لماذا أثارت خطة التعافي الاقتصادي الجدل في لبنان؟

اعداد: شيماء ابراهيم

2022.05.25 - 02:03
Facebook Share
طباعة

أثارت خطة التعافي الاقتصادي التي أقرتها الحكومة اللبنانية الجدل، ووصل الأمر إلى حد الرفض والهجوم الشرف من قبل جمعية مصارف لبنان، الأمر الذي استدعى الرد من نائب رئيس الوزراء.

وجدّدت جمعية المصارف رفضها لخطة التعافي قائلة إنها "كُتِبت بأموال المودِعين وأموال المصارف، وهي تقف صفّاً واحداً مع المودِعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها".

وعلّقت الجمعية على إقرار الحكومة "خطة التعافي الاقتصادي"، وقالت: "أبَت الحكومة اللبنانية إلاّ أن تودِّع اللبنانيين بشكل عام والمودعين بشكل خاص، عبر إقرار خطة نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعاده الشامي، القاضية بتنصّل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة في ذمتهما، وتحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار أمريكي إلى المودعين، بعدما قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف".

وتابعت في بيانها "فأبشروا أيها المودِعون، لأن الدولة اللبنانية ألغت ودائعكم بـ"شخطة" قلم. فهذا كلّ ما تمخّض عن عبقرية "الخبراء"، بالرغم من وجود خطط بديلة واضحة، لا سيما تلك التي اقترحتها جمعية مصارف لبنان والقاضية بإنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد إلى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد".

وأردفت رضيَت الضحية ولم يرضَ الجاني، بذريعة أن هذه العائدات هي ملك للشعب ولا دخل للمودعين بها. وكأن استنزاف أموال المودعين لدعم الشعب كان محللاً، أما استعادة المودعين لأموالهم فهو محرّم.

وختمت: "أما أن يتحفنا البعض بالقول إن المداخيل المستقبلية للدولة هي ملك الأجيال القادمة، فذلك مرفوض كون مدخّرات الآباء تعود للأجيال القادمة أيضاً، فلا تعدموا جيلين تحت مسمى الحفاظ على مستقبل الأجيال".

وأقرّ مجلس الوزراء في جلسة برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري خطة التعافي أو ما سميت باستراتيجية النهوض في القطاع المالي.

ومن أبرز بنود خطة التعافي أو استراتيجية النهوض بالقطاع المالي، إلغاء تعددية أسعار الصرف الرسمية وتحديد سعر صرف رسمي واحد على منصة صيرفة (تابعة لمصرف لبنان)، احترام تراتبية الحقوق عند استيعاب الخسائر، حماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار، حل المصارف التي تعتبر غير قابلة للاستمرار بما يتماشى مع القانون الطارئ لإعادة هيكلة المصارف الذي سيقرّه مجلس النواب، إعادة تكوين رأسمال مصرف لبنان، إجراء تدقيق خاص لميزانيته، إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف.

كذلك، تقضي الخطة بمساهمات كبيرة من قبل مساهمي المصارف والدائنين من غير أصحاب الودائع، وذلك لما ستتطلبه إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار بالتوازي مع حل تلك غير القابلة للاستمرار.

وتوصل لبنان في نيسان الماضي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من (تسهيل الصندوق الممدد) لمدة 46 شهراً، وطلب لبنان بموجبه الوصول إلى ما يعادل نحو ثلاثة مليارات دولار.

بيان جمعية المصارف استدعى رداً من نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي وقال في بيان"من المؤسف أن يطالعنا ببان صادر عن جمعية المصارف أقل ما يقال فيه إنه مجاف للحقيقة، ويمثل عملية هروب إلى الأمام في محاولة مفضوحة تدعي حماية المودعين.

وأضاف: "في حين أننا نتفهم قلق مساهمي المصارف على ثرواتهم الخاصة نتيجة لخطة النهوض الاقتصادي والمالي، وهو لأمر طبيعي ومتوقع، إلا أن الخطير وغير المسؤول يتجلى في محاولة مكشوفة لربط مصير أموالهم بالمودعين، وهي محاولة للالتفاف على خطة متكاملة العناصر كانت محط تقييم وتقدير من قبل دول ومؤسسات دولية مستعدة لتقديم المساعدة للبنان".

وتابع: "خطة الحكومة التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي أتت بعد محادثات مضنية امتدت لعدة أشهر تستند إلى مبدأ تراتبية الحقوق والمطالب لاستيعاب الخسائر، وهو مبدأ عالمي يتماشى مع أبسط القواعد والمعايير الدولية، بمعنى انه لا يمكن المساس بأموال المودعين قبل استنفاد رؤوس أموال أصحاب المصارف".

وقال: "لقد زعمنا ولو لفترة وجيزة أن "العباقرة" ممن يقفون خلف هذا البيان مدركون جيدا لهذا المبدأ وظننا أيضا -قبل أن يخيب الظن- أنهم يعرفون أن عدم تطبيق هذا المبدأ سيقضي لا محالة على أي أمل في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو في الحصول على أي مساعدة من الدول الأخرى. وهنا لا بد أن يكون الجميع على دراية أن لبنان لن يتمكن من إبرام أي اتفاق مع صندوق النقد ولا الحصول على أي مساعدة من الدول الأخرى، ما لم يحترم هذا المبدأ ويطبقه.

وأردف: "كما لا بد من تسليط الضوء على أن ما يتردد حول كون الخطة ترمي إلى إعفاء الدولة ومصرف لبنان من أي مسؤولية لا يعدو كونه اتهامات عارية من الصحة ومغلوطة، وأن تصريحات مشابهة -من حيث عدم توخي الدقة وعدم التحلي بالمسؤولية- لتلك التي صدرت اليوم يمكن أن تقضي على هذا الأمل لا سيما إذا لاقت قبولا لدى المعنيين".

وأكد أن خطة النهوض بالقطاع المالي تحافظ على حوالي 90% من أموال المودعين، إلا أن هذا لا يعني أبدا أننا نتجاهل الـ10% المتبقية. فشطب جزء من ودائع المصارف الموجودة دفتريا لدى مصرف لبنان يهدف بالدرجة الأولى إلى تسوية وضع البنك المركزي حتى يتمكن من القيام بواجباته، لكن هذا لا يعني أن كل هذه الأموال قد شطبت من الودائع. وفي هذا الإطار، نحن لا نزال في خضم مفاوضات تسعى إلى حماية أكبر عدد ممكن من المودعين من دون أن نثقل كاهل الدولة بديون إضافية، لا سيما وأن هذه الديون هي أساس الأزمة غير المسبوقة التي نعاني منها اليوم، أو أن نفرط بأصول الدولة التي هي مملوكة من المواطنين مع العلم أن أكثر من نصف اللبنانيين لا يملكون حسابات مصرفية.

وتوجه إلى المودعين، بالقول: "لقد تعرضتم لضرر كبير نتيجة سياسات خاطئة، لذا أنتم على رأس أولوياتنا، فلا تدعوا أحدا يستثمر في حقوقكم المشروعة ويتكلم باسمكم وكأنه الحريص عليكم. لا تسمحوا بأن يكبلوكم بأغلال مصالحهم كي لا يغرقوكم معهم."

وفي تصريحات صحفية، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل إن "أي برنامج إصلاحي إنقاذي يجب أن يكون عنوانه العريض استعادة الثقة، بينما البرنامج الذي أقرته الحكومة ووقعت بناءً عليه اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي محوره الأساسي إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إذ إنّ 8 من أصل 9 شروط لقبول التوقيع على قرض الصندوق لها علاقة بالقطاع المصرفي بشكل مباشر من دون أن تتطرق إلى مسببات الأزمة وهي ثلاثية سوء استخدام السلطة، سوء إدارة القطاع العام وسوء إدارة الازمة".
ويشدد غبريل على أنّ "القطاع المصرفي ليس بمنأى عن إعادة الهيكلة لكن منهجية التعاطي مع القطاع وتسمية الفجوة المالية بالخسائر فيما هي ديون مترتبة على الدولة لا تريد دفعها إنما تحملها للقطاع المصرفي وتالياً المودع، هنا نقطة الخلاف الأساس".

ويتوقف كبير الاقتصاديين في "بيبلوس" عند بند في الخطة يتحدث عن إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف، بحيث يصار إلى تحويل الودائع التي تتخطى الحدّ الأدنى المستفيد من الحماية إما إلى أسهم و/أو تحويل ودائع العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية. ويسأل: "كيف تريد هذه الاستراتيجية أن تعيد الثقة للمودع الحالي أو الجديد المقيم وغير المقيم هل بتحويل ودائعه إلى أسهم للمصارف؟".

ويلفت إلى أنّ استعادة الثقة تكون من خلال إجراءات يلمسها القطاع الخاص والمواطن مباشرة على مستوى القطاعات، ولا سيما الكهرباء والاتصالات والخدمات العامة والبنى التحتية وتطوير المناخ الاستثماري ورفع مستوى التنافسية الاقتصادية ووقف التهريب ومكافحة التهرّب الضريبي وغيرها من الإصلاحات، مشيراً إلى أنه مع ما يقال بأهمية أن يكون القطاع المصرفي سليماً للنهوض اقتصادياً، ولكن لا يمكن تدمير المصارف ثم الحديث عن نهوض.

ويرى غبريل أنّ المودع يريد أجوبة عن أسئلة ثلاثة: "ما هو مصير ودائعه؟ بأي طريقة سيستردّها؟ وما هي المهلة الزمنية للاسترداد والتصرف بها؟" مشيراً إلى أنّ الدولة عليها أن تتعهد بتسديد التزاماتها ودفع ديونها بعد إعادة جدولة الدين العام ومن دون فوائد، فهذا يؤدي إلى استعادة الثقة".

ويضيف: "على الحكومة الجديدة أن تعدّل الخطة، هناك بنود مهمة فيها لكن الأولويات ليست بمكانها ويجب تبديلها ومقاربة موضوع الودائع بشكل يؤدي إلى استعادة الثقة".

كما أن من البدائل التي تطرحها المصارف إنشاء صندوق يستثمر ولا يتملّك بعض موجودات الدولة وحقوقها، وهنا لا نتحدث عن بيع أصول الدولة أو خصخصتها، بل إعادة إحيائها وتحسين إدارتها والاستفادة منها وذلك من خلال تشكيل هيئات ناظمة للقطاعات وإدخال شركات عالمية لاستلام الإدارة وإعادة الهيكلة وبهذه الخطوة يمكن استعادة الثقة وزيادة إيرادات الخزينة، كما يقول غبريل.

ويلفت إلى أن الدولة غنية ولديها ملايين الأمتار المربعة من العقارات غير المستثمرة، كما أن قطاعات حيوية دمرها العبث السياسي المتعمّد.

وفي تشرين الأول 2021، أعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، أن حكومته باشرت بإعداد خطة التعافي المالي والاقتصادي، تتضمن الإصلاحات الأساسية التي تحتاجها البلاد.

ويعاني لبنان منذ نحو عامين ونصف، أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ في تاريخه، حيث أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 3