كتب محمد خليل برعومي: التجديد ضرورة للتغيير في تونس

2022.05.28 - 02:10
Facebook Share
طباعة

يزداد الوضع السياسي في تونس تعقيدا يوما بعد يوم، مع تتالي المراسيم الرئاسية، ومضي الرئيس قيس سعيّد في تنزيل رؤيته الفردية بقوة الأمر الواقع. وقد أصدر، أخيرا، مرسوما يتعلق بتشكيل الهيئات الاستشارية التي ستشرف على بلورة ما سمّاها الجمهورية الجديدة، ووضع تصور للمسألة الاقتصادية والاجتماعية. حيث قوبلت هذه الخطوة برفض شديد من المنتظم السياسي والمدني التونسي في أغلبه، حتى من بعض مساندي الرئيس، بسبب إقصاء الأحزاب جميعها عن هذه النقاشات، فضلا عن شكل الاستشارة ومضامينها وأهدافها.

في الأثناء، تتفاقم الانتكاسة الاقتصادية والمالية، فقد أكّد محافظ البنك المركزي التونسي أن عجز الميزانية التونسية سيزيد إلى 9.7% هذا العام، مقارنة مع توقعات سابقة في حدود 6.7. هذا وقد شهد الشارع التونسي قبل أيام موجة نقد شديد لإجراء الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية للبنوك بمقدار 75 نقطة لتصبح 7%. وعبر البنك المركزي، في بيان له، بأن قرار الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية يهدف إلى التصدّي لضغوط التضخم التي تلوح في أفق التوقعات، وتجنب أي انزلاق للتضخم.


تتعدّد عناوين الأزمة في تونس من دون أي حلول أو بوادر للانفراج، رغم مجهودات بعض النخب المشتتة في الرفض والمعارضة للسلطات القائمة وكيفية إدارتها الشأن الوطني. ولعل أهم ما يتغذى منه الانقلاب في تونس هذا التنافر بين مكونات المشهد السياسي والمدني العاجز، إلى حد اللحظة، على التضامن والتقارب من أجل إنقاذ البلاد من شبح الديكتاتورية والإفلاس.

أهم ما يتغذّى منه الانقلاب في تونس التنافر بين مكونات المشهد السياسي والمدني العاجز، إلى حد اللحظة، على التضامن والتقارب

كان غضب جزء مهم من الشارع لحظة 25 يوليو/تموز على الطبقة السياسية عموما، والأحزاب الحاكمة، وهو ما استغله قيس سعيّد للانقضاض على السلطة ومسرح الفعل السياسي، فرصة للتقييم والمراجعة وإنتاج سلوك سياسي أكثر تمدّنا وملامسة لقضايا الناس واحتياجاتهم، إلا أن الانغماس في مقاومة الانقلاب مع رفض مستتر متواصل لدى جل الطبقة السياسية للتجديد، حال دون أي تغيير ومحاولة إعادة بناء الثقة مع المواطن.

بقدر ما تجب مناهضة الإنقلاب في تونس، والذود عن المؤسسات الديمقراطية، يجب القيام باصلاحات عاجلة على مستوى الأحزاب، ما يمكّنها من تجديد نفسها وإنعاش حركيتها في وجه مساعي القضاء عليها.

وقد تحدّث قيس سعيّد نفسه، وفي إطار استمالة التونسيين، مرارا، عن مضيه في تجديد الحياة السياسية، وهو أمرٌ لا يستقيم سياسيا وسوسيولوجيا، لأن كل عملية تغيير فوقية تُقابَل بمزيد من الجمود والتصلّب بغرض المقاومة، أو تنتهي بإفراز كياناتٍ سياسيةٍ مشوّهة. ورغم ادّعائه المزيف بضرورة التغيير، إلا أنه لم يستطع الخروج من دائرة القديم في جل تعييناته، وجديدها أخيرا رؤساء الهيئات الاستشارية، الصادق بلعيد، على سبيل الذكر، ثمانيني من رموز المدرسة القانونية التقليدية في تونس، مكلف بصياغة دستور الجمهورية الجديدة.

تفرض اللحظة الراهنة في تونس فسح المجال أمام جيل سياسي جديد ينطلق بخلفياته الفكرية المتنوعة، ليتنافس على إيجاد حلم وطني مشترك

لعل الشباب التونسي لم يستطع، بعد دوره الطلائعي في ثورة 2011، تحويل حراكه الثوري والاجتماعي إلى ممارسة سياسية منظمّة، تخوّل له المشاركة في مواقع القرار والحكم، ما جعل التنظيمات الكلاسيكية في أسبقيةٍ مريحة عليه، ولكنه نجح في انتزاع مساحات فعل جديدة، وراكم تجارب مهمة على المستويات، الجمعياتي والحقوقي والإعلامي.

وإذا كانت كل السياقات السابقة تستوجب إشراك الشباب في الشأن العام، فإن اللحظة الراهنة تفرض فسح المجال أمام جيل سياسي جديد ينطلق بخلفياته الفكرية المتنوعة، ليتنافس على إيجاد حلم وطني مشترك، بعيدا عن الصراع الأيديولوجي الصفري الذي كلف البلاد سنوات من العطالة .. هذا لبنان مثلا الذي يعيش أسوأ سنواته، نظرا إلى اقتصاده المنهار واضطراب الحياة السياسية فيه، يطل علينا بقبس من نور شباب حراكه الاجتماعي، بعد نجاحهم في إيصال نواب منهم إلى مقاعد البرلمان في الانتخابات أخيرا، ما أعطى بعض الأمل في الإصلاح والتغيير.

هذا الأمل ذاته تحتاجه تونس لمواصلة مسيرتها الديمقراطية والوقوف في وجه الفساد والاستبداد. كما يحتاجه الشعب لمقاومة بؤس الحياة التي دفعت بعضه إلى التعلّق بشعبوية الخطابات المنمقة أو إلقائه نفسه في قوارب الموت، وكفاءاته للبحث عن آفاق أرحب خارج حدود الوطن.

لا يمكن لأوطاننا أن تتقدّم، وأهم كتلة بشرية وشريحة اجتماعية فيها مُعطّلة ومغلولة الأيدي. وفي أحسن الأحوال، يقع رسم مجال تحرّكها وفق ما ترتضيه الأجسام التقليدية وبيروقراطية الأنظمة السياسية، في ظل عالم يراهن على تجدّده وتطوّره على جميع الأصعدة، وينتقل من مراحله الصناعية إلى عوالم التكنولوجيا الفسيحة واقتصاد المعرفة والبيئة.

المقال لا يعبر عن رأي الوكالة وانما عن رأي كاتبه فقط

المصدر: العربي الجديد 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 4