طلب منهم أيضاً مبلغاً من المال لنوفّر لهم الشركة فرصة عمل في مستشفى بلجيكي، فقد أصبح عليهم دفع 5000 دولار للحصول على فرصة عمل. وهو ما وصفه فريق التحقيق بالمافيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ 5000 دولار تساوي مجموع رواتب ممرّضة لبنانية على مدى أربعة أعوام.

وهذه ليست الإساءة الوحيدة التي فضحها فريق التحقيقات البلجيكي. فقد كشف ممرض لبناني لفريق التحقيق، حول عقود وكالة "آي إن إن" التي يوقّعها الممرّضون للعمل في مستشفى بلجيكي. ومن بين ما يُطلب من الممرّضة أو الممرّض في هذه العقود، الالتزام بالعمل لمدّة عامَين في المستشفى المحدّد، تحت طائلة سداد غرامة قيمتها 15 ألف يورو (نحو 16 ألفاً و150 دولاراً). وكذلك تفرض تلك العقود على النساء عدم الحمل لمدّة عامَين.

وفي السياق، أشارت نقيبة الممرضين والممرضات ريما ساسين قازان إلى أن "2500 ممرض وممرضة من أصحاب الكفاءة والاختصاص هاجروا الى الخارج الى جانب الهجرة الداخلية".

وتابعت في تصريحات: "نعمل على دراسة لرفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع التضخم الحاصل، كما نسعى الى رفع سعر السرير وتحويل قسم من هذا المبلغ الى هذا القطاع".

وأعتبرت أن "القطاع التمريضي لا يستهان به وهو يمثل نسبة مئوية كبيرة داخل المستشفيات التي لا تستطيع الاستمرار دونهم"، مضيفةً: "بعض المستشفيات تعطي الممرضين والممرضات نسبة مئوية من رواتبهم بالفريش دولار".

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9